مسرحية «أنا الملك» لمعز حمزة ضمن مهرجان «فرحات يامون» للمسرح: منذ بداية الخلق ظلّ الإنسان سبب الشرور

يموت الملك، يعيش الملك» هي المقولة التي انطلقت منها التجربة البحثية لتقديم مسرحية «انا الملك» للمخرج معز حمزة، فالمسرح مساحة حرة للسؤال والمسرح هاجس إبداعي

ميزته النقد وفك الشيفرات المبهمة، «انا الملك» مسرحية تنطلق من نص «انا الملك» لتوفيق الحكيم في دراماتورجيا لرضا ناجي.
مسرحية تنقد السياسي وتكشف قبح العلاقات الانسانية وتسلط الضوء على ثنائية البقاء والفناء، مسرحية من تمثيل نور الدين العياري وفاتن الشوايبي وضياء منصوري واروى الجندوبي ومعز حمزة، وملابس لجليلة المداني وصوت تسجيلي لعماد الوسلاتي وتنفيذ الموسيقى عبد الله بن ميمون وانارة فيصل صالح وسينوغرافيا واخراج معز حمزة وعرضت المسرحية ضمن فعاليات اليوم الثاني للدورة التاسعة والعشرين لمهرجان فرحات يامون للمسرح.
الترميز وسيلة المخرج لنقد واقعه
«انا الملك» سيميائية الصورة تجمع الوان الابيض والأسود ويتخللها اللون الأحمر، في الصورة الصراع بين الحياة والموت، صراع البقاء يقوده الدم، فلا حياة دون اراقة الدماء ولا بقاء للملوك على كرسي السلطة دون اقصاء المعارضين، من الدموية ولد حبّ السلطة، من الجهل ولد الديكتاتور، من الخنوع والطمع صنعت يد خفية تحرّك الشعوب حسب رغبتها، من بحث فكري في العلاقة بين السلطة والشعب جاءت مسرحية «انا الملك» ناقدة، تفكك شيفرات السياسي في علاقته المباشرة بمعارضيه وشعبيه.
منذ المشهد الاول يضع المخرج جمهور مهرجان فرحات يامون امام فكرة التبعية والسؤال عن الحرية، جسد يجلس على كرسي يلتحف بالسواد، نصف الوجه ابيض ناصع والنصف الاخر اسود قاتم، ثنائيتي البياض والسواد رمزية للصراع الازلي بين الموت والحياة، مع الاضاءة الخافتة يتضح ان الجسد لامرأة، تحرك حبلا طويلا مشدودا ال شيء ما، تحديدا حقيبة متوسطة الحجم، ترقص في مكانها، تحرر جسدها فيعانق السماء، تبدو منتشية قبل ان تحرك ذاك الحبل، فتخرج كتلة متحركة، داخلها جسد انسان، يلبس السواد بأكمله، تحركه، تراقصه، تقوده، المشهد الاول ينقل صراع الحرية والعبودية، ثنائية الحياة والموت، معركة الانثى والذكر والقاتل والمقتول، المشهد صامت لا حديث فيه فقط الاجساد ونظرات العيون من تخبر الجمهور بشيفراتها وأسرارها.
«انا الملك» مجموعة من المشاهد تحمل المتفرج الى نصوص عالمية لشكسبير اتقن معز حمزة تجميعها وتحويلها الى نص مسرحي تراجيدي، يشرّح العلاقة النفسية بين صاحب السلطة، من يصنعه؟ من يحركه؟ من ينثر الدماء بدل الورود؟ من يشكل الحاكم المريض كما يشكل الخزاف قطعته الخزفية بالكثير من الصبر والحرفية؟، اسئلة كثيرة وصدمة نفسية وفكرية يضع فيها المخرج جمهوره، يضعهم مباشرة امام تيمة السؤال، فالسؤال اساس الفعل المسرحي والابداعي ومعز حمزة في كل تجاربه المسرحية ينطلق من سؤال شائك واثناء العمل يبسط مفاهيم واجابات مختلفة للسؤال المطروح.
بلغة عربية فصحى يغوص كاتب النص في ثنائيات الصراع، مستعملا الرموز، رمزية الحبل، رمزية الحقائب والرحيل المستمر، فالحقائب تكاد تصبح شخصية في المسرحية في رمزيتها للسفر المتواصل والهروب الدائم الذي تعيشه الشخصيات، تهرب الرعية من واقعها وتبحث امام عتبات الملك عن مستقبل افضل بعد انتشار الطاعون «الطاعون يقتص منكم، انزلوا التلال، املأوا الساحات، لن نتهاون سنقضي على كل الخونة، ارفعوا الأصوات، تكدسوا على اعتاب بابه، اليس منقذكم».
ويهرب الملك من حقيقته، يهرب من كذبة كبرى عاشها طيلة أعوام، يهرب من ماضيه المجهول «ايها الجالس على العرش، انك ترى الافواج من شعبك، ان المحنة تزلزل قوام الشعب» فالملك مجهول الاصل وضعته رعيته صدفة على العرش فقط لانه استطاع حلّ لغز، شعب يضع على عرش مملكته ملكا لا يعرفه، فقط لانه تمكن من حلّ لغز يقدمون له كرسي الملك وقلب الملكة دون مقابل، تطاع اوامره وقرارته، ايّ جهل ومعصية اكبر من بيع المملكة، ومع تقدم الاحداث يكتشف الجمهور ان هناك يد خفية هي التي تحرك كل الاحداث «شعبي التعس، لست نائما عن الأهم، حملتموني لهذا اعرش لأحميكم، اتركوا لي الوقت، للتفكير والتدبير» شخصية مخفية تقرر وتنفذ قرارتها عن طريق الملك وحاشيته، وكاننا بمعز حمزة يؤكد ان شعوب العالم هناك من يقرر مكانها وهي تنفذ صاغرة وفرحة.
تفاحة ادم والخطيئة الازلية
ثمرة غيرت وجه الانسانية والبشرية، ثمرة كانت السبب في حروب نفسية واجتماعية وسياسية، هكذا يقرأ صاحب النص قصة تفاحة آدم، هي الثمرة الاولى لاوّل الخطايا البشرية، قرب ادم التفاحة وقضمها فخرج من جنته الدائمة ونزل الى الارض بكل هلاميتها.
من تلك التفاحة بدأت الشرور والضوضاء والخطايا المتواصلة، تحضر التفاحة برمزية الخطيئة في المسرحية، التفاحة تجمع القلوب العاشقة، مشهد لقاءات الملك مع حبيبته يبدئ بقضم التفاحة ومشاهد الفراق ايضا تقوم على التفاحة وحتى لحظات الانتحار والذهاب الى الفناء تكون عبر قضمة تفاح، تلك الثمرة الشهية كامرأة حبلى بالشرور، يستعمل المخرج رمزيتها ليغوص في حكايات اللقاء والفراق، الحرب والسلم، الموت والحياة.
«انا الملك» مسرحية تقرأ الصراع عى السلطة منذ الخطيئة الاولى لادم الى اليوم، تلخص لجمهور المسرح صراع البقاء والفناء، تتجول معه في الموروث الشفوي والاسطوري والديني وتحاول تفكيك شيفرات اكثر الكائنات صنعا للشر «الانسان» تلك التركيبة البشرية الغامضة يفككها معز حمزة وكامل فريقه انطلاقا من نص توفيق الحكيم «عقدة اوديب» واشهر نصوص شكسبير ، وبنص موغل في الرمزية ينقد الاجتماعي والسياسي ويؤكد انّ الشعب هو الصانع الاول للديكتاتورية.
«انا الملك» مسرحية تبرز الصراع السياسي، وسياسة البقاء للاقوى، في المسرحية يضطر «الملك» للموت بعد فشله في مصارحة شعبه بالحقيقة، فهناك قوة خفية ترفض قوله للحقيقة وتتهمه بقتله للملك السابق وتضيق المساحة بينه وشعبه، لينتهي العمل بجملة «شعبي التعس» وهي الجملة الاولى التي انطلق منها العمل، فالمسرحية كما دورة الحياة، تنطلق بالنقد والسخرية وتنتهي اليها.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115