عرض الفنان حسان الدوس ضمن ليالي المتحف بسوسة: بصوت أوبرالي ينتصر الدوس انتصار «باخوس» للحياة

الموسيقى صوت الصادحين بالحلم، هي روح المنتصرين للجمال وهو يصنع لنفسه مساره الفني الخاص، فنان متكامل، له رصيده الغنائي

المختلف وصوت اوبرالي ساحر وحضور ركحي ومسرحي اثناء الغناء ورغبة جامحة في الانطلاق في سماء الابداع، حسان الدوس الفنان التونسي والمغني الاوبرالي المختلف جدّا اثث فعاليات اليوم الثاني من ليالي متحف سوسة، فكان اللقاء مزيجا من الغناء والرقص والمسرح.
في المتحف الاثري بسوسة التقى الجمهور مع فنان مجنون بابداعاته وموسيقاه، حسان الدوس سافر بموسيقاه متجاوزا كل الحدود الجغرافية وقاد رحلته الموسيقية المايسترو فادي بن عثمان.
بين التاريخ والموسيقى صوت الأمل الخالد
اتحدت تفاصيل الجمال وتماهت المقومات التاريخية مع الاضاءة وموسيقى الأمواج وبعض أحاديث المارة لتصنع سينوغرافيا طبيعية للعرض، في رحاب متحف سوسة كان اللقاء مع الموسيقى الاوبرالية، بين حجارة تخفي داخلها حكايات من سكنوا في حضر موت وبعض موسيقاهم واسرارهم انطلق صوت حسان الدوس مخترقا صمت السماء، بعض الطيور المهاجرة انعكس عليها ضوء «الفنارة» فكانت الصورة تشكيلية وسينوغرافية زادت «الكادر» العام جمالا وكأن الطبيعة هي الاخرى ارادت ان تشارك الجمهور لحظات النشوة الموسيقية فسخرت حفيف اوراق الشجر في اول ايام الخريف وموسيقى الموج وصوت الرياح وهي تلاعب الشجيرات الموجودة في المكان لخدمة الموسيقى والحياة.
حسان الدوس فنان متلوّن، له صوت اوبرالي وحضور مهيب، استغل كامل الفضاء الخلفي للمتحف والمدارج ووزّع الكورال والموسيقيين بطريقة تملأ العين ألوانا ولا تترك مساحة للفراغ، أمام أهل مدينته وجمهوره الذي توافد بأعداد كبيرلاة غنى الدوس بسعادة طفل يؤدي اول تجربة غنائية امام والدته «اشعر أنني في عرس، اغني أمام امي وابي وعائلتي وأبناء الخالات والعمات، بالفعل اليوم عرسي الغنائي مادمت سأمتع من احبّ بالموسيقى» هكذا يحييّ الدوس جمهوره الكبير المقبل للانصات ومشاركته نجاحه.
فنان مجنون وجنونه سبب نجاحه واختلافه، حسان الدوس من فناني الأوبرا القلائل في تونس، انطلقت تجربته الموسيقية مع آلة القيثارة وفرقة روك، قيثارته كانت مطيته الاولى ليدخل عالم الفنون ويشارك أصدقاءه جنونه الفني، في عام 2011، حصل على جائزة الأمل الشاب في مسابقة Vivonne الدولية الثانية عشرة، جعلته أول مغني أوبرا تونسي يحصل على جائزته الأولى في الخارج. بعد أن طور أسلوبه في المعهد الموسيقي بسوسة وكذلك في تونس، بدأ في تأليف موسيقى تمتزج فيها عدة أنماط.
قبل ان تتطور التجربة وفي اقل من عشرة أعوام كان لحسان الدوس حضور في اكبر المهرجانات التونسية، من الجم إلى الحمامات وقرطاج فليالي المتحف ولكل مهرجان خصوصيته، لكل مهرجان نمط موسيقي وجنون فني يقدمه الدوس لمحبي موسيقاه، الدوس يمزج بين الغناء الاوبرالي والموسيقى الالكترونية، على الركح يتماهى صوته الاوبرالي مع صدحات القيثارة والساكسفون ليشكلا نوتات موسيقية متجددة وموسيقى حيّة دائما وتختلف من فضاء الى اخر.
في انتصار الموسيقى جمالية الحياة
في متحف سوسة كان اللقاء الاوركسترالي مميزا، سحر الفضاء اضاف الكثير للعرض، روح المكان زادت العرض جمالية، هاهي الساكسوفون تكتب اولى لحظات العشق المسائي، الى جورها تكون الكونتروباص صوتا للحكمة ونوتات رقيقة تتماهى مع قدسية المكان حضاريا، اما القيثارة المجنونة فهي صدى لروح فنان يبحث عن التجديد يغني لجمهوره ويدعوه دائما للرقص والتفاعل مع الموسيقى، فموسيقاه مجنونة وجنون الموسيقى وسيلة لعلاج الروح ورحلة لاكتشاف العالم.
يذوب الدوس في موسيقاه، ينسجم مع صوت البيانو الكلاسيكي، ينصت للموسيقى متاملا المكان قبل ان يخاطب جمهوره «يا شوفو محلاه ضو الفنارة» فللمكان جماليته، للتاريخ هنا تاثيره في سينوغرافيا العرض، روح متحف سوسة تشحن الفنانين بطاقة من الابداع، في المتحف تكون الموسيقى اجمل لانها تخاطب الحاضر وتستلهم من الماضي الكثير من الحنين والاختلاف.
الدوس فنان يعرف معنى الاختلاف ودور الموسيقى في التغيير يقدم لجمهوره بعض الأغاني الاوبرالية الكلاسيكية ويغني من انتاجه «عشقة» و»شطحة» و»هوه» و»نستنى» وميزة الاغاني التمازج بين اللهجة التونسية وبعض الطبوع التقليدية مع موسيقى اوركسترالية وصوت اوبرالي، انفتاح على انماط موسيقية عديدة وانتقال من طبقة الى اخرى يتقنها الدوس وكانه يلاعب اوتار قيثارته العاشقة، فموسيقاه لا تعترف بالحدود، هي صوت لكل الانسانية، موسيقى يمكن الاستمتاع بها وفهمها والتماهي مع جنونها دون جواز سفر او اتقان للغة ما، فالدوس فنان يعرف ان الموسيقى وحدها قادرة ان تجوب العالم.
تتواصل المتعة الموسيقية، ليست للسفرة في خبايا التاريخ نهاية، ايقاعاته تشاكس ساكني الجزء الاسفل من فضاء المتحف، تكتب القيثارة الثائرة صرخات «الميدوسا» (راس الميدوسا احدى اهم القطع الاثرية الموجودة في المتحف)، تلبس القيثارة روح الميدوسا الصارخة في وجه كل اشكال الظلم والعنف، ربما الموسيقى انتصار للفتاة الجميلة «ميدوزا» قبل ان تعاقبها الالهة اثينا وتحول شعرها الى رؤوس ثعابين، كذلك هي الموسيقى تمس الروح وتدخل الى خباياها لتخرج منها كلّ الآلام الساكنة فيها.
على ركح مهيب انتصر حسان الدوس لفنه وكان صادقا امام جمهوره، في المتحف غنى للحياة وللجمال، بدا حضوره بهيا وسط فرقته والكورال، يتوسطهم مرتديا اللون الأحمر ذاك اللون المستفز الذي يحفّز الحواس ويشدها الى صاحبها،/ وكاّن الدوس يريد لجمهوره ان يتماهى معه وينسجم مع جنونه، انتصر حسان الدوس لفنه ولموسيقاه ونجح بصوته الاوبرالي في كتابة سهرة ساحرة في كتاب تاريخ متحف سوسة كان وآخر مشهد على الركح للدوس وسط رفاقه واصدقائه الموسيقيين يتماهى مع مشهد «انتصار باخوس» الموجود في المتحف الاثري بسوسة، فالموسيقى والتاريخ كلاهما عنوان للخلود.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115