والتحرر من كلّ الحدود التي تكبّل جموحه وجنونه... هو جنون الفن الذي تترجمه الموسيقى العابرة للقارات والرقصات التي ترسم دائرة الحياة في لغة عالمة وعالمية. في موعد خامس مع مهرجانها السنوي للرقص، تعيش تونس على إيقاعات الجسد الراقص في دورة جديدة من أيام قرطاج الكوريغرافية التي تتواصل من 10 إلى 17 جوان 2023.
في حضور نوعي لجمهور كثيف العدد، رفع ستار افتتاح أيام قرطاج الكوريغرافية في دورتها الخامسة مساء السبت 10 جوان 2023 في مدينة الثقافة الشاذلي القليبي، وتحمل هذه الدورة شعار "نشطح منّي ليك" .
حضور نوعي للجمهور
في مساحات من الإضاءة باللون الأزرق الملهم والمريح، سبح ركح الافتتاح في أمواج من الحلم والانتشاء على إيقاع العرض الموسيقي"رحلة إلى إفريقيا" بإمضاء عماد العليبي وكال آسوف وميشال مار وساليا سانو، وقد كان العرض مصحوبا بلوحات كوريغرافية فردية في تحية تقدير لإفريقيا الثرية بموسيقاها وبموروثها وبرقصاتها... وقد أضفى هذا العرض الخاص بحفل افتتاح أيام قرطاج الكوريغرافية أجواء حماسية في صفوف الجمهور الذي صفق طويلا لهذا الإبداع الإفريقي في تغنيه بحياة الصحراء.
وبالحماس نفسه، قال المدير الفني لأيام قرطاج الكوريغرافية سليم بن صفيّة في كلمته بمناسبة افتتاح الدورة الخامسة: "إنّ التواصل هو حبل الوصل بين الأمس واليوم، بين الدورة التأسيسية والدورة الحالية، بين فنون الكوريغرافيا وأحبّاء الرقص... وقد اخترنا أن يكون التواصل هو عنوان هذه الدورة وجوهر فلسفتها، ومن هنا تنطلق الحكاية ! يمكنكم اكتشاف هذا التواصل من خلال عرض الافتتاح "آرشيبال " وعرض الاختتام "ماي بي" في لقاء بين تونس وفرنسا. كما حرصنا على توارث شغف الرقص بين الأجيال بحضور راقصين تتراوح أعمارهم ما بين 6 و60 سنة. وفي تجسيد لخيارات الانفتاح والانتشار والنفاذ إلى الجهات، يحط المهرجان الرحال، ولأوّل مرة في تاريخه، في الموقع الأثري "توبربو ماجوس" بالفحص."
في تثمين لأدوار الرقص الفنية والنفسية والعلاجية، أفادت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي في كلمتها الافتتاحية بالقول: " لقد اكتسبت هذه التّظاهرة مَكانةً مَخْصُوصَة ضِمْن التظاهرات الفنيّة والثقافيّة ببلادنا والتي تُؤسّس لتعزيز نشْر الكوريغرافيا ... هذا دُون أن نَنْسى ما يُوفّرهُ هذا الفنّ من مزايا جمّة للصحة النفسيّة والجسديّة للكائن المُسيْطر على فضاء حركته، المُتحكِّمِ في جَسَده والمُتحرِّر منْه في ذاتِ الآن فَيكون بذلك فنًّا ورِياضةً في آن واحد، يُعبّران عن رقة الذَّوْق ورشاقة حركة الجسد في انصهار رائع وساحر."
أرخبيل من الرقصات في "آرشيبال"
في التقاء بين ضفتي المتوسط، كان الرقص همزة وصل بين تونس وفرنسا من خلال عرض الافتتاح " آرشيبال". وقد جمع عرض "آرشيبال" للكوريغرافية الفرنسية "ماتيلد مونييه" بين راقصين من بالي أوبرا تونس وبين راقصين من المعهد الوطني العالي للموسيقى والرقص في باريس. حوالي 30 راقصة وراقصا توّزعوا لى الركح في لوحات كوريغرافية مدهشة و مذهلة. في دقة هندسية أحيانا وفي فوضى خلاقة أحيانا أخرى رسمت الأجساد ثنائيات من الاتصال والانفصال، التقارب والتباعد، التلاحم والافتراق... وفي نهاية المطاف ، كانت الرسالة إنسانية خالصة تنشد حرية الإنسان في كل مكان على اختلاف عرقه أو ديته أو لغته...
وقد "كان التحدي الأصعب بالنسبة للكوريغرافية "ماتيلد مونييه" هو خلق التماسك بين الراقصين على اختلاف خلفياتهم الثقافية ومستويات نضجهم وحدود خيالهم ومرونة أجسادهم... من خلال التعبير عن أشكال مختلفة من الإتحاد والإيقاعات والإيماءات حاول هذا العرض الكوريغرافي الإجابة على سؤال مركزي: كيف نرقص معا ، بطرق مختلفة كثيرا عن الشائع والسائد؟ وكيف يشكّل الاندماج بين مجموعة الراقصين إبداعا فريدا من نوعه؟"
تكريم مفاجئ لحورية عبد الكافي
دون إعلان مسبق، كانت مفاجآة حفل افتتاح أيام قرطاج الكوريغرافية هي تكريم مديرة الدورة سليم بن صفيّة للفنانة الكوريغرافية حورية عبد الكافي في لمسة وفاء واعتراف بالجميل لأخذها بيد أجيال الراقصين التونسيين على امتداد سنوات وسنوات، وتشجيعهم على شق طريقهم وعدم الاستسلام لليأس مهما بدا لهم الطريق صعبا في البدايات !