خطاب للرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم وباطنها تشريع للناس والمؤمنين ..وسنركز على الجزء الأول منها ..في قوله تعالى «خُذِ الْعَفْوَ»
فقد ذكر الإمام الالوسي في تفسيره للفظة العفو أي ما عفا وسهل وتيسر من أخلاق الناس، والأخذ مجاز عن القبول والرضا، أي ارض من الناس بما تيسر من أعمالهم وما أتى منهم وتسهل من غير كلفة ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى لا ينفروا، ومن ذلك قول
الشاعر :
ولا تنطقي في سَوْرَتِي حين أغضب
خذي العفو مني تستديمي مودتي
وقد قيل لما أنزل الله تعالى « خُذِ الْعَفْوَ إلى آخر الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « ما هذا يا جبريل؟ قال: لا أدري حتى أسأل العالم فذهب ثم رجع فقال: إن الله تعالى أمرك أن تعفو عمن ظلمك وتعطي من حرمك وتصل من قطعك»
وأما الشيخ العلامة بن عاشور فركز على معنى الأخذ قائلا والأخذ حقيقته تناول شيء للانتفاع به أو لإضراره واستعمل هنا مجازاً فاستعير للتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء لتلبس بها، فيُشبّه ذلك التلبسُ واختيارهُ على تلبس آخر بأخذ شيء من بين عدة أشياء، فمعنى (خذ العفو): عَامِل به واجْعله وصفاً ولا تتلبس بضده والعفو هو الصفح عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته بذَنبه وقد تقدم عند قوله تعالى:ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو البقرة: 219..
والمراد به هنا ما يعم العفو عن المشركين وعدم مؤاخذتهم بجفائهم وإساءتهم للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين.
ويتطرق الشيخ الشعراوي الى لطيفة رائقة في معنى «خذ» ذاكرا ان قول الله سبحانه وتعالى في الآية «خذ العفو» فيه أمر «خذ» ومقابله «أعْطِ» وقد تعطي إنساناً فلا يأخذ منك إن رأى أن ما تعطيه له ليس في مصلحته، لكن إذا قال الحق تبارك وتعالى: « خذ « فهذا أمر يعود نفعه عليك، فإن كان العفو عمن ظلمك في ظاهر الأمر ينقصك شيئاً، فاعلم أنك أخذت العفو لنفسك.
والعفو من أسماء الله تعالى على وزن فعول صيغة المبالغة، معناه كثير العفو.. قال ابن جرير فى قوله إن الله كان عفوا غفورا النساء 43 إن الله لم يزل عفوا عن ذنوب عباده وترك العقوبة على كثير منها ما لم يشركوا به.
وقد ورد هذا الاسم فى القرآن خمس مرات، ومن آثار الإيمان به....أن الله سبحانه هو العفو الذى له العفو الشامل، ولا سيما إذا أتى العباد بما يوجب العفو عنهم من الاستغفار والتوبة؛ فالله يقبل التوبة ويعفو عن السيئات. ولولا كمال عفوه وسعة حلمه سبحانه ما ترك على ظهر الأرض من دابة تدب ولا عين تطرف..
وقد حثّ الله تعالى عباده على العفو والصفح وقبول الأعذار فمن ذلك وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم النور22
وقد خاطب الله نبيه بذلك وحثه على قبول العفو فقال خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين «الأعراف 199.. ومدح بذلك عبادة المؤمنين « والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس آل عمران 134. وقد قال النبى صلى الله عليه وسلم» وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا » ولقد كان النبى صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى للبشر فى العفو والصفح .
ولذلك يحتاج الظالم إلى أن نحسن إليه حيث كان سببا في رعاية الله لنا فنفعل معه مثلما فعل سيدنا الحسن البصري عندما قيل له: إن فلاناً اغتابك بالأمس. ونادى سيدنا الحسن البصري الخادم وقال له: جاءنا طبق من باكورة الرطب. اذهب به إلى فلان - وحدد للخادم اسم من اغتابه - وتعجب الخادم: كيف تبعث بالرطب إليه وهو قد اغتابك؟ فقال: أفلا أحسن إلى من جعل الله بجانبي، قل له: « يقول لك سيدي بلغه أنك قد اغتبته فأهديت إليه حسناتك، وهو أهداك رطبه».