أيام سينما المتحف بسوسة: دورة ترميم الأشرطة والذاكرة والمعنويات

خلال الفترة الصيفية من كل سنة يتحول فضاء «المتحف» الموجود بالمدينة العتيقة سوسة إلى «مختبر» فني حي تتقاطع فيه الفنون فيما بينها من المسرح إلى الموسيقى وصولا إلى السينما مرورا بالرقص وبالأدب والفكر وتلعب أسوار «المتحف» خلال كل هذا الحراك الثقافي الموسمي

أدورا مختلقة فهي الشاهد الأول على هيبة المكان وعلى قيمته التاريخية وهي المحمل الذي يحتضن الأضواء والصور والأصوات وكل التعبيرات الفنية الأخرى.

في دورته الثانية ( 6 – 11 سبتمبر 2016 ) وبعد دورة تأسيسية رآها المختصون في السينما ناجحة اختار القائمون على تظاهرة «سينما المتحف» بإدارة الأستاذ «محمد شلوف» أن يكون «الترميم» هو « التِّيمة « المعتمدة هذا العام بالإضافة الى الاشتغال على تقديم صورة تونس القديمة من خلال السينما دون إغفال العمق الافريقي والدور الحقوقي والاجتماعي الذي تلعبه السينما مرورا بالعروض الحية و بالموسيقى التي تؤرخ للسينما و الموسيقى التي تحارب الإرهاب بشكل علني و صريح .

دورة ترميم الأشرطة والذاكرة والمعنويات
تشهد تقنية ترميم المواد المصورة من أشرطة طويلة وقصيرة و وثائقية تطورا مكثفا و مدروسا خلال السنوات الأخيرة حيث أصبحت كبرى شركات الإنتاج العالمية تتسابق نحو الحصول على حقوق إعادة الانتاج لما في ذلك من عائدات مادية بدرجة أولى و لكن أيضا لما في ذلك من قدرة على تطويع التكنولوجيا الحديثة لفائدة ربط الصلة بين الأجيال الجديدة و بين الذاكرة الفنية السينمائية حيث يقع طرح نسخ جديدة من الأعمال الفنية الخالدة على وجه الخصوص وذلك بتقديمها بصورة أنقى و أدق .
للحصول على نسخة عالية الجودة من عمل سينمائي أو وثائقي يقع الاشتغال على المادة المصورة في وضعيتها الخام أي مباشرة على الشريط الأصلي سواء بالنسبة للـ 35 أو 70 مم و يتم خلال هذا القيام بعملية تصحيح لوني وصوتي حيث تتم « رقمنة» كل صورة داخل الشريط الأصلي على حدة ليتم تجميعها بعد ذلك في نسخة عالية الجودة .

خلال دورة هذا العام في مهرجان سينما المتحف بسوسة تم عرض عدد من الأشرطة المرممة بتقنية ( k4) وتم بالخصوص عرض شريط «علي بابا و الأربعين لصا» «لجاك بيكر» و هو الشريط الذي تعودته العين على شاشات التليفزيون بجودة متوسطة بالنظر إلى سنة انتاجه ( انتاج سنة 1954 ) و لكن النسخة المعدلة و التي تم عرضها خلال المهرجان أعطت للفلم بعدا جديدا بعد إعادة تركيب صوره و خصوصا موسيقاه .
حرص القائمون على تظاهرة «سينما المتحف « بسوسة على تأكيد الترابط المعنوي بين الذاكرة و السينما و الأجيال الجديدة خصوصا من خلال تكريم المخرج الإيطالي « سيرجو ليوني « و الذي قدمه بشكل تقني و فني من جهة و إنساني من جهة أخرى الفنان التونسي المقيم بإيطاليا « أحمد الحفيان « و ذلك من خلال شريط « من إجل حفنة من الدولارات « .

تونس ,أفريقيا بعدسات محايدة
« البار ماهوزي « اسم ربما لم تحفظه السينما العالمية جيدا و لكن صورة هذا الرجل الفرنسي المتحمس للسينما ستبقى حتما و خصوصا ستبقى صورة الرجل المتحمس لأفريقيا و لتونس و هو الذي جال العالم مع أحد عشر فردا من عائلته بحثا عن القصص و الصور للأفلام الوثائقية التي كان يقدمها خلال المؤتمرات التي يقيمها في أسفاره فقدم على سبيل المثال خمسة أشرطة قصيرة جال من خلالها في خمسينات القرن الماضي البلاد التونسية من بنزرت في الشمال إلى أقصى الجنوب التونسي مرورا بالعاصمة و صفاقس متعرضا لأهم ما يميز هذه المناطق من خصوصيات طبيعية و اجتماعية و ثقافية و كذلك فعل « ماهوزي « بالنسبة لدولة «التشاد « حين قام بتوثيق طرق صيد السمك فيها دائما في خمسينات القرن الماضي .

أيام قرطاج السنيمائية: التظاهرة الأم
في اطار رد الاعتبار للتظاهرة الأم « أيام قرطاج السينمائية « و اعترافا بريادة هذا المهرجان في القارة الافريقية قاطبة و هو الذي يتم هذا العام عقده الخامس تم توجيه الدعوة في إطار « أيام سينما المتحف « بسوسة لعدد من الوجوه التي مرت بالمهرجان و التي صنعت لنفسها من خلاله مسيرات حافلة و مشعة على غرار المخرج التونسي»عمار الخليفي» والممثلة السنغالية « تيريزا ديوب مبيسين ” حيث تم عرض أشرطة « الطاهر شريعة – تحت ظل باوباب «» لمحمد شلوف (2015) و « سوداء فلان « لسمبان عثمان ( 1966 ) وهو بالمناسبة أول فيلم حائز على التانيت الذهبي في ايام قرطاج السينمائية.

السينما التونسية.. سينما بلا بيت
تتويجات بالجملة عربيا ودوليا وسمعة عالمية لمخرجين ولأعمال أنجزت بميزانيات « مجهرية « مقارنة بما يعتمد في الدول المراهنة على السينما صناعة وثقافة.. ريادة عربية وأفريقية على مستوى المهرجانات وعلى مستوى المنافسة في المهرجانات والمسابقة الدولية و لكن» تونس « اليوم و القائمين فيها على الشأن السينمائي لم يتمكنوا إلى الآن من « هندسة « بيت للسينما التونسية يكون « قبلة « للسينمائيين و للباحثين عن مدى عمق امتداد جذور السينما التونسية داخل المجتمع التونسي في مختلف الفترات الزمنية فتونس و على عكس عدد من الدول الأفريقية لا تملك مكتبة سينمائية واضحة المعالم و لعل الشعور بهذه النقيصة يتضاعف مرات إذا ما علمنا أن دولا حديثة العهد في إنتاج السينما قد وضعت بعد خططا وطنية لجمع أعمالها السينمائية و تبويبها في إطار مشاريع وطنية متكاملة تهتم بالذاكرة الثقافية الحية و التفاعلية .

كثيرة هي الدعوات التي أطلقت خلال أيام « سينما المتحف « بسوسة لتفعيل خطة وطنية ناجعة قصد الإسراع في لملمة الذاكرة السينمائية التونسية و حفضها من الضياع و التلف باعتبارها جزء مهما من الذاكرة الجماعية الوطنية و لعل « تيمة « الترميم التي دارت حولها مجريات الدورة الثانية من أيام « سينما المتحف « بسوسة تكون علامة دالة على وجوب الدخول الفعلي في منظومة « ترميمية « في هذا المجال تأخذ بعين الاعتبار الرصيد التونسي الهام في هذا المجال و تسعى إلى توظيف الخبرات البشرية و التقنية التي لا تعوز التونسيين لإنجاز ذلك .

 خليل قطاطة 

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115