تقاسيم تاريخه كما يريد،
حرره واترك له المجال ليكشف
المخفي ويحيي ذكرى من نسيتهم الذاكرة الجماعية واتهمتهم بالخيانة دع جسدك يكون صوت الحق صوت المنسيين وصوت وجيعتهم.
من هو «ولد الجلابة»؟ في اي فترة زمنية عاش؟ ما حال البلاد انذاك؟ ولم لا تذكره الذاكرة الجماعية ولا الدراسات بخصوص الرقص والراقصين، الكل يعرف اللغبابي فمن هو «ولد الجلابة» جميعها اسئلة طرحها الكوريغراف رشدي بلقاسمي بجسده وأجاب عنها بلغة الجسد في عرض»ولد الجلابة» الذي قدم اواخر الاسبوع بفضاء الحمراء.
جسدي ذاكرة فاسقطوا عني تواريخكم المزيفة
جسدي ذاكرتي، جسدي تاريخي وتواريخي بالجسد اكتب ملحمة في تاريخ الرقص التونسي وبجسدي اذكر بالخطوات المنسية اصلها ومرجعها وبجسدي اذكّر بمن نسيتهم الدراسات والمؤلفات، جسدي رحلتي ومطيتي هكذا هو عرض ولد الجلابة الذي يسلط الضوء والحقيقة عن راقص تونسي ترك بصمته في الخطوة التونسية ولكنه أُبعد ونسي لانه «يشطح مرا».
ستار ابيض شفاف يتوسط الركح، داخله رجل بشعر طويل يتزين، يكحّل الاهداب والرموش، يلبس عصابة الرأس يتغنج او تتغنج امام المرأة لعشرة دقائق والراقص داخل المربع الشفاف عالمه الخاص ذاك ينظر الى مرآته وكانه يناشد الاخرين ان انظروا الى حركات الجسد لا الى اصلي و اخلاقي ومن اكون ، بينما الراقص يتزين تندفع موسيقى حزينة كما حال البلاد في الخارج ثم صوت يقول: «ولد حواء، ولد حليمة، ولد الضاوية، ولد منى، ولد منانة، ولد تراكي ولد تونس، ولد الجلابة» حينها يخرج الراقص من مخدعه بعد ان تزين ولبس اجمل لباس، يتحرك في شكل مثلث ينقر بقدميه بعنف على الركح ويحرك يمناه المليئة بالاساور، في اتحاد صوت الخلخال والشناشن موسيقى لا يعرف سرها إلا الراقص حتما موسيقى وكأنها صرخة وجيعة ضد التهميش والنسيان.
مع صوت الخلخال وضربات القدمين على الركح صوت يتحدث عن تونس
من 1914 الى 1939 اي اثناء الحرب العالمية الاولى، تلك الحرب التي شارك فيها 26الف ساكن من بين 1.7مليون نسمة.
تبدأ بتونسنا 1914، فتقديم لعدة وقائع تاريخية منها من 2 / 19 اكتوبر 1915 : أحداث بير أم سويق بالجنوب التونسي، و 1916 : محمد الدغباجي ينفصل عن الجيش الفرنسي وينظمّ الى المقاومة المسلحة، 1918: نهاية الحرب العالمية الاولى و الحصيلة 10723 قتيل في صفوف الجند التونسي واكثر من 10000 جريح .
و مرسوم 20 ديسمبر 1923: تسهيل حصول التونسيين على الجنسية الفرنسية خاصة منهم قدماء المحاربين و المتحصلين على الشهائد العليا و الموظفين، بالاضافة الى الاشارة الى تكوين الدستور الجديد و مؤتمر قصر هلال و نفي عبد العزيز الثعالبي و جلّ الاحداث التي عاشتها تونس من 1914 الى 1939 فترة صعبة على البلاد عبر عنها الراقص بجسده فكلما كان الحديث عن احداث دموية تزايدت الضربات واصبحت عنيفة ثم يهدئ تدريجيا ليصبح الجسد وهنا كما حال البلاد.
نظرات الراقص في مرأته، نسيانه لبعض الخطوات عمدا، اظهر حالة الارتباك بوضع القلال لتتمايل حد السقوط اثناء الرقص جميعها حركات مقصودة عبر بها ولد الجلابة عن حال البلاد المنهكة من الحرب العالمية الاولى التي وضعت بوزرها الاقتصادي على الدولة الفقيرة التي تعيش مخاضا عبر عنه الراقص بوضع ثلاثة قلال على الراس هي الفقر و المديونية و التشتت السياسي ثم يحاول صعود الركح وهنا كما البلاد المنهكة.
يختفي الضوء تدريجيا فقط نور قليل على وجه الراقصة نظرات مشتتة وايادي مرتعشة وجسد يريد الصراخ ويرفض النسيان، ثم يدخل مخدعه، يغير ملابسه لينطلق الجزء الثاني والحديث عن الحرب العالمية الثانية و المحور والتحالف، مشاكل الالمان والفرنسيس وخطابات بورقيبة جميعها احداث متسارعة عاشتها تونس في الاربعينات وعاشها جمهور قاعة الحمراء مع الموسيقى التي كانت كما صوت اطلاق النار واصوات القنابل وحركات الراقص ا لمضطربة حينا القوية حينا اخر، بجسده نقل رشدي بلقاسمي جزء من تاريخ تونس وبحركاته تحدث عن فترة من تاريخ تونس تلك التي كانت «الكافيشانطة».
المكان الوحيد الذي ينسيهم وجيعة الوطن وثقل الهموم وكان ولد الجلابة الراقص الاشهر رمز الضحكة و المتعة انذاك، ليكون الجسد هنا حاملا لرسائل تاريخية وشفرات سياسية وليس مجرد وسيلة للترفيه.
تنسى كانك لم تكن...
نسي ولد الجلابة لانه «يشطح مرا»، نسي ابن الجلابة وابعد لانه رقص وكتب بجسده العديد من الخطوات التي لاتزال تدرس في معاهد الرقص ولازلنا نرقصها في اعراسنا دون معرفة اسمها، نسي ولد الجلابة لانه اتهم بالخيانة والشذوذ، نسي لان اللغبابي اول من رقص رقصة الرجال اراد ابعاد ولد الجلابة ذاك الذي لو لاه لما رقصت المرأة، خلخال وشناشن وحرام و عصابة مذهبة وخطوات نمارسها هي كل ما بقي من ولد الجلابة.
ولد الجلابة عرض راقص توثيقي سلط الضوء على رجل قدم بجسده الكثير فالفنانون انذاك كانوا يحملون السلاح للمسلحين والمنتفضين ضد الاستعمار الفرنسي وبجسده ساهم في تحقيق خطوة مميزة في الرقص التونسي، ولد الجلابة غوص في شخصية منسية نسيتها الدراسات والمؤلفات فقط بعض الكتابات ذكرتها وبجسده نفض عنها رشدي بلقاسمي الغبار لانصاف ولد الجلابة ربما.
بالجسد ثار على السائد والموجود وبجسده عبر عن رفضه لنظرة دونية لجسد المرأة مازالت قائمة الى الان، في العرض درس في الخطوة التونسية ايضا، الفزاني والعلاجي وغيرها لكل خطوة طريقتها الخاصة حاول رشدي بلقاسمي ان يشرك الجمهور معه، ولد الجلابة قالت عنها ألفة يوسف انه «عرض ثري لانه استطاع المزج بين التاريخ العام للبلاد والتاريخ الشخصي لولد الجلابة».
ضاعت تفاصيل جسد ولد الجلابة وتفاصيله كما ضاعت الكثير من الاحداث التي عاشتها البلاد، اتهم بالخيانة واحيل على الهامش ولكن لعبق جسده الحضور الكبير في الخطوة التونسية لذكراه رائحة الخبز و ذكريات الكافيشانطة، هو اول من رقص امرأة وفتح الباب للنسوة ليرقصن ويحررن اجسادهن، له وجه بلقاسمي بجسده التحية وبجسده حاول التذكير بما قدمه الراقص المنسي الذي تشظّت ذكراه كشظايا الجرة التي كسرها الكوريغراف اخر العرض، جرة مليئة حلوى وان تحطمت سيبقى مطعم الحلوى ولن تنسى كذلك ولد الجلابة.
ولد الجلابة صرخة ضد التهميش ومحاولة لاعادة الحياة لراقص افل نجمه، ولد الجلابة هي ملحمة تكتب بالجسد لتصرخ ضد الوجيعة، ولد الجلابة اعتراف بالوهية الجسد.