بعد أربع سنوات من حادثة العبدلية: مدينة المرسى ساحة للاعتداء والتكفير ضحيتها فنانة تشكيلية..

إيران وناس، فنانة تشكيلية، زيّنت مدينة المرسى بأعمالها الفنية، حوّلت من الخردة تحفا فنية تنبض في قلب المدينة، فصار الفن يعانق المواطنين في الشارع، غير أن أعداء الفن، (مجهولين) على متن دراجة نارية اعتديا على هذه الفنانة لفظيا مساء الأحد 12 جوان 2016 وحطّما أعماله

ا التي تعرضها في شوارع المرسى، بعدما اتهماها بالكفر أمام محل سكناها بالمرسى.. حادثة أعادت للأذهان الكم الهائل من الاعتداءات على المثقفين والفنانين من قبل التكفيريين والمتطرفين.. حادثة جاءت في نفس شهر جوان منذ أربع سنوات على أحداث العبدلية في المرسى..

حادثة مفجعة ذّكرتنا بما طال فناني تونس ومثقفيها طيلة حكم الترويكا خاصة من اعتداءات مادية ولفظية، وضربات مؤلمة ضد حاملي ثقافة الحياة، ضربات واعتداءت تسعى إلى تغيير النمط المجتمعي من خلال ضرب ثقافتنا المتنوعة التي تختزل حضارة بلاد شعبها منفتح وتمتزج فيها ألوان قوس قزح.. اعتداء جعلنا نتساءل: إلى متى هذه الحوادث؟

فلاش باك: لمن ينسى..
اعتداء وتكفير على الفنانة التشكيلية حسبنا أنه انتهى على الأقل جهرا، وهاهي تعيد إلى أذهاننا الحوادث التي عاشتها الساحة الثقافية في تونس، كحادثة العبدلية في جوان 2012، هذه الحادثة المنعرج التي أعلن فيها التكفيريون الحرب جهرا على الفنانين والمثقفين..
حاثة العبدلية، التي بدأت عندما قامت مجموعة من التكفيريين بتحطيم عدد من اللوحات والتجهيزات، وانتهت بأعمال شغب بحي التضامن والملاسين والمرسى وحلق الوادي، إلى حد الإعلان عن حظر التجوال في ثمان ولايات، رُفع في 18 جوان..

الإعتداء على الفنانة التشكيلية إيران وناس، ذكّرنا أيضا بمسيرة الاعتداء على المثقفين والفنانين، لعل أول اعتداء صار كان الإعتداء على المخرج النوري بوزيد من خلال ضربه على رأسه بقضيب حديدي من قبل تكفيري.. ولعلّ من أكثر الوقائع التي بقيت في البال حادثة «برسيبوليس» التي اندلعت إثرها موجة عنف تزعمتها المجموعات الدينية المتشدّدة في أكتوبر 2011 على إثر عرض قناة نسمة لشريط «برسيبوليس أو «بلاد فارس».. وفي صائفة 2011 وفي إطار تظاهرة «نحّي يديك على مبدعينا» بقاعة الافريكارت بالعاصمة عندما تمّ عرض فيلم المخرجة نادية الفاني «لائكية إنشالله» اقتحم ملتحون قاعة العرض مردّدين شعارات دينية تنادي بالشريعة..مهشمين الواجهات البلوية للقاعة معتدين في الوقت نفسه على المبدعين والفنانين هناك.. وفي الكاف تهجّم تكفريون على المسرحي رجب المقري تزامنا مع اليوم العالمي للمسرح في 2012، في نفس اليوم وقعت غزوة «المنقالة» وما تبعها من هرج ومرج.. وبعد شهر تم الاعتداء على النحّات ناجح حلمي مع تحطيم منحوتاته..

اعتداءات لا حصر لها من التكفريين المغالين المتشددين، اعتداء على لطفي العبدلي في أوت 2012 عندما هجم السلفيون على دار الثقافة منزل بورقيبة، وأوقفوا مسرحيته وأقاموا الصلاة عوضا عنها.. في العام نفسه تم تعنيف الفيلسوف يوسف الصديق الذي وصموه بـ»الملحد»، والذي كان يرافق الدكتورة ألفة يوسف في محاضرة يلقيها حول التطرف.. وإن ننسى العديد من الإعتداءات التي تلقاها المثقفون لا ننسى الإعتداء الذي طال الراحل، شاعر تونس محمد الصغير أولاد احمد في 2013.. من قبل مجموعة سلفية في العاصمة حيث هدّدوه بالقتل والتصفية، وبعد سنتين كشفت وزارة الداخلية عن القائمة المستهدفة من قبل المجموعات السلفية والتي تضمّنت سياسيين وإعلاميين ومثقفين وكان الشاعر أولاد أحمد من بينهم، ورحل الشاعر وترك أشعاره على أفواه الناس وفي العقول..
لن نستطيع أن نذكّر بجملة الحوادث من هذا القبيل، نظرا لكثرتها، ويكفي أن نقول أنّ هذه الإعتداءات، وإن بلغت أوجها في حكومة الترويكا إلا أنّه في الأشهر القليلة الماضية، اعتدوا على الدكتورة أمال القرامي، ونائلة السلينيي بعدما كفروا العديد من المفكرين والمثقفين..ولا ننسى طبعا إلى جانب كم الإعتداءات والتكفير جملة الإعتداءات سواء بالحرق أم النهب أم التكسير، لمقامات الأولياء الصالحين ولعلّ أشهر الإعتداءات ما طال زاوية سيدي بوسعيد الباجي وزاوية السيدة المنوبية ومقام سيدي عبد القادر الجيلاني بمنزل بوزلفة وغيرها...

هذا غيض من فيض، قليل من الكثير، اعتداءات لا تحصى ولا تعد، حملات تكفير وتوصيم بـ»العار» ضد المثقفين والمبدعين والمفكرين.. هل سنحارب هذه الهجمات التكفيرية بالسلاح فقط، ألم يحن الوقت بعد لمشروع ثقافي تنوري ضخم تتبناه وزارة الثقافة ووزارة التربية ويشتغل على أهداف قريبة وبعيدة المدى، باعتبار أنّ آفة التطرف لن يمحيها إلا مشروع ثقافي قائم على الفكر النقدي المتين؟ فالتطرف والتكفير وإن لم يكن موجودا على الواجهة اليوم فإنه متغلغل في أبسط مظاهر الحياة.. وحتى عدم قبول الرأي الآخر والتعنّت المصحوب بكيل النعوت فإنه لبنة من لبنات التطرف والتي نراها اليوم حتى في حياتنا اليومية، وحتى في النقاشات التي تتناول التابوهات ..

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115