مهرجان تراث سيدي عبيد بتوزر: الموسيقى والتراث ذاكرة حية وجب الحفاظ عليها

يدافعون عن موروثهم الموسيقي والتراثي عبر الأغنية ينقلون ملاحم الاجداد وحكايات العشاق وقصص الحب في اهازيج خالدة تقدمها النسوة في المحافل

ليكون مهرجان تراث اولاد سيدي عبيد بتوزر لبنة اساسية للدفاع عن الهوية الموسيقية «الركروكي» وحمايته من الاندثار.
اولاد سيدي عبيد مهرجان يجمّع الاغاني والملاحم التي تغنت بالقبيلة وبطولاتها، تتبع لسير الاولين وأغانيهم المنتصرة للوطن وللحياة.
«عيشة» للعروسي الزبيدي سيرة امراة تتماهى مع سيرة الوطن
هنّ الذاكرة الحية، هنّ حارسات الموروث الموسيقي من الاندثار، هنّ اللواتي يحملن تاريخ الوطن بين جنبات القلوب، يغنين وقت الفرح ويرفعن الصوت وقت الحزن، فالغناء لدى النسوة الوسيلة الاولى للتحرر من الالم والتعبيرة الاقرب للفرحة، هنّ الذاكرة المتقدة رغم تقدمّ اغلبهنّ في السنّ لازالت الذاكرة تحفظ الاغاني التراثية ولازال لهن القدرة على غناء «الركروكي» هؤلاء النسوة جمعهنّ الفنان العروسي الزبيدي لأشهر لتسجيل ما يحفظن وكتابة ملحمة «عيشة» موسيقيا من خلال الاغاني الغزلية والرثائية واغاني الحب والهجر والاغاني الوطنية التي تحفظها النسوة.
بنات سيدي عبيد حارسات هوية موسيقية من الاندثار غنّين، وسجلت اغانيهنّ لتكون مطية لمعرفة الموروث الغنائي لـ»الركروكي» و»المثلوثي» وتبقى المادة الغنائية مسجلة للحفاظ على الذاكرة من الاندثار فهنّ يحملن الموروث ويحفظنه عن الجدات، يتناقلنه بكل حبّ ويرغبن في تحفيظه لبناتهنّ رغم اختلاف الاذواق والأجيال والأنماط الموسيقية.
«عيشة» عرض موسيقي فرجوي ممسرح، هي حكاية احدى النساء القوية المتمردة على النواميس، عيشة ذنبها الوحيد انها عشقت من غير قبيلتها فدفعت الكثير ثمنا لذلك الحب، الى حكايات وقصص العشق التي تشبه حكايات الف ليلة وليلة وحكايات الغارات والحروب التي كانت تنشئ لأجل امراة او قصيدة غزلية يحمل العروسي الزبيدي جمهور المهرجان، ساعة من الحكي والغناء والموسيقى وكل المشاهد يعبّر عنها بأغنية تتداولها النسوة الى اليوم.
«عيشة» قصة امراة تونسية من قبيلة اولاد عبيد، حرة تجرأت على النواميس واتبعت صوت القلب وأنصتت لنداءاته، تجاوزت قوانين القبيلة والمجموعة وصنعت لنفسها قانونها الخاص، عيشة احبّت، فخالفت شريعة المجموعة وتقاليدها واختارت معشوقها، قصة تنقلها الخالات بالأغاني، يرفعن الصوت متحديات العمر والتجاعيد المرسومة على الوجه ليؤكدن ان الروح التواقة الى الحياة تظل شابة دائما.
ساحة الهرم هي مكان اقامة مهرجان تراث اولاد سيدي عبيد، في شكل نصف دائري نصبت الخيام «بيوت الشعر»، لكل خيمة مكوناتها، واحدة للتعريف بمناضلي الحركة الوطنية من ابناء الجهة، وثانية للضيوف من ليبيا والجزائر حيث الامتداد السكاني والجغرافي لأولاد سيدي عبيد وأخرى ليعيش طفل اليوم حياة اجداده ويتعرف على مكونات الحياة البدوية من نسيج وبمختلف ادواته واواني المطبخ واللباس القديم، الخيمة بمثابة المتحف المفتوح على التاريخ، وأخرى ستكون ركح للعروض الفرجوية، الخيمة ستتحول الى مساحة الإبداع داخلها ستجلس الخالات ليحدثن الجمهور عن ملحمة «عيشة» وقصة تمردها وانتصاراتها وخيباتها، فعيشة ترميز عن الوطن، الذي عاش صراعات وتناحرات، فوضى وحروب، انتصر فيها وبقي شامخا كما قصص الحبّ الخالدة.
تلقائية مطلقة هي الصفة الابرز للعرض، الخالات بلباسهنّ التقليدي الموشى بالألوان افترشن المرقوم اليدوي الصنع، امامهنّ بعض الصوف «ينشفنه» وكانهنّ في استعداد ليجلسن خلف المنسج وتبدئ عملية الغناء، يشرف عليهنّ العروسي الزبيدي ويجسد دور الحكواتي، هو من يسرد القصة والخالات يكملنها بالغناء، تلقائتهنّ وبساطتهنّ كانت العلامة الفارقة في العرض الفرجوي.
«عيشة» عرض فرجوي يسلط الضوء على غناء الركروكي الذي تغنيه النسوة، عملية بحث في الموروث الموسيقي الشفاهي والتقاط للقصص واسماء المناضلين الذين تغنت بقوتهم الاغاني الشعبية، تجميع للذاكرة يشرف عليه العروسي الزبيدي في محاولة للحفاظ على الموروث الشفوي وتسجيله ورقمنته ليكون شاهدا على عراقة السابقين وبراعتهم في حبط الحكايات والاغاني القريبة من الروح.
المهرجان تجميع للذاكرة المشتتة
«ذاكرتنا هويتنا، ذاكرتنا جزء من حاضرنا نعتز به ونحاول تقديمه لابنائنا، تراث اولاد سيدي عبيد ليس احتفالية وفرجة بل تذكير بنضالات ابناء المنطقة وتذكير بجهود الاجداد في حرب التحرير وكذلك تقديم صورة موسيقية عن اهازيج الجدات وقصص الحب التي توارثتها الذاكرة الشعبية، ذاكرتنا المنيرة وسيلتنا للاعتزاز بانتماءنا» هكذا يصرّح للمغرب عامر عمري مدير مهرجان تراث اولاد سيدي عبيد، مؤكدا ان الثقافة هي افضل السبل لتقديم الماضي والتعريف بالحاضر.
مهرجان تراث اولاد سيدي عبيد تجربة تجمع الموسيقى التقليدية والتراث الموسيقي الخاص بأولاد سيدي عبيد باختلاف انتمائهم الجغرافي والحيز السكني، في اولاد سيدي عبيد توزر يجتمع المحافظين على الهوية الموسيقية لهذا «العرش» من الجزائر وليبيا والرديف (قصابة الرديف)وبعض سباسب القصرين (سكان سطح سمامة)، فاهل القبيلة قديما واثناء ترحالهم استقر بعضهم في هذه الامكنة والمهرجان يجمّعهم ومعهم اهازيجهم واغانيهم التي تعبّر عن ذاكرة اجتماعية وعقائدية مشتركة، اهازيج عن الحب والحرية تغنيها النسوة، نفس الكلمات مع اختلاف في اللحن والآلات الموسيقية المستعملة، فالركروكي في توزر يصبح الشاوية لدى الجزائريين، ويتحول الى ايقاعات متسارعة في الرديف عكس اللون الحزين لدى جنوب ليبيا، لكن الكلمة واحدة ومعناها واحد، الدفاع عن الموروث والهوية بالغناء.
مهرجان تراث اولاد سيدي عبيد دفاع عن الذاكرة الشفوية لسكان القبائل الذي استقروا بعيد الاستعمار الفرنسي، الاغنية كانت سبيلهم للتعريف بحكاياتهم وتقديم ابطالهم والتغني بمشاركاتهم في حركات التحرر الوطني في تونس والجزائر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115