سؤال، ولا يقدح في حكمته مقال....وحكمته نوعان..
أحدهما : الحكمة في خلقه ، فإنه خلق الخلق بالحق ومشتملاً على الحق ، وكان غايته والمقصود به الحق خلق المخلوقات كلها بأحسن نظام ، ورتبها أكمل ترتيب وأعطى كل مخلوق خلقه اللائق به .
بل أعطى كل جزء من أجزاء المخلوقات وكل عضو من أعضاء الحيوانات خلقته وهيأته فلا يرى أحد في خلقه خللاً، ولا نقصاً، ولا فطوراً، فلو اجتمعت عقول الخلق من أولهم إلى آخرهم ليقترحوا مثل خلق الرحمن أو ما يقارب ما أودعه في الكائنات من الحسن والانتظام والإتقان لم يقدروا ، وأنى لهم القدرة على شئ من ذلك وحسب العقلاء الحكماء منهم أن يعرفوا كثيراً من حكمه ، ويطلعوا على بعض ما فيها من الحسن والإتقان . وهذا أمر معلوم قطعاً بما يعلم من عظمته وكمال صفاته وتتبع حكمه في الخلق والأمر ، وقد تحدى عباده وأمرهم أن ينظروا ويكرروا النظر والـتأمل هل يجدون في خلقه خللاً أو نقصاً ، وأنه لا بد أن ترجع الأبصار كليلة عاجزة عن الانتقاد على شئ من مخلوقاته.
النوع الثاني : الحكمة في شرعه وأمره ، فإنه تعالى شرع الشرائع ، وأنزل الكتب، وأرسل الرسل ليعرفه العباد ويعبدونه ، فأي حكمة أجل من هذا ، وأي فضل وكرم أعظم من هذا ، فإن معرفته تعالى وعبادته وحده لا شريك له ، وإخلاص العمل له وحمده ، وشكره والثناء عليه أفضل العطايا منه لعباده على الإطلاق ، وأجل الفضائل لمن يمن الله عليه بها . وأكمل سعادة وسرور للقلوب والأرواح ، كما أنها هي السبب الوحيد للوصول إلى السعادة الأبدية والنعيم الدائم ، فلو لم يكن في أمره وشرعه إلا هذه الحكمة العظيمة التي هي أصل الخيرات ، وأكمل اللذات ، ولأجلها خلقت الخليقة وحق الجزاء وخلقت الجنة والنار ، لكانت كافية شافية .هذا وقد اشتمل شرعه ودينه على كل خير فأخباره تملأ القلوب علماً ، ويقيناً، وإيماناً ، وعقائد صحيحة، وتستقيم بها القلوب ويزول انحرافها ، وتثمر كل خلق جميل وعمل صالح وهدى ورشد .
وأوامره ونواهيه محتوية على غاية الحكمة والصلاح والإصلاح للدين والدنيا، فإنه لا يأمر إلا بما مصلحته خالصة أو راجحة ، ولا ينهي إلا عما مضرته خالصة أو راجحة .ومن حكمه الشرع الإسلامي أنه كما أنه هو الغاية لصلاح القلوب، والأخلاق، والأعمال، والاستقامة على الصراط المستقيم ، فهو الغاية لصلاح الدنيا، فلا تصلح أمور الدنيا صلاحاً حقيقياً إلا بالدين الحق الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وهذا مشاهد محسوس لكل عاقل، فإن أمة محمد لما كانت قائمة بهذا الدين أصوله وفروعه وجميع ما يهدي ويرشد إليه ، كانت أحوالها في غاية الاستقامة والصلاح ، ولما انحرفوا عنه وتركة كثيراً من هداه ولم تسترشد بتعاليمه العالية ، انحرفت دنياها كما أنحرف دينها .
وكذلك نظر إلى الأمم الأخرى التي بلغت في القسوة، والحضارة، والمدنية مبلغاً هائلاً ، ولكن لما كانت خالية من روح الدين ورحمته وعدله، كان ضررها أعظم من نفعها ، وشرها اكبر من خيرها ، وعجز علماؤها وحكماؤها وساستها عن تلافي الشرور الناشئة عنها ، ولن يقدر على ذلك ما داموا على حالتها . ولهذا كان من حكمته تعالى أن ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم من الدين والقرآن أكبر البراهين على صدقه وصدق ما جاء به ، لكونه محكماً كاملاً لا يحصل إلا به.وبالجملة فالحكيم متعلقاته المخلوقات والشرائع ، وكلها في غاية الأحكام ، فهو الحكيم في أحكامه القدرية ، وأحكامه الشرعية ، وأحكامه الجزائية ، والفرق بين أحكام القدر وأحكام الشرع أن القدر متعلق بما أوجده وكونه وقدره ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن. وأحكام الشرع متعلقة بما شرعه. والعبد لا يخلو منهما أو من أحدهما، فمن فعل ما يحبه الله ويرضاه فقد اجتمع فيه الحكمان ، ومن فعل ما يضاد ذلك فقد وجد فيه الحكم القدري، فإن ما فعله واقع بقضاء الله وقدره ولم يوجد في الحكم الشرعي لكونه ترك ما يحبه الله ويرضاه . فالخير والشر والطاعات ، والمعاصي كلها متعلقة وتابعة للحكم القدري، وما يحبه الله منها هو تابع الحكم الشرعي ومتعلقه..
قال تعالى أفغير الله ابتغي حكماً 114سورة الأنعام....هو الشاهد، وهو الحاكم، وهو المنفذ، ولذلك فهو سبحانه: خير الحاكمين 87 سورة الأعراف..
لأنه جل جلاله لا يحتاج لشاهد قد يخطئ أو يقول زوراً، بل سبحانه وتعالى يعلم كل شيء، ولا يعلم جانباً من القضية، وتغيب عنه جوانب أخرى. لذلك فحكمه الحق والعدل،
ولا يعطي جل جلاله الحكم لسلطة تنفيذية قد تنفذ أو لا تنفذ، بل هو سبحانه الذي ينفذ ولا يوجد شيء يعجزه، كأن يهرب المذنب، ويختلف في مكان لا يعرفه أحد، بل لا يوجد شيء في كونه، إلا وهو سبحانه وتعالى يعلم مكانه، الله سبحانه ليس له هوى، وهو يجير ولا يجار عليه ...إذن فالله سبحانه وتعالى خير الحاكمين، وقوله سبحانه وتعالى: خير الحاكمين 87 سورة الأعراف...دليل على أن هناك من سيحكم في الدنيا من البشر، وهذا أمر نعرفه جميعاً، والله سبحانه وتعالى خيرهم. ويقول تعالى:
والله يحكم لا معقب لحكمه وهو سريع الحساب 41 سورة الرعد
والحكم معناه الحاكم الذي لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، وقيل في معنى الحكم: هو الذي حكم على القلوب بالرضا، وعلى النفوس بالانقياد والطاعة، وقيل في معناه:
هو الذي يفصل بين الحق والباطل، والبار والفاجر، ويبين لكل نفس ما عملت من خير وشر.
وسبحانه القائل في كتابه الكريم:فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين87سورة الأعراف
وقد ذكر الحكم مرة واحدة في الذكر الحكيم: أفغير الله أبتغي حكماً وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً....والله سبحانه هو الذي يحكم بين عباده في الدنيا والآخرة بعدله وقسطه فلا يظلم مثقال ذرة ولا يحمل أحد وزر أحد ولا يجازي العبد بأكثر من ذنبه ويؤدي الحقوق إلى أهلها فلا يدعو صاحب حق إلا وصل إليه حقه وهو العدل في تدبيره وتقديره وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله وأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة ليس فيها شائبة جور أصلاً فهي كلها بين الفضل والرحمة وبين العدل والحكمة كما قدمنا وما ينزله سبحانه بالعصاة والمكذبين من أنواع الهلاك والخزي في الدنيا وما أعده لهم من العذاب المهين بالآخرة ، فإنما فعل بهم ما يستحقونه فإنه لا يأخذ إلا بذنب ولا يعذب إلا بعد إقامة الحجة وأقواله كلها عدل فهو لا يأمرهم إلا بما فيه مصلحة خالصة أو راجحة ولا ينهاهم إلا عما مضرته خالصة أو راجحة وكذلك حكمه بين عباده يوم فضل القضاء ووزنه لأعمالهم عدل لا جور فيه كما قــال تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين.
وهو سبحانه الحكم بالعدل في وصفه وفي فعله وفي قوله وفي حكمه بالقسط وهذا معنى قوله : إن ربي على صراط مستقيم... فإن أقواله صدق وأفعاله دائرة بين العدل والفضل ، فهي كلها أفعال رشيدة وحكمه بين عباده في ما اختلفوا فيه أحكام عادلة لا ظلم فيها بوجه من الوجوه وكذلك أحكام الجزاء والثواب والعقاب.
من الاسماء الربانية: الحكم
- بقلم بدري المداني
- 11:46 09/06/2016
- 1661 عدد المشاهدات
قال الله تعالى وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير..
هو تعالى (الحكيم) الموصوف بكمال الحكمة وبكمال الحكم بين المخلوقات، فالحكيم هو واسع العلم والإطلاع على مبادئ الأمور وعواقبها، واسع الحمد تام القدرة ، عزيز الرحمة..فهو الذي يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها في خلقه وأمره ..فلا يتوجه إليه