هنا في «طبراقة» أو المكان الظليل كما سماها أول من رسى بهذه الأرض تم الاحتفاء بموسيقى الجاز في سهرة افتتاحية جد مميزة موسيقى وحضورا جماهيريا وأمنيا وترحابا من سكان المدينة وسياح اختاروا طبرقة الجميلة لمعانقة الحلم والاستمتاع بالموسيقى والجمال وانجاز مهرجان بدعم 380 الف دينار بعد طول انتظار.
ويحلو الحلم في طبرقة مع موسيقى القناوة
كانت ولا تزال مدينة طبرقة هي القبلة المفضلة الأولى للتونسيين والسياح العرب والأجانب. وتتميز مدينة طبرقة عن بقيّة المدن التونسية، بمنازلها البيضاء والزرقاء، ذات الأسقف المكسوّة بالقرميد الأحمر، وكذلك بشاطئها الجميل الممتد بين الغابة والجبل في سلسلة من الكثبان الرملية والخلجان الصخرية، في مكان صوت الموج فيه يعاند الجبل الشامخ قبالة البحر المعانق للغابة استمتع عشاق الجاز بموسيقى مميزة، موسيقى هادئة حينا وصاخبة حينا آخر.
على الركح توزعت الآلات كأصداف جميلة تزين المكان، قيثارة وباص ودرامز و إيقاعات وكلافيي و تر عزيز سمحاوي، كل الآلات تماهت واتحدت في نغماتها لتقدم سهرة افتتاح تروق لأهالي طبرقة وضيوفها وتكون حجم الرهان الذي أخذته الهيئة المدبرة لإنجاح المهرجان بعد طول التأجيل.
تنساب النغمات رقيقة هادئة كهسهسة الموج وحديثها مع النجوم التي زينت المكان، موسيقى هادئة تجعلك تغمض عينيك لتتذوقها بروحك وقلبك وتكون روحك قبلتك وديدنك الموسيقى الشجية، اغاني تتغنى بالخالق والنبي المصطفى، كلمات صوفية صحبتها موسيقى القناوة ليقدم عزيز سمحاوي مجموعة من اجمل أغانيه واشهرها غنى «يا نبينا» و الف حيلة» و «ياسمين» و طلب منه الجمهور كل مرة «كاهنة» و «مسكية».
في حفل الافتتاح تميز الإيقاع أكثر من الكلمات، حيث الدرامز التي يعزف عليها الفنان الابيض صاحب العينين الزرقاوين ويعزف بمهارة كتونسي «Jon Grandkamp» كما قال عزيز سمحاوي، و إيقاعات عذيل المرغني من كازابلانكا وقيتارة «Hervé Sambe» من الكونغو والباص «Alioune Wade» من الكاميرون كلافيي اسماعيل بن حوحو من الجزائر آلات عاندت صوت الموج وصراخ الجماهير لتحقق الافضل لجمهور ينتظر المهرجان لينتشي باجمل النغمات، الات موسيقية صنعت الفرجة وأمتعت جمهور طبرقة الذي جاء بأعداد غفيرة لمواكبة حفل الافتتاح، آلات عزفتها جنسيات مختلفة، موسيقى حققت الوحدة الافريقية على الركح، وحدة العازفين وتماهي موسيقاهم بالاتهم المتباينة كان حفل الافتتاح كرحلة بحث ومفاوضات في مشاكل القارة السمراء لتكون النهاية بالوفاق على الركح فهل يكون الوفاق السياسي والاجتماعي بين ابناء القارة؟.
بعد أكثر من نصف ساعة قطع احد اوتار الة الوتر التي يعزف عليها عزيز سمحاوي فعوضها بالقيتارة والآلات الأخرى وأكمل الحفل بوتر وحيد ولكن الموسيقى بقيت مميزة وجد ممتعة.
في طبرقة يحلو الحلم، هنا في مدينة تعانق الجبل والبحر والغابة وموسيقى الجاز الجميلة استمتع الجمهور بحفل الافتتاح وانتشى الحضور أمام فنان يعشق موسيقاه ومجموعة موسيقية مكونة من جنسيات مختلفة بموسيقاها حطمت كل الحدود فنان قال انه في خدمة الموسيقى
وليس بموسيقي لان الموسيقى رمز الحياة ونحن نعزف لننشر بوادر الأمل أينما حللنا».
اغاني الحرية والوحدة
طبرقة المدينة التي اسسها البحار الفينيقي “هانون”، وجعل منها مرفئ تجاري وأطلق على المدينة الفينيقية آنذاك اسم “طبراقة”. (أي المكان الظليل)، وفي القرن الثالث الميلادي أصبحت المدينة مستعمرة رومانية في ذروتها، وازدهرت بفضل التجارة وخاصة مرمرها الأصفر الذي كانت النخبة الرومانية تحبذه لبناء قصورها. وتاريخ المدينة حافل ومتقلب فكثيراً ما أوقعتها ميزاتها الطبيعية في المخاطر وقد راوحت على مر العصور بين الازدهار والتدهور في مدينة تجمع التاريخ والحضارة وجمال الطبيعة ونشوة الموسيقى ان موعد الجماهير مع اغاني عزيز سمحاوي الرافضة للحروب والمنددة بالفرقة والداعية للسلم.
امام 1200 متفرج غنى عزيز سمحاوي غنى «فاطمة» اغنية يتساءل فيها عن سر الحروب ويقول سمحاوي « فاطمة فوق الصخرة تسأل، عصفت رياح في البحر وتهون السفر والنفس شهيقة، بين اليمنى واليسرى رواية القصر تحكي، ما ذنبي انا ما للنور تفجر فجأة، لم هذي الحروب وخصامات القلوب» اغنية قوامها موسيقى الدرامز القوية نغمات صاخبة ومجنونة كما اسئلة الرفض التي تسكن كارهي الحروب والدم والفرقة، ثم يكون التدخل للايقاعات والشقاشق القراقم الات تبدو نغماتها ارق وكانها تعبيرة عن حيرة تستوطن النفس البشرية كلما خامرها سؤال عن الحرب.
وعزيز نشأ في بيئة فنية وثقافيّة غنيّة ومتنوعة بتنوع المجتمع المغربي، وكبر على إيقاع موسيقى الغناوة والغناء الشعبي وتأثر بها. ودفعه حبّه لهذا التراث الموسيقي وحرصه على الحفاظ على الموسيقى التقليدية إلى أن يمزج بين الإيقاع الشرقي وموسيقى الجاز والروك وعلى ركح طبرقة حضرت كل الانواع الموسيقية..
البداية كانت مع اوركسترا بربيس الوطنية في اواخر الثمانينات، بعد انتقاله للإقامة في فرنسا. وشكّلت هذه المرحلة بالنسبة له تجربة مهمة في التعاطي مع الموسيقى المغاربية بمختلف مدارسها. وكانت بعدها مرحلة التعاون مع فنانين معروفين في عالم الجاز .
عام 2010 أصدر البوما بعنوان «جامعة غناوة» University of ghnawa يضم 12 أغنية تتنوّع بين إيقاعات الغناوة القوية الصاخبة والغناء الشعبي التي رافقها بصوته القوي الشجي.
هي الحرة، والثائرة، والمتمردة والرافضة للخنوع، هي دهية بنت تيفان او الكاهنة كما سماها العرب، رفضت الاستسلام للغزاة ودافعت عن ارضها كذلك كانت اغاني عزيز سمحاوي مختلفة عن السائد نغمات اسرة وموسيقى عنيفة ترجك وتدكّ النفس لتمتعها وتوقظها من سباتها، لمرأة الرافضة للخنوع وللسياسات اهدى عزيز سمحاوي اغنية كاهنة «شكلك ما تبدل ، هاك على ويدان، أعمل بلا اوزان، المال وزيد المال شعارات، حكومات والتخدير، كذبوا علينا وزيدوا روينا، وعلاش»، بكلمات جد ناقدة وموسيقى صاخبة تساءل عزيز سمحاوي عن وعود السياسات واستراتيجيات الساسة.
ساعتان من المتعة والأغاني المعبرة عن مواقف انسانية ترفض الضيم وتنادي بالحريةغنى عزيز سمحاوي وقدم ايضا اغنية عن الربيع العربي «ياسمين» اغنية قال انها تبشر بغد اجمل وتتوقع الافضل ، ويقول «إن الوقت لا يكفي وحياة الانسان لا تكفي ليحقق كل ما يود تحقيقه ولكن الموسيقى قادرة على مواصلة المشوار».
مسرح البحر، متى يتجسد الحلم؟
في الحفل الافتتاحي لمهرجان الجاز بطبرقة دورة 2016 حضر مايقارب 1200 متفرج وهي طاقة استيعاب المسرح، جمهور تحدث عن الحلم بمسرح اكبر وفضاء اكثر اتساعا، وفي زيارة ميدانية ادتها وزيرة الثقافة السابقة سنية مبارك الى ولاية جندوبة اكدت ضرورة الإسراع في استكمال أشغال مسرح البحر بطبرقة،وللاشارة فقد انطلقت الاشغال لتهيئة مسرح يتسع ل 6000 متفرج، والاشغال اليوم توقفت في انتظار حل مشكلة الكهرباء، مشكلة قيمتها 300 الف دينار لو حلت ستتواصل اشغال تهيئة المسرح، فهل بافتتاح مسرح البحر يكون لطبرقة مهرجان افضل وعروض اكبر خاصة وان الهيئة المديرة الحالية ستعمل لمدة ثلاث سنوات متواصلة وبذلك تضمن استمرارية البرنامج والعمل في الدورة القادمة، مسرح البحر حلم ابناء مهرجان الجاز فهل سيتجسد الحلم قريبا؟.
في تحدى اليوم الاول كسبت الهيئة المديرة التي اعلنت عن المهرجان في الدقيقة التسعين رهانها ونجحت في تقديم حفل افتتاح جد مميز ومختلف وجلب جمهور غفير ونجح تنظيميا وامنيا، حفل افتتاح اكد ان على هذه الارض ما يستحق الحياة.