مهرجان «روحانيات»: على خطى الحالمين والمريدين يكون الحج إلى الكوفة الصغرى

تفتح الكوفة الصغرى ابوابها لمريديها، يحملهم الشوق لاكتشاف حكايات المكان وذاكرة المدينة من خلال مطية الموسيقى، في الكوفة الصغرى يكون اللقاء الانساني الموسيقي

روحانيا ميزته الشغف والحب ضمن فعاليات مهرجان روحانيات بنفطة.
في مدينة القباب يحتفى بالموسيقى الروحانية، يحتفى بالصدق والرغبة في التماهي بين الروح الإنسانية والذات الالاهية، نفطة تشبه ابتسامة الطفل الوليد، نفطة امتداد للصحراء وانتصار للتاريخ، هي الكوفة الصغرى كما يسميها مريدوها مدينة العلم والثقافة والامتداد والرحيل الازلي في خبايا الجمال.
نفطة المدينة الذاكرة
طريق صحراوية متواصلة، الاعشاب الصحراوية المتشبثة بالحياة مترامية على جانبي الطريق السيارة، الهدوء يعمّ المكان، صمت يدفع الانسان للتامل في جمالية المكان رغم جفافه، فالصحراء منبع الحياة وموطن للتجوال الروحي منذ الازل، من توزر مركز الولاية، نترك ابن شباط والشابي يحرسان الذاكرة لتتواصل الرحلة الى البنت الصغرى «نفطة» فهناك تمحى الحواجز الجغرافية، في نفطة ستشعر انك حرّ تماما من كل القيود، طاقة روحانية مختلفة تميز المدينة الغارقة في الصمت، تلك التي تشبه عقد لؤلؤ يزين جيد اميرة عاشقة.
هنا الكوفة الصغرى تدعو مريديها لاكتشاف أسرارها وحكاياتها، براطيلها شاهدة على التاريخ، ازقتها نصف المشمسة تخبر الضيوف ان هنا كتبت الكثير من قصص العشق، في هذه الربوع تجوّل طالبو العلم بين الزوايا، في هذه الازقة وبين الواحات هامت الارواح الحالمة بحثا عن الحقيقة ورغبة للخروج من جسد السجن والانتصار فقط لتيمة الحب، والروحانيات فرصة للتطهر النفسي من خلال الموسيقى الصوفية وحلقات الذكر التي يقدمها مهرجان روحانيات لمريدي الموسيقى الصوفية ومتتبعي اسرار المكان، فالنوتة هنا تنطق عن هوى والكلمة بسلم يشفي الروح من ادرانها، اما الامكنة فواجهة للجمال وللحياة، نفطة حمّالة معاني، والروحانيات تجربة فنية وجمالية تفكّ الرموز المخفية وتدفع زوار المدينة للتوغل اكثر في خبايا الذاكرة والانتصار فقط لصوت الحب وهسيس الروح.
على خطى الحالمين تنثر الفرقة نوتاتها الموسيقية
هاهي المدينة تظهر للزائر شامخة، القباب تنتشر في كل مكان، من بعيد تبرز القباب الدائرية محاطة بالنخيل وكأنه سرّ الكون وكنز للانسان، هاهي نفطة تشرّع أبوابها وشوارعها لتكون قبلة للباحثين عن انماط موسيقية مختلفة للحالمين ومتبعي المعاني السامية في الاغاني والاشعار التي تغذي الروح ويزهر معها القلب عشقا وشوقا.
ها انك ايها الزائر في احضان مدينة عاشقة، مدينة لا تغرب فيها شمس الجمال ومتى ارادت الشمس الذهاب الى مغربها تترك مكانها إلى قمر يتماهى مع شموخ النخيل لصناعة لوحة تشكيلية مبهرة الالوان والمعاني.
في الكوفة الصغرى ترحل الروح بحثا عن مستقر لها يهيم القلب وجدا وتنساب الكلمات في مديح الله وذكر رسوله والانسياق التام وراء ايقاعات الموسيقى، بين نخيلها الباسق ومنازلها المحافظة على طابعها المعماري وروحانياتها تردد الروح قولة الحلاّج:

وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت
إِلّا مَقرونٌ بِأَنفاسي
وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم
إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي
وَلا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً
إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي
وهذا القصيد الخالد المعبّر على شغف العاشق بمعشوقه جزء من السهرة التي اثثتها فرقة المرعشلي السورية في اولى سهرات المهرجان على ركح المسرح البلدي بنفطة تجمّع سبعة من اعضاء الفرقة، زادهم اصوات قوية صادحة تعانق السماء وقدرة على التلوين الموسيقي ليقدموا لجمهور الروحانيات سهرة من عالم الخيال.
امام اصواتهم الخاشعة ستشعر انك في فضاء مفتوح، خال من البشر، ستجدك وحيدا تراقص روحك التي ستتعرى من الامها تدريجيا، ستجدك تتجول من سوريا الموطن الاول لنشاة الفرقة عام الى 1970، ثم ترحل الى امّ الدنيا مصر فتعانق الالحان والمقامات بمختلف مدارسها الموسيقية اذ استقرت الفرقة منذ 2012 في مصر لتبدء جولتها الجديدة، ثم الوصول الى الكوفة الصغرى حيث مقامات الباحثين عن العلم والشغوفين بالفن، لحظات من المتعة قد تصل معها نشوة الصوفيين وانتشاء الحالمون كلما ارتفع الصوت بكلمة «مدد، مدد»، فالمدد هنا امتداد لنوتات لا حدود لجمالها وارواح تسافر دون جوازات سفر واشعار تتغزل بالحبيب غير المرئي، اشعار تخاطب الوجدان قبل العقل، تخترق صمت المكان وتجعل النخيل المحيط بالمكان فضاء ترتفع فوقه احلام البسطاء والصادقين.
تخاطب أصواتهم السماء، لهم عالمهم الموسيقي الخاص، تختلف الايقاعات والألحان التي قدمتها فرقة المرعشلي، بعض الالحان يحفظها الجمهور، الحان راقصة واخرى متسارعة واحيانا يتخفض الصوت التدريجيا مرددين «الله،الله» وكانها الإعلان عن بداية نهاية الرحلة الصوفية القائمة على الشوق والحب والحلم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115