عرض «الزيارة» في مهرجان الزهراء الدولي: سامي اللجمي أمتع فنيا وجماهيريا ...

اتحدت النغمات وتهاهت الألحان تباينت الرقصات واختلفت طرق التعبير، في مسرح الزهراء الصيفي الكل تماهى مع العرض، «زيارة» سامي اللجمي في عامها الثالث زيارة كلما زادت عروضها زاد نورها وبهاءها، زيارة تغري الروح وتنشي الفكر وتدفعك لمعانقة الجمال وعالم سرمدي تنتفي فيه المادة والجسد امام لغة الروح .

اغاني العيساوية و العوامرية، أغاني الزوار للأولياء الصالحين أناشيد تتغزل بالخالق ومخلوقه تراث منسي بحث فيه سامي اللجمي ونفض عنه الغبار ليقدم العرض «الحدث» عرضه عمره ثلاثة اعوام وكلما شاهدته تشعر انك تراه للمرة الاولى وتبحث عن موعد ثان وثالث للمتعة والزيارة للمتعة عنوان .

الزيارة، نشوة الروح و«تخمير» الجسد
صمت يلف المكان، جمهور باعداد غفيرة توافد الى الزهراء، يخرج الموسيقيون وسط هالة من الضوء البنفسجي يرحبون بالزوار ويقرؤون بعد الادعية قبل الجلوس في أماكنهم ويغنون « نا جيت زاير زاير للشيخ بابا» اغنية يصحبها التصفيق ومنذ البداية يقبل الجمهور على الرقص، الكل يدلس يخرج سامي اللجمي ب «الدنقري الاحمر» يتجول بين عازفيه كقائد جيش ينظم صفوفه قبل انطلاق حرب حامية الوطيس حرب النوتة والموسيقى التونسية المميزة، جاب كل ولايات الجمهورية تقريبا وكما اكتسح الركح الا وربح النزال.
في الزيارة تحضر كل معالم الفرجة، عرض متكامل يقدم النغم والرقص والحضور الركحي المميز للمؤدين والراقصين، بسفساري تخرج أحداهن تحمل المشموم توزعه على العازفين وآخر يحمل قلة الماء ليروي ظمأ المؤدين صورة لما يحدث في الزوايا، وكلما تقدم الوقت تصاعدت النغمات وارتفعت الألحان وتماهت كل الآلات.

البداية كانت للطبل والدربوكة والآلات الإيقاعية، آلات صنعت القها وافتكت مكانتها في زيارة سامي اللجمي صوت الدربوكة وكأنه صرخة الحياة ودقات الطبول كما الأرواح الهائمة الثائرة الباحثة عن مكان دافئ آمن تشعر فيه انها بخير، موسيقى قوية كما النفوس التائة للحرية والمتشوقة لملاقاة امل ساكن بين شقوق الحجارة،بعد صولة الآلات الايقاعية يكون الموعد مع الحلم، موسيقى الكمان الرقيقة تصاحبها نوتات القيثارة الساحرة موسيقى هادئة وكأنها تجسيد للحظات النشوة والمتعة لحظة ارتخاء أعصاب الجسد وانعدام الشعور بالخوف لتحل السكينة في النفس وتشعر الروح انها بخير هكذا كانت زيارة سامي اللجمي مراوحة بين الموسيقى اقوية والنغمات اللينة الرقيقة للنحت في الذاكرة صور ونغمات لن ينساها المتفرج.
في الزيارة سامي اللجمي اختار اللون الصوفي وطوّره موسيقيا وفرجويا وكان جد موفقا هو وكامل الفريق الذي صاحبه وتجاوز ال 15 عنصرا على الركح أدوا جميعهم الصوفي واستطاع التوزيع الموسيقي أن يخلق أجواء من الانتشاء لدى المتابعين للعرض، نشوة وكانها خمرة الحياة.

الزيارة ترقص البشر والحجر وكل السواكن
حرر جسدك دعه يعبر عما يسكنه حرره من كل القيود لا تلتزم بالميثاق والمجموعة ودع لجسدك حرية القرار والاختيار، دعه يرقص، دعه يعيش دعه يعانق السماء وينتشي بخمرة الموسيقى، حرره وتحرر معه هكذا كانت الطبول تحادث أجساد الراقصين وهم يؤدون رقصاتهم على الركح، كما انف الذكر في الزيارة الكل رقص، من لم يحركه الطبل داعبته الدربوكة ومن لم يؤثر فيه الكمان حركت القيثارة سواكنه، مجموعة من اللوحات الراقصة حضرت في العرض ترواحت بين العصري والتقليدي، رقصات عصرية وحركات متحررة واخرى تجسم «التخميرة» والرقصات الصوفية التي نراها في الحضرة وفي الفضاءات الصوفية والأضرحة.

في الزيارة أعطى سامي اللجمي للجسد حقه، لم يكن الرقص مجرد زينة او تتمة للعرض بل هو جزء أساسي له خصوصياته وله حضوره المميز، فتيات باللباس التونسي لباس اختلف عن العروض السابقة في اطار ميل المخرج الى التجديد في العرض فلكل عرض لباسه المميز كي يزيد من معالم زينة العرض ومؤثراته ويخلق بعض التجديد والاختلاف، يرقص بشعورهن ويتركن لاجسادهن حرية التعبير تمحي القيود و النواميس ليرقص الجسد ويتغنى بالزيارة وينتشي بها.

في الزيارة ثلاثة عناصر كانت صارخة من حيث القيمة وحسن التوظيف في «زيارة» اللجمي ومجموعته وهي التنفيذ الموسيقي الممتاز وحسن استغلال الفضاء من حيث التوظيف الركحي وتقسيم الأضواء والمؤثرات الركحية وحسن اختيار الأصوات وهي أصوات عذبة ومؤثرة وقادرة على أداء اللون الصوفي بطريقة ساحرة زادها بهاء الضوء والسينوغرافيا بهرجا واعطاها قيمة مميزة..

ويمكن الاشارة الى ان الزيارة هي إعادة لتجسيد لظاهرة زيارة الاولياء الصالحين برؤية فنية أساسا و بإخراج يعتمد على الفنون الفرجوية. بالإضافة الى أنها محاولة لتقديم مجموعة من الانماط الموسيقية المتعددة مع تقديم التراث الصوفي التقليدي مع استغلال لما هو موجود من قديم الزمان ومازال إلى حد الآن متواجدا في اضرحة الاولياء الصالحين من زيارات وانشاد وتخميرات مع موسيقي الدف و الطبول. وشارك في العرض الفنان منير الطرودي بصوته البدوي المميز فاضفى على العرض رونق وسحرا..

«الزيارة»، كان في البداية مجرّد تساؤل بسيط حول عدم ذِياع صيت تراث «العيساويّة» و»العوامريّة» على عكس بقيّة الطّرق التي تطرّقت لها عروض أخرى، بالرّغم من ثراء هاتين الطريقتين؟ ويشير اللجمي إلى أنّ البحث جعله يستنتج أنّ معضلة هاتين «الطريقتين» تتمثّل في الأداء الجماعي للمدائح والأذكار، حيث لا يوجد مجال للأداء الفردي (chant solo) الذي يعطي الإضافة للأغنية عبر الزّخرفة والإرتجال.

ومن هذا المنطلق بدأ اللجمي في جمع الموسيقى وفي التوزيع لإخراج موسيقى «العوامريّة» و»العيساويّة» في حلّة جديدة ومن ثمّ برزت فكرة عرض «الزّيارة» الذي يحاول التّعريف بالمخزون التراثي الرّائع لهاتين «الطّريقتين» وبعد ثلاث سنوات يصبح «الزيارة» هو العرض الاجمل في تونس عرض يقدم الموروث الصوفي بامتياز عرض فيه الكثير من البحث في خصوصيات العيساوية والعوامرية، عرض اكتسح كل الاركاح وظل محافظا على جمهموره لانه صادق و يقدم صورة مميزة عن الموروث الصوفي والطرقي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115