بعد سنوات كثيرة من الغياب... عاد ليندهش من الجمهور كبير العدد الذي امتلأ به المسرح الأثري بقرطاج... عاد ليرتبك أمام هذا الجمهور الذي استقبله بحرارة جعلت «ملحم بركات» يقطع على فرقته عزفها لأول أغانيه قائلا «احتراما لكم لا يليق بي أن أبدأ الغناء قبل الترحيب بكم»...
كان الجمهور استثنائيا ليلة الثلاثاء 02 أوت الجاري لأنه ساند الموسيقار «ملحم بركات»، بث فيه الكثير من الطاقة الإيجابية ليغني، ليتسلطن، ليستعيد توهجه على الركح، ونقاء صوته، ليطرب وهو في السبعين من العمر كما لو أنه شاب في بداياته، يتحسس طريق الوصول إلى قلب سامعه، فيحاول أن يعطي كل ما عنده... ويمتع جمهوره باجمل الاغاني
كان الموسيقار «ملحم بركات» صادقا جدا عندما قال للجمهور «انتو أحلى ناس في العالم العربي»، لم يقل ذلك مجاملة، ولا تملقا ولا تزلفا طلبا لرضا هذا الجمهور، بل كان صادقا إلى أبعد حد لأنه بفضل هذا الجمهور الاستثنائي، بفضل تقدير هذا الجمهور وتفاعله تصفيقا وهتافا ورقصا وآداء لجميع أغانيه، بفضل كل ذلك الحب الذي استقبله به، استعاد «ملحم بركات» ألق صوته، وانقض «جوابا» على أعلى النوتات دون أن يجرح صوته أو يثير الانتباه إلى أنه قام بمجهود «جبار» لتحقيق ذلك، وغنى «القرار» بمنتهى السلاسة والإحساس بمرافقة فرقة استثنائية في تنفيذها تفاعلت كثيرا مع الجمهور، وكادت تهتف بحياة هذا الجمهور الذي بث في «ملحم» كل تلك الطاقة مما جعله يتحرر على الركح ويستعيد صوته المتوهج، ويرقص، بل إن هذه الأجواء الاستثنائية دفعت بعض العازفين إلى التقاط الصور تخليدا للحظة التي يصعب أن تتكرر في مسارح أخرى ومع جمهور آخر
استهل الموسيقار سهرته بأغنية «موعدنا أرضك يا بلدنا»، ثم رحب بجمهوره على الطريقة اللبنانية بإيقاعات الدبكة في أغنية «مرحبتين»، ثم اقترح «حلو وكذاب»، «سلم عليها»، «العذاب»، «من بعدك لمين»، ثم هم بمغادرة الركح مازحا عندما عزفت الفرقة أغنية «حبيبي انت» فغناها الجمهور بحماس...
لم يبخل الموسيقار «ملحم بركات» على جمهوره بالجديد الذي أعده خصيصا لسهرته في الدورة الثانية والخمسين لمهرجان قرطاج الدولي وهي أغنية بعنوان «عد الأيام اللي راحت» من تلحينه وكلمات الشاعر «نزار فرانسيس»
غنى أيضا «ولا مرة»، «يا غريب»، واحتفى بالمرأة بأغنيته الجميلة «مرطي حلوة» ليختتم سهرته بأغنية «على بابي واقف قمرين»، وفي هذه الأغنية التي صنعت مجد «ملحم بركات» كان الكل يتساءل «هل سينجح الموسيقار في تقديم تلك الارتجالات التي اشتهر بها في آداء الأغنية؟ هل سيفعلها؟ هل مازال يملك القدرة والنفس الطويل ليفعلها؟» وهو كان يدرك ما يدور في الأذهان، وكان ربما يريد أن يختبر قدراته ففعلها كما لم يفعلها من قبل... «مول» على طريقته الفريدة وتحكم في صوته وفي نفسه فاهتزت مدارج المسرح الأثري بقرطاج في تفاعل هستيري ليزيد من حماس «ملحم بركات»
على إيقاع هذه الأغنية، وبعد ساعة وأربعين دقيقة من الغناء المتواصل غادر «ملحم بركات» الركح لكن الجمهور رفض مغادرة المسرح إذ لم يرتو بعد من صوته ومن أغانيه ومن حضوره المتوهج..
ملحم بركات رغم تقدمه في السن اثبت انه حنجرة ذهبية وصوت فريد رحل بالجمهور في عالم الطرب والموسيقى الجميلة انتشى وجمهوره صنع الحدث وقدم سهرة استثنائية ومميزة عنوانها الطرب في اقدم المسارح قرطاج.