الأستاذ والمخرج السنيمائي الهاشمي العاتي لـ «المغرب»: «امتلأت الشاشات وحصلت التخمة وجُوّع الفكر.. وضاع المراد.. إلى أين المصير» ؟

كثر الجدل حول الإنتاج الدرامي الرمضاني لهذه السنة -2016- الذي تقدمه القنوات التلفزية التونسية خاصّة في مضامينه و في الشخصيات التي عهد إليها بأداء أدوار، فتوجّهنا إلى الأستاذ و المخرج السينيمائي الهاشمي العاتي ليمّدنا بتقييمه للمسألة فأجابنا مشكورا بالتالي:

« نحن نقول وهم يتغاضون ويغتاظون..نحن ننقد وهم لا يبالون وفي السماجة وشبه الدعارة مرة اخرى يسقطون.. يظنون أننا من عدم المشاركة معهم في أفعالهم -أقصد اعمالهم- متباكون.. ربما هم معذورون لانه قد بان جليا انه ليست لديهم آذان صاغية ولا أعين بها يبصرون ولا أفئدة عنها يفقهون..»

• ماذا تقصد بكلامك هذا؟
« قل لي ماذا هم يفعلون؟ أجيبك بأنني استشعر فيهم سوء الركض واللهف، اللهث وراء الفوز بأعلى نسبة من المشاهدة متغاضين عن حسن المتابعة مما جعل العديد اصبح مشمئزّا من موائدهم وغير مواظب على الفرجة إذ لم يجد جديدا يشده ولا خيرا يكسبه..
أمّا الأعين فإنه قد بات جليّا أنها لا ترى حقا ويقينا ما يقدمون للناس وكأنهم ليسوا منهم في شيء.. أم تراهم نزع الحياء من أعينهم وباتوا لا يرون سوى الأموال و»الكاشيات» التي تلقى إليهم جُزافا؟.. ألا يرون بأعين ثاقبة فيتفطنوا أنهم ابتعدوا عن أمهات القضايا في مجتمعنا وصارت الحكايات والأقاصيص التي يروونها لا تمت بواقعنا بل لا تهمّه البتة ولعمري فهي مستنسخة جلها من حكايا وأقاصيص المسلسلات الرديئة التركية هذه المسلسلات التي أصبحت قوالبها مسيئة للناظرين، بكل ما تحويه من عري وشبه دعارة فرجوية يستحي رب العائلة أن يجتمع عليها مع أفراد عائلته من فرط ما فيها مما يخزي العين..أين قضايانا؟ اين شوارعنا ومدننا الجميلة وربوع صحارينا وقُرانا ومساكننا التي فيها معاشنا وفيها معاناتنا ومعانينا..هل أصبحت كل مدننا ومساكننا نزلا ويخوتا وقصورا و«فيلات»؟ هل

أصبحت مشاغلنا تنحصر في الغراميات والانتقامات والجرائم والعصابات؟
أما عن الأفئدة والتي بها نفقه فلم يفقه معظم الذين اشتغلوا بالدراما كنه الشهر الفضيل كما لم يفقه كثير من الناس ذلك في ما يخص استهلاك الأطعمة فليست الكثرة هي الغاية بل الهدف هو حصول الفائدة والتبصر والاعتبار .. امتلأت الموائد وانتفخت البطون كما امتلأت الشاشات وحصلت التخمة وجوّع الفكر..وضاع المراد..إلى اين المصير ؟ هيهات ان يكونوا قد فقهوا ذلك ثم هيهات..»

• لكن العمل الدرامي التلفزي يحظى بعدد كبير من المشاهدين. كيف تفسر ذلك؟
« البحث عن الربح السريع بجذب أكبر عدد من المشاهدين فقد أسقط أغلب صناع الدراما في الاستسهال والسطحية في طرح ومعالجة الأعمال الدرامية لرمضان 2016،وتحولت هذه المسلسلات إلى برامج واقع اجتماعي مفبرك أكثر منها صياغة فنية لواقع راهن يتماهى معه الفنان حتى يقدم عملا إبداعيا فكريا وجماليا يمكن أن يغير من مجتمعه للأفضل لا أن يشوه كينونته.لايمكننا الحديث عن رسالة فنية ونحن نتابع دراما تلفزيوناتنا الوطنية (العمومية والخاصة) وكيف نتحدث عن قيم ومبادئ وغايات راقية ونبيلة في أعمال كل هدف أصحابها تكديس الأموال على حساب الفن.. في بلد يرنو للحريات وحقوق الانسان وقيم المواطنة نجد نخبة تعلل مضامين أعمالها بشعارات فارغة :هذا الواقع..وهذه الألفاظ تقال في الشارع ..وهذه النماذج موجودة في المجتمع..وكفى!! إذا كان هذا واقعنا اليومي وفي كل بيوتنا التونسية وخاصة الفئات الاجتماعية المرتبطة بالتلفزيون فلماذا تعيدون بثه؟ وما الغاية من مشاهدته؟من الواضح خلال متابعتنا لدراما رمضان في السنوات الموالية للثورة أن نخبتنا لم تستوعب بعد معاني حرية الإبداع وغياب الرقابة وأن هذه النخبة لا تختلف كثيرا عن بقية فئات مجتمعنا فهي تستهلك الموجود ولا تسعى لتغييره وتحسينه عملا بقيم هذا الفن..»

• لماذا سيطرت على الأعمال الدرامية التلفزية وجوه دون أخرى؟
« يجب القول أن المسلسلات وعلى كثرتها قياسا بمعدل الإنتاج في التسعينات لم يجد فيها عدد كبير من الممثلين أي دور ولا حضور !هذا الغياب له أسباب عديدة من اهمها انه اصبحت هنالك شبه لوبيات مسيطرة على قنوات الإنتاج وتمررّ فقط ما يحلو لها او لنقل من له «قرابة» بها..رغم أن كل مخرج حر في اختيار الممثلين حسب رؤيته الدرامية وطبيعة السيناريو الا أن سوق الانتاج في تونس أصبحت محكومة بـ. «اللوبيات» لهذا السبب لم يجد عدد من الممثلين أي موقع بل حتى المخرجين الذين صنعوا مجد الدراما التونسية تمت إحالتهم على البطالة كحمادي عرافة وعبد القادر الجربي ومنصف الكاتب ونعيم بن رحومة فالدراما التونسية لم تنجح في صنع التراكم الضروري لذلك مازالت رغم سنواتها الطويلة في طور التجريب والمحلية على عكس الدراما السورية مثلا التي مازالت فاعلة رغم الحرب».

بدورنا نقول أنه في غياب مؤسسة ثقافية رسمية تقوم بدور التقييم الموضوعي والعلمي من قبل أهل الذكر يصبح الباب مفتوحا على مصراعيه لكلّ من هب ودب للكتابة و الإخراج...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115