كتاب الأحد: «الشاذلي قلالة رفيق درب بورقيبة.. مسيرة نضال ووفاء للحبيب بلعيد: رجل استثنائي كان رمزا للعزة والثبات والوفاء لتونس

الجديد والحركة الوطنية عموما، لكن في هدوء مضطرم وصمت ناطق» هكذا يقدم استاذ التاريخ بكلية منوبة نبيل خلدون قريسة المناضل الشاذلي قلالة، الوطني الغيور والمدافع الشرس عن استقلال تونس.
و»الشاذلي قلالة، رفيق درب بورقيبة» هو عنوان الكتاب الجديد الصادر عن «ليدرز» تزامنا مع الذكرى الستين لوفاة قلالة، ويتناول الكتاب شخصية المناضل ومسيرته وكفاحه ضد المستعمر الفرنسي، الكتاب تضمن رسائل بورقيبة ورفاق السجن مثل الشاذلي غديرة ومحمد شرشور والطاهر نويرة ومصطفى بن سليمان، وشهادات من عرفوا المناضل الصادق عن قرب، كتاب الحبيب بلعيد توثيق لركيزة من ركائز الحركة الوطنية المنادية باستقلال تونس وعزتها امام العالم.
طفل متمرد ومناضل مسؤول
في كتابه الجديد الصادر بمناسبة ذكرى وفاة المناضل القلالة، يعود الحبيب بلعيد بقارئه الى طفولة قلالة، ويقدم سيرته الوطنية القائمة على النضال والوفاء فقط لتونس، قلالة يتتبع بلعيد حكاياته مع رفاق دربه من خلال الرسائل والمحادثات ليقدمها للقارئ كمساحة حرة ليتعرف اكثر على مناضل وطني دفع الكثير لأجل تونس.
الشاذلي قلالة ابن الحاج احمد بن محمد قلالة من مواليد فيفري 1898بالمنستير تحديدا بحيّ «المدينة» قرب قصر الرباط، عرف منذ طفولته بحبه للاستقلالية فهو التلميذ الذكي الذي حفظ القرآن الكريم في الكتاب بعدها دخل المدرسة العلمية التي تاسست على منوال المدرسة القرآنية الاهلية بتونس، لكنه غادرها اثر مرض اصاب والده، ليتحمل الطفل الحكيم مسؤولية العائلة ويعرف بشجاعته ودفاعه عن الضعفاء وانهماكه في العمل، لتبدئ مسيرة الشادلي قلالة السياسية عام 1924 حين تعرف صدفة على مواطنه الحبيب بورقيبة ليصبح كما ظلّه او ملاكه الحارس، بورقيبة يفكر وقلالة يدافع عن تلك الافكار التنويرية والثورية حتى سماه بورقيبة «نصف الحزب».
فقلالة منذ لقائه الاول مع بورقيبة عاهده على الولاء لتونس والوفاء لها والدفاع عنها حتى تتحصل على استقلالها، فكسب قلالة اعداء داخل تونس مثل انصار وأتباع الحزب الدستوري القديم ثم اليوسفيين وخارجها خاصة الجيش الفرنسي، وفاء قلالة يتحدث عنه بورقيبة في رسالة كتبها من منفاه بجالطة عام 1953 «إني لازلت على العهد، وإني سوف أبقى كذلك الى آخر رمق في حياتي مهما ساءت الاحوال وتفنن العدو في أساليب القمع والأرهاب، وخان من خان وضعف من ضعف، ومادام هو من غادي وانا من هوني واقفين على قدم وساق، فان الله معنا والنصر آت لا ريب فيه».
من العام 1924 الى العام 1962 تاريخ وفاته، كان قلالة حريصا على الدفاع عن تونس، في كتاب «سيرة نضال ووفاء» يتتبع الحبيب بلعيد قصة وفاء هذا الرجل وتمرده وانتصاره لبورقيبة وتونس، فقلالة كان «بطلا سيدا من هؤلاء الابطال كان سندا للحركة الوطنية الجديدة منذ تأسيسها، كان مربيا واستاذا في حقل الوطنية ومدرسة التوجيه الشعبية التي بها سمت الحقائق وعلى اساسها انطلقت امجاد اليوم،كان اول اجتماع لتأسيس الشعبة الدستورية في بيته عام 1933 رغم تهديد السلطات الاستعمارية، ووقف دريئة لمن وراءه من الرجال، ومر رجال البوليس ولم يجسروا على تنفيذ الأوامر» كما كتب محمد شرشور سفير تونس بليبيا عام 1963 ورفيق قلالة في ساحات النضال وفضاء الزنازين.
رجل قدّم حياته للدفاع عن استقلال تونس
الشاذلي قلالة مناضل شرس، ورجل متمرد استطاع كسب حبّ المحيطين به ورفاقه في شعبة المنستير، كان اول من دعا الى مؤتمر قصر هلال عام 1934 واستطاع اقناع محمد بوزويتة رئيس الشعبة القديمة بضرورة الانضمام للحركة الجديدة وهو ما فشل فيه الحبيب بورقيبة، لكن لقلالة طريقته الخاصة في المفاوضة والاقناع «في 2مارس 1934 انعقد مؤتمر الحزب الجديد بقصر هلال، «مؤتمر البعث» وحضره نيابة الشاذلي قلالة نيابة عن شعبة المنستير، وكان في طليعة الذين حاصروا مكان المؤتمر لحمايته ووفروا له الامن من المناوئين، وقد التأم الاجتماع بدار احمد عياد، واثر هذا المؤتمر بدأ الزعيم ورفيقه الشاذلي قلالة في التنقل بين القرى والمدن لعقد الاجتماعات» فمن قصر هلال انطلق التعريف بالقضية الوطنية وكان قلالة الرفيق رقم واحد لبورقيبة وعضده حتى حصول تونس على استقلالها.
يتتبع الحبيب بلعيد سيرة مناضل وطني ورجل غيور على بلاده، ينقل للقارئ بطولات الشاذلي قلالة الذي لم يأخذ حظه في الكتابات عمن ساهموا في الحركة الوطنية فهو رجل الميدان قليل الكلام كما يصفه بورقيبة، قلالة تعرّض للتضييق والسجن بداية من احداث 1938 وسجن رفقة بورقيبة في السجن المدني بتونس، ثم نفي الى «تاترس» الفرنسية وسجن رفاقه في «برج سان نيكولا» وتولى قلالة مهمة العمل في «السواني» لتوفير القليل من الاموال لأصحابه المساجين الذين لم تسد وجبة السجن رمقهم، فيكتب اليه الحبيب بورقيبة « اطلب منكم ان تدبرنا في جانب هريسة وطماطم ان امكن او جانب فلفل احمر من عند احد الرفقاء لان الحاجة بها اكيدة والقميلة بدونها لا تقبلها النفس» والرسالة كتبت من سجن برج سان نيكولا في العام 1941.
الشاذلي قلالة كان همزة الوصل بين بورقيبة والمناضلين بالفكر والسلاح، قلالة كان يتجول على الدواب ليوصل رسائل الحبيب بورقيبة الى الوطنيين في ربوع الساحل وعروش «السواسي» و«الجلاص» وكان يمولهم بما يحتاجونه من مال وأسلحة، ويقول عنه احمد السعداوي رئيس شعبة الزعيرات «كان تارة يركب بغلة، واخرى يركب حمارا وعليه شواري حاملا فيها البنادق والخراطيش»، فقلالة دفع من ماله وفكره لتستقل تونس من الاستعمار الفرنسي.
وحسب الرسائل والشهادات المضمنة في الكتاب، كان قلالة يدافع عن التعليم ويحرص على ان يواصل المنتمون للشبيبة المدرسية تعليمهم، يؤمن ان افكار بورقيبة قادرة على تخليص تونس من ربقة الاستعمار، يدافع عن حق المرأة في الخروج للعمل والمشاركة في الفعل السياسي ويكتب للزعيم رسالة يطلب فيها الاذن بتأسيس شعبة دستورية نسائية بعد تعرضه لحادثة اثناء هروبه من سلطات الاستعمار، حادثة وجد فيها شجاعة من المراة اكثر من الرجل، ووافقه الزعيم على طلبه بالقول «لا ارى مانعا في تكوين شعبة نسائية بالمنستير، هن شريكات معنا في الدين والوطن لهن ما لنا وعليهن ما علينا ومن واجبنا ان نعمل على رفع افكارهنّ ورفع مستواهنّ الادبي» والرسالة بتاريخ 30 أوت 1951.
الشادلي قلالة المناضل التونسي، جزء اساسي في الحركة الوطنية، هو محقق افكار بورقيبة والغيور الدائم على وطنه، قلالة هو «العمدة الفاضل» و»الوطني المفضال» و»العمدة الهمام» و»اخي في الدين والوطن» و»المخلص» وجميعها القاب كان يناديه بها الزعيم الحبيب بورقيبة كدليل على وطنية الشاذلي قلالة وانتصاره لتونس رغم سنوات السجن والتضييق، حافظ قلالة على وفائه لزعيمه ووطنه ورفاق الفكرة والوطنية.