وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إِلا قليلا و كنا نحن الوارثين «القصص:58» .
وروى ابن ماجة من حديث أَبِى هُرَيْرَةَ أن رَسُول اللهِ صلى الله عليه وسلم قال : «مَا منكم مِنْ أحد إلا لهُ منزلان منزل فِي الجنة ومنزل فِي النار فَإِذَا مَاتَ فَدَخَل النار وَرِثَ أَهْلُ الجنة مَنْزِلهُ» فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالى أولئك هم الوارثون . الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون «المؤمنون: 11» .
والوارث اسم فاعل للموصوف بالوراثة من غيره ، فعله ورث يرث ورثا وإرثا ووراثة ، والوراثة في حقنا انتقال المال أو الملك من المتقدم إلى المتأخر، ومنه وارث مال الميت يملك تركته ووارث الملك يرث سلطانه ، والله هو الوارث الباقي وغيره هالك فان، والخلائق يتعاقبون على الأرض، فيرث المتأخر المتقدم ، والولد والده، ويستمر التوارث حتى ينقطع حبل الحياة، ولا يبقى في الأخير غير الله الوارث الكبير، فالوارث سبحانه هو الباقي بعد فناء الخلق، أو الوارث لجميع الأشياء بعد فناء أهلها، قال تعالى: ولله ميراث السماوات و الأرض و الله بما تعملون خبير «آل عمران:180» «وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله و الله ميراث السماوات و الأرض «الحديد:10»، وقد تحدثنا في اسم الله الآخر أن بقاء المخلوقات في الجنة لا يعني أنها تشارك الله في البقاء، وكذلك فإنها لا تتعارض مع اسم الله الوارث، لأن خلد الجنة وأهلها إلى ما لا نهاية إنما هو بإبقاء الله وإرادته ، فالبقاء عندهم ليس من طبيعة المخلوقات ولا من خصائصها الذاتية ، بل من طبيعتها جميعا الفناء، أما صفات الله عز وجل فهي صفات باقية ببقائه ملازمة لذاته باقية ببقاء ذاته سبحانه وتعالى لأن البقاء صفة ذاتية له فهو الوارث لجميع الخلائق في الدنيا والآخرة.
واسم الله الوارث يدل على ذات الله وعلى صفة البقاء المطلق بدلالة المطابقة وعلى ذات الله وحدها بالتضمن وعلى صفة البقاء وحدها بدلالة التضمن ويدل باللزوم على الحياة والقيومية ، والقوة والأحدية ، والقدرة والصمدية والكبرياء والعزة ، والملك والعظمة ، وكل ما يلزم لمعنى البقاء وما يترتب عليه ، واسم الله الوارث دل على صفة من صفات الذات والفعل معا .
كيف ندعو الله باسمه الوارث دعاء مسألة ودعاء عبادة؟ دعاء المسألة كما في قوله تعالى :و زكريا إذ نادى ربه رب لا تذرني فردا و أنت خير الوارثين «الأنبياء: 89» فقد كان يبتغي الولد مع انقطاع الأسباب ، فدعا الله بما يناسب حاله : «إذ نادى ربه نداء خفيا قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا و لم أكن بدعائك رب شقيا وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا»، وروي الترمذي وحسنه الألباني عَنْ عَائِشَةَ قَالتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : «اللهم عافني في جسدي و عافني في بصري و اجعله الوارث مني لا إله إلا الله الحليم الكريم سبحان الله رب العرش العظيم و الحمد لله رب العالمين».
أما دعاء العبادة ، فسلوك العبد يظهر فيه معني البقاء لله ، ويقينه بالزوال عن الحياة إلى أخراه ، فيتقي الله في حقوق الإرث ولا يظلم أحدا ، ويوقن أن الله هو الذي يقسم الأرزاق وأن الميراث الحقيقي هو ميراث العلم والأخلاق ، وميراث عدن والنعيم والفردوس يقول تعالى : إِلا من تاب و آمن و عمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة و لا يظلمون شيئا جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما و لهم رزقهم فيها بكرة و عشيا تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون «المؤمنون: 11» ، وقال تعالى : و إذا حضر القسمة أولو القربى و اليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا «النساء:8» روى البخاري من حديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَال : « إن ناسا يزعمون أن هذه الآية نسخت ، ولا والله مَا نسخت ، ولكنها مما تهاون الناس ، هما واليان وال يرث ، و ذاك الذي يرزق ، ووال لا يرث ، فذاك الذي يقول بالمعروف ، يقول لا أملك لك أن أعطيك ».