والحبيب شيبوب مربّي ومعلّم أجيال قبل أن يقع إلحاقه بالوظيف صلب وزارة التربية كما كان له نشاط ثقافي واسع فهو إذا تكلم أفاض وإذا ردد الشعر أوفى وإذا ناقش أبهر وإذا روى أغنى هكذا وصفه الدكتور علي الشابي أما الأديب المصري محمد رجب بيّومي فقد اعتبره ثروة وطنية وعربية.
جاء الشاعر الحبيب شيبوب إلى هذه الدنيا سنة 1931. ففي مدينة تونس كان ميلاده يوم 29 ديسمبر وتحديدا في نهج باب الأقواس في أسرة ليس فيها من يُحسن القراءة أو الكتابة. حفظ الحبيب شيبوب القرآن مبكرا في كتّاب الحي ثم التحق بجامع الزيتونة سنة 1946 حيث تحصل على شهادة التحصيل سنة 1952 وقد ذكر لي في حديث معه ثم نشره على صفحات جريدة البيان أيام كنت أتولى الإشراف على صفحتها الأدبية أنه درس سنة في التعليم العالي بجامع الزيتونة ثم انقطع ودرس سنة في الحقوق وانقطع أيضا ليلتحق بسلك التعليم حيث عمل معلما في عين دراهم وأكودة وباجة ثم في الجديدة التي مكث فيها 9 سنوات.
يقول رشيد البكاي في مقال له بعنوان بنزرت تتذكر الحبيب شيبوب بمناسبة سنة على رحيله نُشر في الملحق الثقافي لجريدة الحرية «بما أن مدينة الجديدة لا تبعد كثيرا عن مدينة ماطر فقد كان المعلم والصحفي الكبير ابن ماطر المرحوم الحبيب هبّاج وهناك في ماطر تعرّف على عائلة الشاب الحبيب شيبوب يراوح الانتقال بينهما مدفوعا بالعلاقة الحميمة التي تربطه بالصحفي بن حمودة واختار منها شريكة حياته.. ولعلاقة شيبوب ببنزرت أسباب أخرى منها الصداقة القديمة والمصاهرة التي جمعته بالمحامي ورجل الأعمال المعروف المرحوم التيجاني قريرة والأستاذ محمد الهادي بالأخوة والأستاذ عمر البجاوي الوزير والسفير السابق ورئيس جمعية الأخوة التونسية السعودية التي كان الحبيب شيبوب من أبرز أعضائها العاملين لحد وفاته».
وفي العام 1968 التحق الحبيب شيبوب للعمل صلب وزارة التربية ويذكر الدكتور علي الشابي أن شيبوب عمل أيضا في الحزب الاشتراكي الدستوري كما عمل متعاقدا مع وزارة الشؤون الدينية وفي سنة 1959 بدأ ينتج للإذاعة واستمر في هذا النشاط حتى آخر أيام حياته فلقد كانت الإذاعة عشقه وكذلك التلفزة منذ نشأتها.
• نشاطه الأدبي والإعلامي
عن نشاطه الأدبي يقول الحبيب شيبوب أنه نشر كثيرا من المقالات والدراسات في الصحف والمجلات القديمة بأسماء مستعارة وأحيانا بدون إمضاء كما أنه ألقى عديد المحاضرات في مختلف البلدان العربية منها ليبيا والمغرب والكويت والسعودية واليمن. ويذكر الشاعر الشاذلي زوكار الذي عمل سفيرا في اليمن أن شيبوب دُعي لحضور مهرجان الشاعر اليمني محمود الزبيري في مدينة تعز وعندما تحدث عن الزبيري أذهل شيبوب الحاضرين بالأسرار التي باح بها وصحح بعض أخطاء الذين سبقوه في الكلام فملك إعجاب الحاضرين وقد سلم شيبوب إلى الدكتور عبد العزيز المقالح نسخة من آخر رسالة وصلته من الزبيري وكذلك نسخة من القصيدة التي نشرها في جريدة الصباح في رثاء هذا الشاعر.
أما بخصوص تعامله مع المجلات فقد نشر في الفكر التونسية وفي مجلة الثقافة الليبية كما أنه نشر في مجلة الهلال المصرية في السنوات 1972 و1973 و1974 مجموعة من الدراسات والمقالات حول الأدباء والشعراء التونسيين.
وللتذكير فالحبيب شيبوب كتب أيضا مقدمة دواوين الشعراء حسين الجزيري وإبراهيم عبد الباقي والهادي نعمان وهو أول من تولى إعداد نشريات هامة حول كل من سعيد أبو بكر ومحمد العريبي ومحمد المرزوقي والطاهر القصار وعثمان الكعاك وأحمد خير الدين والهادي العبيدي والبشير خريف ومحمود الباجي وغيرهم كثير وهي نشريات معتمدة إلى اليوم كمراجع مهمة للدارسين والباحثين.
وبخصوص تعامله مع الإذاعة فإنه يعود إلى شهر نوفمبر 1959 حيث أنجز حوالي عشرين برنامجا من بينها: شعراء الوطنية في المغرب العربي – مشاهير أدبائنا – من الصحف القديمة – ثقافة وطراقة – وغيرها.
أما بالنسبة للتلفزة فمن أبرز البرامج التي شارك فيها برنامج (حومة وحكايات) مع الحقوقي الشاذلي بن يونس الذي صرّح أن شيبوب كان عارفا بالمدن والقرى التونسية حتى أكثر من أهلها.
• شيبوب الشاعر
رغم أنه نشر عديد القصائد في الجرائد والمجلات فإن قلة هم الذين يعرفون أن الحبيب شيبوب شاعر ذلك أنه عُرف بثقافته الواسعة وفصاحته النادرة وإسهاماته اللافتة في الندوات واللقاءات الأدبية. يقول عنه الدكتور علي الشابي «هو شاعر مبدع وحفظه للشعر أمر مذهل حقا حفظ جعل منه المرجع الأساسي للشعر التونسي الحديث والمعاصر فلقد كان الحبيب شيبوب في الخمسينات يحفظ القصيدة التي يلقيها أمير الشعراء الشاذلي خزندار من سماع واحد دون أن ينسى منها كلمة مهما طالت السنوات». والدكتور علي الشابي كانت له جلسات أسبوعية استمرت 17 سنة مع الحبيب شيبوب الذي كان قبل ذلك يجالس أيضا كبار الأدباء في تونس على غرار شيخ الأدباء محمد العربي الكبادي ومحمد صالح المهيدي ولعله أيضا جالس جماعة تحت السور بباب سويقة على غرار الشاعر مصطفى خريف (1910 /1967) خصوصا أن هذا الأخير لما توفي رثاه الحبيب شيبوب بقصيدتين يقول في إحديهما ما يلي:
أي عين دمعها لم ينسكب / حين قالوا مصطفى عنا احتجب / شاءت الأقدار أن تفجعنا / في أخ بر وأستاذ وأب/ قد فقدناه ولكن طيفه / ماثل للعين حي لم يغب (الخ..).
وشعر الحبيب شيبوب شعر عمودي فصيح ولعل أكثره في المناسبات وقد ترك ديوانه مخطوطا شأنه في ذلك شأن عديد الشعراء كعبد الله الزناد ومحمد زيد وعبد المجيد بن جدو والحفناوي الصديق ومحمود بورقيبة وبلحسن بن شعبان وعبد الرزاق كرباكة والعربي الكبادي وغيرهم كثير وقد كنا نأمل أن يهتم بيت الشعر بذلك لكن هذه المؤسسة ظلت في غيبوبة متواصلة بعد أن تولت إصدار ديوان محمد الرشيد باي (1710 /1759) الذي تولى تحقيقه محمد التريكي سنة 2010.
• خاتمة المطاف
تجدر الإشارة في نهاية الأمر إلى أن الموت غيّب الشاعر الحبيب شيبوب يوم 13 ماي 2007 في المستشفى العسكري الذي أقام به لفترة بسبب مرض مفاجئ لم ينفع معه العلاج ودُفن في نفس اليوم في مقبرة سيدي يحي بتونس غير بعيد عن منزله بباب سعدون... رحيل ترك في قلوب كل الذين عرفوه وعاشروه وأحبوه وأعجبوا به وحتى الذين اختلفوا معه حزنا ولوعة. رحل الرجل وقد ترك كتابين الأول حول الزعيم الحبيب بورقيبة وصدر ضمن سلسلة أبعاد. والثاني حول الصحافي الأديب نور الدين بن محمود وصدر ضمن سلسلة ذاكرة وإبداع فحبذا أن تجمع وتنشر دراساته ومقالاته وكتاباته بالإضافة إلى ديوان شعره.