هذا المنطق هو أقرب إلى الحيوان منه إلى الإنسان. وإذا اعتبرنا أن الإنسان حيوان ناطق فالمرأة أيضا هي حيوان ناطق ولها شهوات وغرائز تماما مثل الرجل، مما يُعطيها، حسب نفس المنطق، الحق في التحرش بالرجال أو مطالبتهم بعدم التواجد في الأماكن العمومية أو بإجبارهم على ارتداء النقاب.
هذا المنطق، مع الأسف، ليس نادرا بالشكل الذي نعتقد أو نتمنّى، بل هو منتشر بشكل مفزع في مجتمعنا. وإذا كان هذا الرهط من الرجال يُضمر مثل هذه الرؤى في السابق دون أن تكون له الجرأة على البوح بها، فإنه أصبح يُفصح بمثل تلك الأفكار المريضة منذ أن أصبح يُشاهد من ينشر خطابا شبيها بها في منابر رسمية وفي أطر سياسية فاعلة. ألم يدع أحد نواب المجلس التأسيسي إلى ختان البنات ؟ ألم يقع استقبال رسمي لمن دعا إلى إرغام بنات الأربع سنوات على ارتداء الحجاب ؟ ألم تقع الدعوة إلى جهاد النكاح من أعلى منبر أحد الجوامع ؟...
هذا الخطاب الذي كاد أن يُصبح رسميا خلال السنتين 2012 و2013، لولا اعتصام الرحيل وإسقاط حكومة العريض، لم يعد يجرؤ أحد من السياسيين على تبنّيه رسميا. لكن الذي يحدث في تونس اليوم هو أدهى من الخطاب.
فالإسلاميون، كما قالها صراحة رئيسهم، خرجوا من الحكومة ولم يخرجوا من الحكم. وهذا صحيح. فلقد زرعوا أعوانهم بعشرات الآلاف في الإدارة وفي المواقع الحسّاسة ليبثّوا تلك الأفكار المريضة والمناهضة لكل مبادئ الحرية والعدل والديمقراطيةوالحداثة وحقوق الإنسان.
عائلة محترمة استقرّت على شاطئ البحر لقضاء شيء من الوقت للراحة والاستحمام، يأتيها ثلاثة من أعوان الأمن لتفتيش أدباشهم. لم يكن الأعوان يبحثون عن سلاح أو عن قنبلة، بل كانوا يريدون التأكد من أن هذه العائلة لا تُخفي وسط أغراضها قارورة جعة!
طالبة تم إيقافها واقتيادها إلى مركز الشرطة بـ«تهمة» أنها ترتدي سروالا قصيرا!!
لم أذكر هنا غير مثالين من تجاوزات السلطة تمّ تسجيلهما هذا الأسبوع. أما إذا أردنا سرد قائمة الاعتداءات من هذا القبيل على مدى السنة فالقائمة ستكون مذهلة ومفزعة إلى حدّ التساؤل هل نحن ما زلنا في تونس ؟
إن تطوّر المجتمعات لا يمكن أن ينجح دون تطوير القوانين. وهنا نُذكّر بأن مجلة الأحوال الشخصية، التي كانت تُعتبر سنة صدورها منذ ستين سنة، أتت في ظرف تاريخي يتّسم بتخلف اجتماعي وثقافي مُدقع. فكانت الوسيلة المُثلى لتطوير المجتمع. أما اليوم، ومجتمعنا يسير بخطى حثيثة إلى الوراء، فإن تشريعات جديدة حداثية أصبحت ضرورية، لا للحد من التقهقر فحسب، بل لدفع شعبنا إلى ما يجب أن يكون عليه في القرن الحادي والعشرين.
لقد حان الوقت بأن نُقرّ جميعا بالمساواة التامة بين المرأة والرجل، لا في الميراث فقط، بل وخصوصا المساواة بين نظرة الرجل للمرأة ونظرة المرأة للرجل.
بقلم: منير الشرفي