أحيانا نكون أشبه بحفار القبور ندفن أحلامنا جثثنا هامدة ونتركها للديدان تنهشها.. ونبكي بلا توقف كالأطفال، ولسنا بأطفال، ويغرقنا الظلام ونرى إلا في مملكته كطيوره تماما.. ننبش لنجد الظلام والعظام.. عظامنا نحن.. من يؤمن بأن الحياة هي موت مؤجل فسيبقى محاصرا بين التراب والديدان، التراب يسجنه بعيدا عن النور ويخنق صدره وأنفاسه ويثقل كاهله، والديدان تنهش أحلامه لتقضم من جسده وروحه التي أُكلت قطعة قطعة..
٭٭٭
لذلك ولأسباب أخرى، وهي أننا نرفض فكرة الموت مع الحياة..لا أؤمن أنّ من ينسج أحلامه يحطمها الزمان، وأؤمن فعلا أنّ من لا يود صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر، صدق الشابي..
في وطننا الكبير، كل هذا العالم، وفي وطننا الأصغر، تونس، يكمن بينهما وطن أكبر من كل هذا الكون: إنه نحن.. لا يتنفس ولا يشتدّ ساعده ولا يقوى إلا بلأمل والأيمان والعمل.. وسيكون يوما كما يريد.. بل سيكون كل الأيام كما يريد..
من منا يستطيع أن يضرب قصص النجاح والفشل؟ ومن نحن لنضرب هذه الأمثال ونرويها؟ غير أننا يمكن أن نتساءل من أفضل حال ممن في وطن لا تُسمع فيه غير الشكوى ومشتقاتها.. هي خبزا للشكّائين البكّائين.. هي فيروسا يتكاثر في الهواء المشترك.. وهي الوباء نهاية المطاف، لا يندثر إلا بفتح الستائر حتى يدخل ذلك النور الذي لا تكبر فيه إلا الأماني التي تتحقق..
ربما في بعض الأحيان تبكي وتتألم ولا تخبر أحدا.. وإن أردت أن تتحدث عن هذا الألم يخونك كل شيء.. حتى لغتك.. فقط تصمت وتصمت.. إلى أن يرتسم الألم حزنا في عينيك وتجاعيدا في جبينك.. ووخزا في قلبك.. فتموت أحلامك وتتلاشى حياتك معها.. فقط تتمنى لو كنت حبة غبار في هذا الكون العظيم لينتهي كل شيء.. ولا ينتهي .. فقط يظل حزنك وقودا يأكل غدك.. فلا شيء يدفأ قلب الإنسان غير حفنة من التراب.. غير أنّ النبش في الظلام لا يجلب ...