روبورتاج: «قسطيلية» تحثك على القدوم إليها يا باحثا عن الصدق والجمال

هل تبحث أيها القارئ عن مساحة للحرية والجمال؟ هل ترغب في مكان لقضاء عطلة الشتاء والتمتع بدفء الشمس الشتوية في انسجامها مع عبق التاريخ وجمال المكان؟

هل تريد مكانا يحلو فيه الشدو واللقاء والسفر عبر الحكايات والعمارة؟ أتصبو الى فضاء تتماهي فيه الروح مع الفضاء الممتد؟ إذا كنت كذلك فالكوفة الصغرى، نفطة افضل الاماكن وجهة، مدينة تستفزّ الزائر للكتابة عنها والنبش في ذاكرتها مكانا وحكاية.
«قسطيلية»، «كهوار»، «اقارصل نبت» «الكوفة الصغرى» جميعها تسميات لثغر الصحراء نفطة، مدينة التسامح الديني وتعاقب الحضارات، مدينة المبدعين والشعراء ومحج طالبي العلم والصوفيين، نفطة ارض للقاء في رحاب وسماحة متساكنيها وعراقة حضارتها.
«البراطيل» ذاكرة حية وشاهد على عراقة المكان
«عذبة انت كالطفولة كالاحلام، كاللحن كالصباح الجديد، كالسماء الضحوك كالليلة القمراء، كالورد كابتسامة الوليد» هكذا صدح الشابي متغنيا بوطنه، هذه الابيات التي كتبها شاعر تونس خير وصف لمدينة العشق نفطة، هنا هدوء يلف المكان، السكينة ينتشر شذاها، رائحة بعض الاطباق بدات تفوح تداعب انوف الاطفال فيتركون العابهم راكضين الى البيت، جارة تحادث جارتها من خلف الباب، بعض الشباب اجتمعوا على الدكة وتعاطوا لعبة الكترونية، شيخ يتوكأ على عكازه، يمرر ابتساماته على المارة من ضيوف المكان وبمجرد الوقوف امام اللافتة يبادرك بالحديث عن تاريخيتها ومنها الاستفاضة في ذكريات مدينته، هكذا هي نفطة تلقائية بسكانها وامكنتها، تشدك اليها وتدعوك للتوغل في تفاصيلها، مدينة آمنة والتجوال فيها يشبع العين بجمالية المعمار ويشحن الروح بطاقة هدوء جميلة.
«البراطيل» ميزة المدينة العتيقة، إحدى الرموز المعمارية لنفطة، قبلة الضيوف والباحثين في التاريخ ومتتبعي القصص والحكايات، فنفطة المدينة الحكاية وبراطيلها خير شاهد على ذاك، بين الظل والشمس تكون الجولة، بعض الازقة منفتحة على الشمس واخرى مغلقة على نفسها تشعرك انك في مأمن من الخارج،»البراطيل» هي الجزء المغطى من الشارع، يبنى بالاجر التقليدي ويسقف بخشب النخيل، ينفتح بقوسين وتوجد على جانبيه دكات للجلوس مفتوحة للمارة، البرطال ينسب عادة للعائلات المالكة للمنازل له وظيفة اجتماعية اساسية وهي الاجتماع، في الافراح، اجتماع الصبية للعب واجتماع الشيوخ للاحاديث، اجتماع ابناء الزقاق الواحد للخوض في شجون الذاكرة، فالبرطال ليس مجرد زقاق مسقّف بل ارث ثقافي وحضاري وجزء من هوية متساكني نفطة.
البراطيل مطيتك الاولى لاكتشاف نفطة، من برطال «الخلاطة» الى «برطال دارفرح» الى «برطال سيدي علي بن سياري» و»برطال دار اللالة» جميعها شاهدة على الذاكرة، لكل برطال حكاياته خلف جدرانه الصماء وابوابه الخشبية الموشاة باللونين الاخضر والازرق توجد العديد من قصص العشق والنضال لابناء نفطة.
على خطى مبدعيها نسير بحثا عن مساحة للحب
تناديك المدينة لاكتشاف تفاصيلها، سحر خاص في نفطة يشد الزائر للعودة، كذلك سيرة ادبائها والشعراء الذين سال حبرهم تغزلا بالمدينة الهادئة، في نفطة لك ان تقتفي الخطى وتسير على درب عظماء المدينة الصغيرة، ارواحهم تحلق في المكان، فنفطة قدمت لهذا الوطن الكثير من الشهداء في الزائر وفلسطين وساقية سيدي يوسف ومعركة الجلاء واحداث قفصة وضعت اسمائهم جميعا في مجسم حجري بساحة تتوسط المدينة العتيقة.
الكوفة الصغرى خلدها ابناؤها بكتاباتهم الخالدة كجزء من ذاكرة المدينة، هي المدينة التي احبها البشير خريف وكتب فيها رائعته «الدقلة في عراجينها»، تلك الرواية الآسرة ستدفعك للسؤال عن «corbeille» نفطة، سيأسرك منظر المياه في انسجامها العجيب مع الواحة، ستجلس في ذاك المقهى الصغير وتطرح سؤال «ترى هل جلس خريف في هذه الزاوية وهو يكتب»، بعد التمعن من عل في المياه المترقرقة ستحث الخطوات حتما الى داخل الواحة للتتبع صوت ضحكت «عترة والمكي» الشخصيتين الرئيسيتن، ستنصت بقلب وجف لرجفات القلوب العاشقة، فالواحة هنا مساحة للتامل، للحب وللتحرر من صخب الخارج.
نفطة احبها الميداني بن صالح وتغزل بها منور صمادح، نفطة معشوقة الشيخ الهاشمي الطرودي فيها حفظ القرآن وخطا خطواته الاولى في ابواب العلم والمعرفة، في نفطة تبرع عبد الكريم قابوس بمنزل العائلة ليكون رواقا مفتوحا للفنون التشكيلية واصبحت دار قابوس فضاء لجمعية الوان بلا حدود «اقل ما يمكن إهداؤه لمدينتي نفطة، وضع بيتي ليكون رواقا فنيا ومركز لتكوين الاطفال وتعليمهم حب الالوان والحياة، البيت تركه الاجداد وحافظنا عليه الى اليوم ليكون قبلة للفنانين والباحثين عن خبايا الجمال عملا بمقولة غاندي دع ثقافات العالم تهب على بيتي شريطة ان لا تذهب بالبيت كلّه».
الكوفة الصغرى قبلة الصوفيين وطالبي العلم، نفطة مدينة الجوامع والمساجد والزوايا والطرق الصوفية المختلفة، هنا استقر العلويون والجعافرة والاباضيون، هنا تلتقي كل الاديان، والثقافات والطرق الصوفية باختلاف اهازيجها وتعبيراتها وانماطها الموسيقية، فنفطة ومنذ الازل تشرّع ابوابها لقاصديها، تكرم ضيوفها وتدفع العشاق ليكتبوا اجمل قصائد الحب والخلود.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115