منبــــر: أيام قرطاج السينمائية: مسارات موت معلن

إن العدول عن تنظيم مهرجان أيّام قرطاج السينمائية بصفة سنويّة بعد ثماني سنوات من اعتماد هذا التمشّي، كحلّ لتجاوز الإشكاليات الهيكليّة التي يعاني منها المهرجان، هو قرار غريب ومجانب للصواب.

لقد كان خيار المرحوم الطاهر شريعة تنظيم المهرجان كل سنتين عند إحداثه في سنة 1966 ويعود ذلك لندرة الإنتاجات السينمائية العربية والافريقيّة في تلك الفترة والتي لم تكن تسمح بضمان برمجة سنويّة.
اليوم يشهد الإنتاج السينمائي العربي والافريقي تطوّرا كبيرا ليس فقط من الناحية الفنّية بل كذلك بما يتعلّق بعدد الأفلام المنتجة سنويّا، وهو ما ساهم في ظهور العديد من المهرجانات السينمائيّة في العالم العربي التي أصبحت تزاحم بشدّة أيام قرطاج السينمائيّة وتتوفّر لديها إمكانات كبرى وتقدّم جوائز ماليّة هامّة.
انطلاقا من هذا الواقع الجديد عملنا منذ سنة 2014 على أن يصبح مهرجاننا سنويّا بغاية مزيد دعم تواجده ضمن خارطة المهرجانات الدوليّة والمساهمة في ضمان تواصل إشعاعه.
ويبقى مهرجان أيام قرطاج السينمائيّة رغم إمكاناته المحدودة واحدا من أهمّ المهرجانات المرموقة في المنطقة والذي يحرص السينمائيون العرب والأفارقة على مواكبته -وذلك خاصّة- بالنظر للإقبال الكبير والمميّز للجمهور لمشاهدة الأفلام وثراء النقاشات التي تلي عرض الأفلام.
وعليه فمن غير المعقول اعتبار سنويّة المهرجان والبساط الأحمر أسباب الإخفاق في التنظيم في حين أن الإخفاق كان نتيجة سوء تصرّف الفريق الذي تمّ تكليفه بالإشراف على التنظيم اللوجستي والذي ربّما لم تكن له الخبرة الكافية في هذا المجال، هذا بالإضافة إلى المشاكل الهيكليّة المتعلّقة بالإطار القانوني والإداري للمهرجان والتي تعيق سبل تطوير التصرّف فيه منذ إحداثه.

كما يعتبر غياب وجود مكتب قار للمهرجان وتعيين المدير آو المديرة بضعة أشهر قبل انطلاق الدورة واختيار فريق جديد للتنظيم في كل مرّة مع عدم الأخذ بعين الاعتبار لما تم إنجازه سابقا، من أهمّ الأسباب التي تأثر على ضمان حسن برمجة فقرات المهرجان وحسن التنظيم.
لقد عينت الوزيرة مديرة اختارتها من بين عدّة مترشّحين على الرغم من احتراز عدد من المهنيين في القطاع. وإنه من الغريب أن يتم الرمي بهذه المديرة كفريسة لكل أنواع النقد في حين تنصّلت الوزارة من أيّ مسؤوليّة في »االفشل«) الذي آقرّته مواقع التواصل الاجتماعي ( في تنظيم هذه الدورة.
في ما يتعلّق بالسجّاد الأحمر تمّ اعتماده في سنة 2008 للاحتفاء بالممثّلين والممثّلات والمخرجين والمخرجات ولنضفي على المهرجان جانبا احتفاليّا، فقد تمّ تحميله نتائج غياب التنظيم المحكم.
مرّت على السجاد الأحمر خلال السنوات الأولى قامات من السينمائيين والسينمائيات والممثّلين والممثّلات من تونس ومن العالم. هذا ولم يتمّ أبدا الحياد عن التوجّهات الأساسيّة للمهرجان حيث كان الهدف إضفاء لمسة من التجديد متناغمة مع العصر الحالي مع التفكير في المستقبل وخاصة الجيل الجديد. وإنّ الالتزام ليس ولم يكن أبدا نقيضا للاحتفال. ولا يتحمل هذا السجاد المسكين المسؤوليّة اليوم فيما آل إليه موضوع ومستوى النقاش من تردّي.
يعيش اليوم أغلب العاملين في المجال الثقافي في حالة من الارتباك نتيجة الضبابيّة وغياب رؤية إصلاحيّة واضحة للقطاع. كما أنّ الإعفاءات الغير المبرّرة خلال الفترة الأخيرة لعدد من المسؤولين المشهود لهم بالكفاءة صلب الوزارة، هي قرارات لا نجد لها تفسيرا خاصة وأن أغلب هذه المناصب بقيت شاغرة وهو ما جعل الإدارات والمؤسسات المعنيّة في حالة شلل.

رغم هذا الوضع لم يتوقّف الفنانون التونسيون، وأخصّ بالذكر المجال السينمائي، عن الابداع والعمل على اشعاع صورة تونس والثقافة التونسية بالخارج، في حين تسبح وزارة الاشراف عكس التيّار.
ولعلّ القرار الأخير المتسرّع والغير مدروس بالرجوع إلى تنظيم أيام قرطاج السينمائيّة كلّ سنتين سيكون الضربة القاضية لهذا المهرجان.

بقلم درة بوشوشة

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115