فإذا أخطأت الكرة الشباك وتصاعد غضب الجمهور لم يجد المسؤول إلا تقديم المدرب كبش فداء لعله يمتص ثورة الأحباء ولكن إن تواصل الفشل يصبح الأمر أشبه بالدوران في حلقة مفرغة تغيير وراءه آخر والضريبة يدفعها الفريق الذي تتقاذفه النتائج المتذبذبة ويصارع من اجل الابتعاد عن مناطق الخطر.
في الرابطة المحترفة الأولى بات تغيير المدربين أمرا عاديا بل كأن الفرق دخلت في سباق محموم للاستنجاد بأكثر عدد ممكن من المدربين وحتى القانون الذي اقرته الجامعة التونسية لكرة القدم لتحديد عدد المدربين في الموسم الواحد في الرابطتين الأولى والثانية بثلاثة مدربين فيبدو انه لم يردع الأندية التي نجدها تبحث عن ثغرات للتنصل من هذا القانون الذي يقيد حريتها في تغيير إطاراتها الفنية كما يغير اللاعبون أزياءهم الرياضية،كل الأندية أقدمت على تغيير مدربيها باستثناء الاتحاد المنستيري الذي حافظ على مدربه اسكندر القصري.
الصدارة ليست حصانة...
يقول المنطق إن النتائج الايجابية هي السبيل الذي يحافظ من خلاله المدرب على ثباته لكن في بطولة اللامنطق والبدع كل شيء جائز، حتى المرتبة الأولى ليست ضمانا للمدرب ليحافظ على موقعه فقد حصلـت القطيعة بين الترجي وفوزي البنزرتي رغم أن الفريـق كان يحتــل المرتبــــة الأولـــى بحجــــــة ضعف الأداء والخروج مـن رابطة الأبطال ورغـم محاولات الصمود من البنزرتي فإن الحملات التي قادها ضــــده الأحباء دفعته إلى رمي المنديل وحتى خليفته المنذر الكبير فإنه لم يكن أفضل حظا منه فمهمته على رأس الأحمر والأصفـر لم تدم لأكثر من شهر على أقصى تقدير رغم أن الفريـق لا يزال محافظا على المرتبة الأولى لكن الخروج من الدور السادس عشر للكأس أمام نجم المتلوي وتراجع الأداء جعلا هيئة حمدي المؤدب تتخذ قرار اقالته و اعادته الى منصبه في الادارة الفنية وهاهو فريق باب سويقة يستنجد بخالد بن يحي كثالث مدرب للفريق هذا الموسم لعله يحقق ما عجز عنه سابقوه.
اسكندر القصري ...الإستثناء
في خضم الحركية التي تطغى على انتقالات المدربين وحمى النتائج التي تسيطر على أذهان المسؤولين، ادر ك أهل القرار في الاتحاد المنستيري أن الحل في الاستقرار الفني فلم تزد بعض العثرات هيئة نادي عاصمة الرباط إلا تمسكا بخدمات المدرب اسكندر القصري وها أن الفريق الذي عاد في أعقاب الموسم الماضي الى الرابطة الأولى يجني ثمار الاستمرارية من خلال أداء متميز أهله لاحتلال المركز الخامس بـ33 نقطة بفارق 11 نقطة عن صاحب الصدارة.
رقم قياسي
رغم أن الجامعة التونسية لكرة القدم أقرّت قانونا يقضي بعدم استنجاد فرق الرابطة الأولى بأكثر من ثلاثة مدربين في موسم واحد للحفاظ على «كرامتهم» خاصة ان مقصلة الإقالة تنتظرهم مع أول عثرة، فإن بعض الأندية لا يعوزها الدهاء لاستنباط حيَل تجنّبها الوقوع في مخالفة القانون فهناك اتفاق مع المدربين يجري بصورة شفوية دون عقد كتابي ...ولئن أقدمت جل الفرق على تغيير مدربيها بأعداد متفاوتة فإن الرقم القياسي يحتفظ به فريقان وهما الملعب القابسي والترجي الجرجيسي ورغم ذلك فإنهما لا يزالان يصارعان تيار النتائج السلبية.
يذكر أن نادي عاصمة الحناء بدأ موسمه مع الفرنسي جيرار بوشار لكن لأسباب مجهولة تمت إقالته رغم ان النتائج لم تكن كارثية وعوضه ماهر الكنزاري الذي أعلن الاستقالة ذات حصة من الاحد الرياضي مبررا قراره بأن الظروف لم تعد ملائمة للعمل لتستنجد هيئة «الستيدة» بخدمات خالد بن يحي لكنها زيجة لم تكن مطولة ليحصل طلاق بالتراضي بعد اتفاق بن يحي مع هيئة الترجي وتتعاقد هيئة صابر الجماعي مع محمد الكوكي الذي كان في حل من كل ارتباط بعد إقالته من تدريب الملعب التونسي.
من جهته، كان لسعد معمر على خط الانطلاق مع الترجي الجرجيسي وبعد مرور 4 جولات حصلت القطيعة مع نادي عاصمة الزياتين ليعوضه نور الدين بورقيبة لكن تواصل النتائج السلبية دفع هذا المدرب للانسحاب بعد اقل من شهرين على تسلم مهامه وعوضه منير راشد وهو رجل الإنقاذ في كل فراغ فني لـ«العكارة» قبل ان تتعاقد هيئة ترجي الجنوب مع المدرب رضا الجدي...
مارشان ومضوي طوق نجاة الافريقي والنجم من أزمة النتائج
المتأمل في جدول مدربي الرابطة الأولى منذ بداية الموسم يلاحظ أن كلا من النجم الساحلي والنادي الأفريقي بقيا وفيين للمدرسة التدريبية الأجنبية ففريق باب الجديد كانت انطلاقته مع الايطالي ماركو سيميوني ولكن تراجع الأداء وضعف النتائج أجبرا أهل القرار في الأحمر والأبيض على التعاقد مع الفرنسي برتران مارشان الذي يعرف جيدا اجواء الفريق بما انه دربه في الفترة الممتدة بين 2005 و2007 قبل أن يلتحق بعد ذلك بالنجم الساحلي ويحقق معه نتائج متميزة توجت بالحصول على رابطة أبطال إفريقيا والمشاركة في كأس العالم للأندية باليابان. مارشان ما فتئ يثبت أن مسؤولي الافريقي احسنوا الاختيار من خلال التعاقد معه وهو الذي أعاد الأفارقة الى سكة النتائج الايجابية والمراتب الأولى بعد أن لازم وسط الترتيب لفترة ليست بالقصيرة...
على غرار الأفارقة فإن النجم الساحلي بدأ موسمه مع الفرنسي هيبار فيلود لكن إخفاق فريق جوهرة الساحل في المرور الى نهائي امجد الكؤوس الإفريقية في النسخة الماضية وتكبده هزيمة ثقيلة في نصف النهائي أمام الاهلي المصري بسداسية مقابل هدف عجلت برحيله ليتسلم علي بومنيجل وقيس الزواغي المقاليد الفنية مؤقتا قبل التعاقد مع الجزائري خير الدين مضوي مدرب وفاق سطيف الجزائري سابقا في سيناريو أعاد للأذهان تجربة مواطنه عبد الحق بن شيخة مع النادي الإفريقي ونجاحه في قيادة الأحمر والأبيض الى التتويج بالبطولة المحلية في 2008 بعد جفاف استمر 12 سنة.
المدرسة التدريبية الفرنسية والجزائرية بتمثيل وحيد...
أشرنا في قراءة سابقة لمدربي الرابطة المحترفة الأولى ان المدرسة التونسية فرضت وجودها بقوة بعد مواسم رجحت فيها الكفة للمدارس التدريبية الاجنبية. ولا يزال المدرب التونسي يحافظ على صموده فمن أصل 14 مدربا في الرابطة الأولى هناك 12 من الأسماء المحلية. في الموسم الحالي استقبلت البطولة التونسية الجنسية الايطالية من خلال ماركو سيميوني مدرب الافريقي سابقا والبرتغالية من خلال جوزي دي موتا مدرب النادي الصفاقسي السابق لكن رياح التغيير عصفت بكليهما لتبقى المدرسة الفرنسية «الملح» الذي لا يكاد يغيب عن بطولتنا حيث سجلنا مع انطلاق البطولة وجود هيبار فيلود مع النجم الساحلي وجيرار بوشار مع الملعب القابسي وباسكال جانان مع الشبيبة القيروانية وكلهم لفظتهم رياح التغيير ليبقى للجنسية الفرنسية تمثيل وحيد يتعلق بمدرب النادي الافريقي بارتران مارشان. كما عادت المدرسة التدريبية الجزائرية للحضور في المشهد الكروي التونسي متسلحة بتاريخ ايجابي ساهم فيه مدرب الإفريقي عبد الحق بن شيخة ذلك أن النجم الساحلي اختار التعاقد مع مدرب وفاق سطيق الجزائري خير الدين مضوي ومعه بدأ الفريق يستعيد عنفوانه ويعود الى مداره بعد نتائجه المتعثرة اثر الانسحاب من المسابقة القارية.
ظاهرة اختطاف المدربين
تعودنا خلال فترة الميركاتو على اختطاف اللاعبين واستعمال قوة المال لتغيير مسارهم لكن هذا الموسم انتقلت العدوى لتبرز ظاهرة اختطاف المدربين حيث يقدم بعض المسؤولين على الاتصال بأسماء مرتبطة مع اندية أخرى ومحاولة إغرائهم بفك ارتباطاتهم والتعاقد مع فريقهم الجديد،وفي خضم كل ذلك يجد النادي «المتضرر» سفينته في عُباب البحر دون ربّان يتقاذفها المصير المجهول وضرورة ايجاد البديل في وقت قياسي ...وكانت البداية مع لسعد الدريدي الذي انسحب من تدريب النادي البنزرتي بعد أن تلقى عرضا من النادي الصفاقسي ولئن كانت البداية موفقة فإن تراجع أداء «السي آس آس» في الفترة الأخيرة وتواصل نزيف إهدار النقاط حكم عليه بمغادرة مركب نادي عاصمة الجنوب ومرة أخرى فاوضت هيئة المنصف خماخم غازي الغرايري المرتبط بعقد مع نجم المتلوي لتسير الأمور نحو اتفاق بين الطرفين وفراغ فني في فريق المناجم ملأه مؤخرا بالتعاقد مع عفوان الغربي.
وسار الترجي الرياضي على خطى النادي الصفاقسي في إطار بحثه عن بديل للمنذر الكبير الذي لم تكن تجربته مطولة مع الاحمر والاصفر ففاوض أهل القرار خالد بن يحيى المدرب السابق للملعب القابسي رغم ما تم ترويجه آنذاك من أن التحاق بن يحيى بحديقة حسان بلخوجة تم بعد اتفاق مع هيئة «الستيدة» ...حادثة أخرى لا تتعلق بالاختطاف بل بالهروب والانسياق الى الإغراءات بطلها منتصر الوحيشي مدرب مستقبل قابس الذي ترك تدريب «الجليزة» بعد تداول خبر الاتصالات مع هيئة الإفريقي لكنه وجد نفسه في التسلل بعد ان تعاقدت هيئة باب الجديد مع الفرنسي برتران مارشان...
تغيير مفروض...
حتى لا نظلم كل الأندية لابد من الإشارة الى ان بعض الفرق وجدت نفسها أمام حتمية التغيير والاستنجــــــاد بمدرب جديد امـــا لأن المدرب السابق قد رمى المنديل بسبب تواضع النتائج او لأنه اختار طرق أبواب تجربــة جديدة استجابـــة لاغراءات فريق آخر تحت منطق «تبديل السروج فيه راحة».
في عاصمـــة الجلاء، كانـــت الاجواء عال العال بين هيئة النـادي البنزرتي والمدرب لسعد الدريـدي الذي انطلق مع الفريــق منـــذ بدايـــة الموســم لكن العرض الذي تلقاه من النادي الصفاقسي جعله يحزم حقائب الرحيل ويجبر هيئة «السي آبي» على البحث عن بديل وبعد تصويت الجمهور تم تثبيت المعوض وليد بن ثابت بصفة رسمية في خطة مدرب اول. واستنجد مستقبل قابس بدوره بخدمات المدرب مرسي محمود الذي امتطى القطار وهو يسير خلفا لمنتصر الوحيشي بعد أن تلقى الأخير اتصالات من هيئة النادي الإفريقي. على غرار «الجليزة» حكم خروج غازي الغرايري من مدينة المناجم إلى عاصمة الجنوب على هيئة نجم المتلوي بالتعاقد مع عفوان الغربي ليكون المدرب الثاني للفريق منذ بداية الموسم.واستقالة الغربي من مدنين حتّمت على هيئة الفريق الذي صعد في اعقاب الموسم الماضي الى الرابطة الاولى تعيين لسعد معمر مدربا أول للفريق في اجواء مشحونة بسبب غضب الجمهور على النتائج وهو ماجعل معمر يلوح بالانسحاب بعد أول حصة تدريبية مع فريقه الجديد ولكنه تراجع عن قراره وأعلن مواصلة المهمة.