عناصر المنتخب التونسي المحترفة في القارة العجوز تنتمي الى أندية مغمورة أو في الصف الثاني وحتى إن وجدت تجارب ناجحة فهي تعد على أصابع اليد الواحدة على غرار تجربة حاتم الطرابلسي مع اجاكس امستردام الهولندي وزبير بية وعادل السليمي مع فرايبورغ الألماني...
في المواسم الأخيرة، تراجعت بصفة ملحوظة نسبة احتراف اللاعبين التونسيين بالبطولات الأوربية بعد ان باتت بطولات الخليج وجهة مفضّلة لأنها توفر الكسب المادي في وقت قياسي ويستطيع فيها اللاعب التونسي فرض نفسه على خلاف أوروبا حيث الاحتراف والانضباط في ابرز تجلياته. وان بات التمثيل التونسي في أوروبا متراجعا بشكل ملحوظ فإن ظاهرة أخرى قد شدت الانتباه في السنوات الأخيرة وهي الهجرة العكسية للاعبينا من أوروبا نحو بطولة الرابطة المحترفة الأولى سواء بالنسبة الى الأسماء التي ترعرعت بالقارة العجوز قبل ان تعود لخوض تجربة في تونس أو لفئة أخرى شدت الرحال من بلادنا أملا في النجاح فإذا بها تحزم حقائب العودة الى الديار بسرعة.
تجارب متباينة...
في إطار حديثنا عن الهجرة العكسية للاعبين التونسيين هناك نوعان احدهما يتعلق باللاعبين الذين نشأوا وترعرعوا في أوروبا ثم قرروا خوض تجربة في تونس والثاني يخص الأسماء التي انطلقت من تونس وطرقت باب الاحتراف الأوروبي ثم عادت الى ارض الوطن وكلاهما يحمل في طياته تجارب جمعت بين النجاح والفشل ،بعضها قدم الاضافة التي انتدب من اجلها والبعض الآخر عجز عن التأقلم ورحل تاركا وراءه ذكريات تجربة لم يكتب لها التوفيق. عديدة هي الأسماء في هذا المجال لكن من ابرز قصص النجاح من الأسماء «أوروبية المولد» نذكر عادل الشاذلي مع النجم الساحلي وحسين الراقد ومن بعده انيس البدري وأيمن بن محمد مع الترجي الرياضي وعبد القادر الوسلاتي ونادر الغندري مع النادي الافريقي وغيرهم. في المقابل، لم يكتب النجاح لحامد النموشي مع النجم الساحلي وياسين الميكاري وحسين ناطر مع النادي الإفريقي وسليم بن جميع مع النادي الصفاقسي...
اما بالنسبة الى الأسماء التي انطلقت من تونس لخوض مغامرة أوروبية لم تدم طويلا عادت بعدها الى البطولة التونسية فهي اكثر من ان تحصى واخرها عصام الجبالي الذي برز مع النجم الساحلي ثم طرق باب الاحتراف حيث كانت ابرز محطاته مع روزنبورغ النرويجي والمشاركة في «الاوروباليغ» قبل أن يخوض تجربة خاطفة مع الوحدة السعودي حيث تشير المعطيات انه يقترب من العودة الى البطولة التونسية من بوابة النجم الساحلي. وقبل الجبالي هناك أسماء أخرى عجزت عن حجز مكان في أوروبا فعادت الى تونس على غرار ايهاب المباركي الذي برز مع النادي البنزرتي ثم خاض تجربة احترافية في ايفيان الفرنسي لم تدم طويلا عاد بعدها الى تونس من بوابة الترجي الرياضي كما هو الشأن لفخر الدين بن يوسف والفرجاني ساسي بعد تجربة في ماتز الفرنسي عادا الى البطولة عن طريق الترجي الرياضي قبل ان يخوض كلاهما تجربة خليجية...احمد العكايشي أيضا بدأ مسيرته من النادي البنزرتي ثم النجم الساحلي وخاض تجربة احترافية مع انغلوستاد الألماني قبل ان يعود إلى تونس ويلتحق بالترجي ثم بالنجم ومنه الى تجربة خليجية مع اتحاد جدة...
الملعب التونسي بات وفيا لهذه العادة
لم يعد انتداب الأسماء التي تكونت في أوروبا أو العائدة بعد تجارب احترافية فيها حكرا على «الرباعي الكبير» بل إن بعض الفرق الأخرى حظيت هي الأخرى بطرق هذه التجربة على غرار الملعب التونسي. في الميركاتو الشتوي للموسم المنقضي استقطب فريق باردو اللاعب ريان بن خميس الذي نشط في لوريون الفرنسي قبل أن ينتقل إلى دونكاستير روفيرس الانقليزي ويبدو أن التجربة قد أغرته حيث انتدب هذا الموسم زين الدين التواتي من غرونوبل الفرنسي لمدة 3 مواسم. ونسج اتحاد بن قردان على منواله عندما استقدم الجناح التونسي الهولندي وائل رمضان (من مواليد شهر ماي 1996) بعقد يمتد لموسمين.
واختار صابر خليفة بعد تجربة في الإمارات العودة الى النادي الإفريقي. ويذكر أن هذا اللاعب ابن الملعب القابسي وقد برز في نادي حمام الأنف مكان محطة عبوره نحو الترجي الرياضي ثم خاض تجربة احترافية ضمن ايفيان الفرنسي تألق خلالها وجلب اهتمام اولمبيك مارسيليا وعوض أن يكون الصعود الصاروخي إلى أندية أبرز وجدنا اللاعب يعود الى البطولة التونسية.
بحث عن إثبات الذات
عديدة هي الأسباب التي تدفع اللاعب التونسي الى الهجرة العكسية فالثابت أن السبب الأساسي يتمثل في الفشل في فرض الذات في أوروبا وملازمة بنك البدلاء لفترة مطولة وما يمكن ان يفرزه ذلك من تأثير على مستواه وفقدان مكانه ضمن المنتخب الوطني اذا كان من العناصر الدولية لذلك يمكن القول إن الموافقة على عروض الالتحاق بالبطولة التونسية فرصة لإعادة اكتشاف الذات واثبات الإمكانيات خاصة إذا عانى من تيار النسيان في تجربته الأوروبية لذلك تكون التجربة خصوصا مع احد الاندية الكبرى فرصة لانطلاقة جديدة وإعادة نفض الغبار عن مؤهلاتهم.
الاغراءات المالية
قد يتساءل البعض عن السر الذي يجعل بعض الأسماء التي كانت تحترف في أوروبا أو تلك التي ولدت وترعرعت في أحضانها تختار العودة الى تونس رغم عدم وجود مقارنة لا من حيث التجهيزات والبنية التحتية ولا من حيث الموارد المالية لكن لا يخفى ان عديد الأندية التونسية خاصة منها الكبرى باتت تقدم إغراءات مالية كبيرة لهؤلاء اللاعبين لاستقطابهم رغم ما تجده من منافسة اندية أوروبية وخليجية، ويمكن القول إن الأندية تجازف بتوفير أموال طائلة للاعبين لا يعد نجاحهم وتأقلمهم مضمونا لكن كل شيء يهون من اجل إسكات انتقادات الجمهور أو تحقيق نتائج ايجابية خاصة إذا كان قدرها المراهنة على الالقاب.