هذه الدراسات ترجمة لمقاربات ورؤى من زوايا نظر متعددة ضمن بعضها في بحوث أكثر اتساعا اتحذت غالبا شكل رسائل جامعية في مستوى الدكتوراه اهتم فيها أصحابها جزئيا أو كليا بأعمال سمير التريكي.
احتوى الكتاب على تقديم الأستاذ حبيب بيدة، وهو أستاذ و مدير المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، ونص بعنوان «طرب الحب ورقص النشوة وأسر الرغبة في أجواء سمير التريكي» لفاتح بن عامر، وهو أستاذ مساعد للتعليم العالي.. كما تضمن الكتاب نصا بعنوان «التّحديث في مسيرة سمير التّريكي» لخليل قويعة، وهو أستاذ مساعد للتعليم العالي، يليه نص بعنوان «تذهين المرئي وسمير التريكي» لزينات بوحاجب، وهي أستاذة مساعدة للتعليم العالي.. أما النص التالي فكان بعنوان «النسق التصويري لدى سمير
التريكي» لمنذر المطيبع، وهو أستاذ محاضر للتعليم العالي.. تلاه نص عن «العدد والحساب سبيل لملامسة التصوير المطلق» لألفة بن مراد معلى، وهي أستاذة مساعدة للتعليم العالي، كما ورد في هذا الكتاب دراسة في علاقة الشكل الزخرفي بخلفيته بعنوان «التوحيد» في أعمال سمير التريكي: هجرة مفهوم من العقائدي إلى التشكيلي» لفاطمة بن معلم برك الله، وهي أستاذة مساعدة للتعليم العالي، تلاه نص بعنوان «الجزء والوحدة في أعمال سمير التريكي» للأستاذة فاطمة برك الله ليختتم الكتاب بنص لسلوى العايدي، وهي مساعدة للتعليم العالي بعنوان «تجانس النّسيج التّشكيلي في تجربة سمير التّريكي».
ولخّصت بيت الحكمة فحوى هذه النصوص بفقرة ورد فيها: «قد تقبل الحقيقة العلمية بالاختزال في بعض المسلّمات، وقد تستقيم آلية تعريف العالم، لكن في السياقات الفنية لا يجوز منطق المفاهيم الدقيقة، والتعريفات الصارمة نظرا لخصوصية العمل الفني بوصفه فعلا انسيابيا، غالبا ما يظلّ مرتبطا بمعيش ذي استثناءات وتجارب وجودية فردية وإن التزم في بعض مضامينه بمنطلقات علمية كالرياضيات و الهندسة . تلك هي الإشكالات التي واكبها روّاد المجمع التونسي للعلوم و الآداب والفنون بيت الحكمة» يوم الجمعة 15 ماي 2015 خلال أمسية حوارية حول تجربة الفنان و الباحث سمير التريكي .
قد أثارت جل المداخلات أسئلة تتعلّق بخصوصية أعمال وبحوث الفنان التريكي وعلاقتها بخلفيته التراثية العربية -الإسلامية من جهة، وتكوينه الأكاديمي الغربي من جهة ثانية. كما تناول البعض علاقة رسومه الفنية بالأشكال الهندسية والرياضيات، وشدّد بعض المحاضرين على السمات الأسلوبية في أعماله أساسا . فلا يمكن استيعاب «تجربة سمير التريكي كمجرّد تجربة فنية انفعالية أو اعتباطية أي كمغامرة فنية، بل يبحث الفنان من ورائها عن سحر بعقله» ذلك ما قاله الأستاذ حبيب بيدة مدير المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس، الذي أشرف على اللقاء، موضّحا علاقة الفنون عموما بمرجعيات فكرية لأنّ «الفن منطلق للفلسفة» حسب قوله، وعليه لابدّ من التعاطي مع رسوم التريكي ضمن هذا السياق . وعمّقت تلك المقاربة الأستاذة ألفة معلى بن مراد في مداخلة بعنوان « التوحيد في أعمال سمير التريكي: هجرة مفهوم من العقائدي إلى التشكيلي»، حيث بيّنت العلاقة الميكانيكية بين الفنون و الوقائع لأن «الفن لا يولد من عدم»، بما في ذلك أساليبه التعبيرية التي يعكسها سياقها الموضوعي، مفكّكة لوحات الفنان إلى بنية سرية-خفية و
أخرى ظاهرة-مرئية. فلا يجوز برأيها فهم وتأويل هذه التجربة بمنأى عن الخلفية الصوفية العربية والإسلامية. ولعل هذا ما يبرّر تركيز عديد المداخلات على خلفية الباحث والفنان التراثية، إذ اهتمّت المحاضرة زينات بوحاجب في دراستها بمرجعيات التريكي التي تتجاوز انتماءه العربي-الإسلامي نحو أفق الكونية، ودليلها في ذلك «حضور مفاهيم ومعارف حضارية عالمية في فنون الرسام الذي لم يوظّف التراث الفني فحسب بل العلوم كذلك». وأهم ما يميز تجربته في اعتقادها «الخروج من الحلول التراثية نحو الحلول الإستنباطية». لنستشف مكانة الفن بما هو ممارسة معرفية إستشرافية تتجاوز أطر الفهم باتجاه البراكسيس. ولم ينف الأستاذ منذر المطيبع العلاقة الوثيقة بين رسوم سمير التريكي والعلوم الرياضية و الفيزيائية، وذكّر بإبداعات الفنان العالمي «ليوناردو دي فنشي»
حينما وظّف معادلات الرياضيات والهندسة في لوحات فنية خالدة، وكذلك الشأن بالنسبة إلى «بول كلي» . بالمعنى الوجيز تمثّل تجربة التريكي وفقا للمداخلات مراوحة بين أصالة التراث والانفتاح التحديثي، حيث وضّح في هذا الإطار الأستاذ فاتح بن عامر»قدرة الفنان على التوفيق بين ضفتي القديم والجديد ليضيف للتجربة الفنية التونسية رسما وتنظيرا، تلك التي تتميز بالجمع بين الخصوصية النوعية والانفتاح على التجارب العالمية مثلما أكّد الدكتور هشام جعيط رئيس المجمع، إذ اختتم اللقاء مشيرا كمؤرّخ إلى ثراء وعمق التجارب الفنية التونسية على امتداد الحقب التاريخية. كما أبرز العلاقات الجدلية بين المدارس الفنية التونسية والتجارب الكونية .