ندوة الفن والذكاء الاصطناعي: أيّ مصير للصراع بين الذكاء الإنساني والذكاء الاصطناعي؟

• هل تنجح الآلة في إبداع فنّي يمسّ المتلقي ؟

هل يمكن التخلي عن الذكاء البشري امام الذكاء الاصطناعي؟ هل يقدر الذكاء الاصطناعي على تعويض احساس الفنان لانتاج عمل ابداعي ما؟ ما العلاقة بين الفنان مبدع العمل الفني والانسان مبدع الالة والتطور العلمي؟ مع أسئلة اخرى طرحت في ندوة «الفن والذكاء الاصطناعي التي نظمتها الجمعية التونسية للفنون التشكيلية المعاصرة.
هذه الندوة احتضنتها مدينة المنستير وشهدت مداخلات لثلة من الاساتذة الفنانين ممثلي جامعات تونس وسوسة والقيروان والمهدية وصفاقس والمداخلات المقدمة شملت مجالات الموسيقى والرسم والديزاين والتنصيبة وطرح الاساتذة في مداخلاتهم السؤال الابرز وهو علاقة الذكاء الانساني بالذكاء الاصطناعي؟ وهل يمكن للالة ان تنتصر على الانسان؟ وهل سيكون هناك لحظة فنية ابداعية تنتجها التكنولوجيا لا الانسان؟.
النوتة اجمل حين يعزفها الفنان
«هل يمكن للذكاء الاصطناعي ان يصنع الابداع الموسيقي» هكذا يتساءل الدكتور الاسعد الزواري في مداخلته العلمية والفنية، الزواري استاذ باحث بجامعة صفاقس وهو ملحن وصانع موسيقى، قدم اسئلة عن العلاقة بين المبدع والمتلقي، وهل تعوض التكنولوجيا الابداع البشري والذكاء الانساني؟ وهل التكنولوجيا تخدم تطور الموسيقى ام تقزم من عقل المبدع؟ وهل أن لطارح الاثر الموسيقي السيادة على أثره؟ واسئلة اخرى يقدمها الزواري في مداخلته القائمة اساسا على السؤال، ويضيف الزواري ان المبدع اليوم اصبح يرتهن لبعض البرمجيات لإنتاج مادته الموسيقية، مشيرا الى وجود برمجيات رقمية متطورة تساعد الفنان على تأليف موسيقى ممتعة لكنها لا تتماهى مع الابداع الانساني وقدم للحضور مقطوعة موسيقية في مقام «النهاوند» انجزها باستعمال الذكاء الاصطناعي في ساعتين، بينما تطلب تسجيلها وانجازها في الاستوديو بالطريقة الكلاسيكية شهرين كاملين، ليختم مداخلته بالإشارة الى الاعتراف باهمية الذكاء الاصطناعي وواقعيته لكن على الموسيقي العربي ان يكون واعيا بهذا الذكاء وله القدرة على تأسيس تفاعل مع الثقافة الرقمية، يستعملها دون الوقوع تحت بريقها وسلطتها المطلقة.
في المجال الموسيقي كذلك تحدث الدكتور سمير بشة مدير المعهد العالي للموسيقي بتونس في مداخلة عن «الكلمة والذاكرة والموسيقى» مشيرا الى الفوارق بين الذكاء البشري والذكاء الاصطناعي في مجال المفاهيم، فالحاسوب مثلا لا يعرف كلمات مثل «النسيان» او «السعادة الانفعالية» و»الاحساس» فالحاسوب يتعامل مع ارقام وخوارزميات يحولها الى مقطوعة، بينما يعطي الذكاء الانساني مساحة كبيرة للعاطفة، للشعور لينجز مادته الابداعية، ويتساءل بشة عن العلاقة بين الذكاء الانساني والاصطناعي؟ هل هي قطيعة ام تواصل؟ وأشار في مداخلته الى الترجمة المفاهيمية التي يبدع في صياغتها العقل البشري بينما تكون جافة من قبل الالة حاسوب كان او تقنيات تكنولوجية، ويؤكد سمير بشة انه ورغم التطور العلمي يبقى الانسان بذكائه هو صانع العملية الابداعية وهو القادر على التأثير في المتلقي لا الالة.
التكنولوجيا ضرورة لكن الفلسفة والفن اكثر اهمية
«الفلسفة ام العلوم، والفن اب العلوم» بهذه الجملة يفتتح الاستاذ محمد ساسي ضيفاوي مداخلته المعنونة بالذكاء الاصطناعي ومحاكاة الصورة، ويعود ساسي ضيفاوي الى ازمة الذات العربية امام الاخر منوها «ما يعانيه العالم العربي والاسلامي من تخلف مرجعه الاول تهميش المؤسسة التعليمية وتطليق الكتاب، والنظرة الدونية للفن سبب مباشر لتخلف العالم العربي، فالفن يتحدث عن المسكوت عنه، يجانب النمطية لذلك النظرة الدونية للفنان سبب من اسباب الدونية» .
ويطرح ضيفاوي سؤال: هل يمكن ان نعيق دور الابداع الانساني بفضل تطور الذكاء الاصطناعي؟ وماهو الذكاء الاصطناعي وكيف يمكن للانسان ان يوظف الالة وتقنيات قد تحاكي الذكاء الانساني؟ وهل يتجاوز الذكاء الاصطناعي الذكاء البشري؟، وفي علاقة بالصورة يعود الى المراجع الدينية ففي التوراة توجد اية «خلق الله الانسان على صورته» (السفر رقم27) وفي القرآن جاء «وصوّركم فأحسن تصويركم» (سورة غافر)، فكيف خلق الله انسان في اجمل صورة ثم يمنع التصوير؟ انطلاقا من مقولات التصوير حرام التي يرددها «المتاسلمين» منذ عقود، فالنص الديني هنا يقوم على تفجير الفن والابداع ومن هنا انطلق الذكاء الانساني وصنع اجمل الصور التي تطورت حسب العصر من الكتابة الهيروغليفية الى النحت على الجدران وصولا الى التصوير الشمسي ثم الفيديو والتصوير باستعمال التقنيات الحديثة، فالعقل البشري هو من اخترع كل هذه الوسائط ووحده الذكاء الانساني قادر على تغيير المشهد لانّ الفن يقوم على فلسفة المادية القائمة بدورها على التخيّل وليست للآلة قدرة على الخيال.
التجديد القيمي والاجتماعي لمجابهة التجديد التكنولوجي
اصبح التنجيد ضرورة يعايشها المواطن والفنان، والذكاء الاصطناعي صدمة اخرى يعرفها المجال الفني بعد صدمة السمعي البصري مثلا، فمع أول ظهور للراديو، كان الصوت الصادر من مصدر مجهول ومن الة كبيرة الحجم صدمة للمتلقي، كذلك هي التكنولوجيا الحديثة التي صنعت جمهور جديد حسب تعبير الدكتور محمد بن حمودة عن جامعة صفاقس.
ويضيف الاستاذ الباحث ان الشعارات تختلف وتتطور والقيم نفسها تتغير، وطرح السؤال عن علاقة الذكاء الاصطناعي بالمجموعة؟ فالحاسوب كآلة قادر على الاستنساخ لكنه غير قادر على اخذ القرار، ويشير بن حمودة ان هناك منافسة بين الانسان والآلة فهل يفسد الذكاء الاصطناعي ما افسده الذكاء الصناعي؟ فالذكاء الصناعي يعول على المدرسة وتقديم كم المعلومات دون ضرورة الفهم بينما الاصطناعي يفتح المجال للفهم ومحاولة التغيير، لذلك وجب التعامل مع هذه التقنيات من نظرة اجتماعية اساسها السؤال عن تأثير التطور التطنولوجي في المجموعة وقيمها وعلاقاتها.
ويضيف بن حمودة انه يجب انشاء صناديق لدعم التجديد الاجتماعي امام انتشار التجديد التكنولوجي للحفاظ على فكرة الابتكار والعائلة والقيم «تطور الابتكارية في السياق الغربي استدعى قيام اغلب الدول الغربية منذ سبعينات القرن الماضي بانشاء صناديق لدعم التجديد الاجتماعي في مواجهة التجديد التكنولوجي وتدقق «مرجوي جوان» هذا الدور فتعين خصوصية التجديد الاجتماعي بالقول: ان وصفنا له بالاجتماعي لا يعني اننا نستعمله في هذا المقام مقابلا للاقتصادي وانما نستعمله لتسمية كل تجديد غير تكنولوجي وهو ترجمة للبعد الانساني والجماعي الكامن في التجديد، ويشمل حقولا عديدة ونعني حقل التضامن والعلاقات المهنية وحقل تغيرات المجتمع وحقل المنظمات العمومية والخاصة واخيرا حقل السياسة» فالذكاء الاصطناعي ضرورة وحقيقة، لكن التعامل معه يكون بوعي ورغبة حقيقية في التطور لا الانسلاخ والحل الوحيد هو «اللامادي» لانه الفيصل بين التكنولوجي والصناعي.
يعيش العالم اليوم تطورا كبيرا في توظيف التكنولوجيا في الاعمال الفنية، هذه التقنيات الجديدة تخترق الاحساس الانساني مباشرة وتدفعه ليعيش تجارب فنية حياتية كما تقول الدكتورة اقبال بقلوطي فمسالة الابصار والإدراك الحسي الاحادي (لوحة-متلقي/ مقطوعة موسيقية-مستمع) لم تعد مطروحة بل هناك سلوك جسدي جديد ساهمت التكنولوجيا الحديثة في خلقه مقدمة مثال «تنصيبة: الغرفة الممطرة» التي احدثت علاقة تفاعلية جديدة بين العمل الفني والمتلقي عبر التشاركية التفاعلية الجماعية، فالتنصيبة حولت العمل الفني الى تجربة معيشية وبفضل تقنيات الذكاء الاصطناعي استطاع المبدع تغيير طريقة التفاعل بين العمل الفني والمتلقي وإيجاد احاسيس جديدة ومختلفة حسب تعبير اقبال البقلوطي.
«الجسد هو الحامل للاثر الفني في النهاية، والانسان هو الصانع الحقيقي للعملية الابداعية» بهذه الكلمات يعبر الدكتور فتحي الميساوي على الانتصار الدائم للعقل الانساني على حساب الذكاء الاصطناعي، مشيرا انه ورغم استعانة الانسان بالتطور التكنولوجي وقدم فيديو لتجربة «قصر الذاكرة» وهي رحلة ذاتية في اغوار الذاكرة الى عالم الطفولة باستعمال جسده مع الصوف وتقنيات المونتاج والميكساج، ورغم لذة التجربة واهمية التطور التقني يظلّ الجسد البشري وذاكرته هو خزان الاحاسيس الصادقة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115