فضاء ريدار: معرض أحلام وردية لأحلام بوصندل

• النساء العاريات من خطيئة الخوف يشكلن تيمة للفن والحلم

ريشة عاشقة تتقن الانصات للوجع وتحوله الى ألوان صاخبة ومثيرة، ريشة حالمة تنتصر للمرأة والامل، ريشة الفنانة أحلام بوصندل ترسم المرأة كيانا شامخا رغم الوجع، ترسمها من الخلف وتلتقط التفاصيل المبهرة التي تتوزع في معرضها «مستقبل وردي».
ويتضمن المعرض 29 لوحة جسدت ثنائيتي الألم والامل وصراع الأسود والأبيض فكانت المترنحات وورد بنفسجي والوردة الحمراء والوردة السوداء وحشد من طريق الاشواك وفي اتجاه التفاحة وغيرها من الانفعالات النفسية والجسدية التي التقطتها ريشة أحلام بوصندل في معرضها ضمن أيام الفنون التشكيلية «تافخيست» بفضاء «ريدار» والذي يتواصل الى غاية 28اوت 2022.
ثورة لونية تقتحم عوالم المراة
تتماهى في اعمالها الحركات الثورية في اللون والخط، فنانة تنتصر للمراة فترسم الأجساد عارية من خطيئة اللباس والأخلاق وتضعها حرة وقوية امام ذاتها وامام مرآتها، المراة في اعمال أحلام بوصندل متحررة من كل القيود، تنظر الى الامام دائما، تبحث عن جمال تضعه الرسامة في أجزاء اللوحة مازجة بين الألوان الحارة المحيلة الى القوة والألوان الهادئة فتجعل متابع اللوحات يعيش الانفعالات النفسية للنساء والتي ترسمها ريشة الفنانة الشغوفة بفنها والباحثة في اعمالها عن التجديد في المشهد التشكيلي.
«مستقبل وردي» هو عنوان المعرض، رحلة أحلام بوصندل مع الألوان والمرأة التي تدافع عنها بالرسم، أجساد النساء هي تيمة العمل الفني ومحوره الأساسي، المراة الكيان واللون ومطية التعبير، نساء بحالات نفسية مختلفة تبرزها الفنانة عبر الالوان وحركة الريشة لتغوص في خبايا نساء هذا الوطن وترسمهنّ وتصنع لهنّ مستقبلا ورديا رغم كل السواد الموجود في الواقع.
تتقن رسم التفاصيل، تنحتها بشغف طفلة، توزع اللون الوردي في اغلب اعمالها، الوردي المرتبط بالطفولة والبراءة تراه أحلام بوصندل افضل التعبيرات عن عوالم المرأة مانحة الحب والامل.
«المترنحات» هنّ من اتعبتهنّ هذه الحياة، اثقلت الحياة انفاسهنّ، توزع الفنانة اللون الأسود مع مساحة من الرمادي في العمل لتحيل متأملها الى عوالم الألم والغموض الذي تعانيه المراة، تلك الطالبة الحالمة، المرأة الكادحة، العاملة المنهكة، جميعهنّ يترنحن الما، وتتعبهنّ مشاكل اليومي، ذاك الألم تلتقطه ريشة فنانة حساسة فتصنع منه عوالمها الإبداعية.
«تجاه التفاحة» توزع الفنانة لوحتها الى ثلاثة أجزاء، في الأعلى التفاحة المغرية، في الأسفل ورود الحب تتساقط واكبر جزء في العمل يخصص للمراة، ترسمها من القفا تمزج الوردي مع الأحمر والارجواني خليط من الألوان تضعه قبالة اللون الرمادي وكانها تنتصر للحياة، تعلن الفنانة علنا رغبتها في انتصار الامل والألوان على الكآبة والغموض الذي يمثله الرمادي، في «تجاه التفاحة» تتوزع الورود الوردية في أجزاء اللواحة، لوحة الرغبة والامل، هي نحت في خبايا النساء وإعادة تشكيل لمشاعرهنّ برشية أحلام بوصندل.
في «مستقبل وردي» ترسم الأجساد عارية ومن القفا، للريشة طريقتها في ابراز تفاصيل الأجساد الممتلئة، تنزع عنها الخوف والملابس وكل القيود وتحرر ذاك الجسد ليكون فكرة تواقة للحرية وللضوء وعن تجربة الرسم بالقفا تقول الرسامة «تدعمت فكرة رسم أجساد «بالقفا» في أعمالي الفنية أكثر فأكثر بعدما قمت بعرض أولى اللوحات المنجزة من هذه المجموعة حيث تكرر الاستفهام حول المقاصد الشكلانية للوحة،وخاصة فكرة رسم الخلفية عوض الواجهة.».
من هنا يأتي عنوان معرضي «مستقبل وردي» لينشد تطلعات المرأة نحو مستقبل أفضل وتطلعات الفنان كذلك نحو أبعاد انجاز تشكيلي متجذرة أكثر فأكثر في ثقافة تنشد التحرر والتطور والتغيير».
بين المرأة المرسومة والفنانة خيط رفيع من الحساسية تجاه اللون
كوني قوية فطريقك مليئة بالمطبات، اصنعي لنفسك مسارك الخاصّ ايتها المرأة فالحياة مليئة بمفاجآت غير سارة للمراة التونسية، بريشتها تعبر بوصندل عن بعض المصاعب الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية التي تعانيها المرأة فترسم «حشد من طريق الاشواك» وتضع المرأة في منتصف اللوحة وتنثر في طريقها ورودا تخفي اشواكها الموجعة، تقلل من مساحة الوردي وتضع مكانها الأحمر وقليلا من الأصفر والرمادي، كالعادة ترسم المرأة من القفا، تنقل تفاصيل الظهر والاجزاء الخلفية للجسد ببراعة، الجزء الخلفي هو الاخر من تمظهرات الم المرأة وجمالها أيضا، تتدرج الخطوط والنقاط السوداء، هي قراءة تجريدية للاشواك التي تواجهها المراة ولكن يبقى الامل قائما في استعمال اللون الوردي الذي تلاعبه ريشة الفنانة كطفلة صغيرة حالمة.
تواصل أحلام بوصندل رصد الوضعيات النفسية للمرأة، تنصت للوجع وتحوله الى اعمالها التشكيلية، امام مرآة الذات تتجرد المراة من كل خوفها وهمومها، فمرآتها صوتها الدفين ورفيقتها الصادق ومساحتها للبوح بحقائقها المخفية هكذا تقول لوحة «انعكاس» هي انعكاس لذات الرسامة ربما ومعاناة الفنانين في هذا الوطن ترسمها مازجة بين الأخضر والبرتقالي والأسود، الألوان تنسكب على كامل الجسد الجالس امام مرآته لكن صورة الذات المنعكسة مختلفة تماما، ترسمها بالابيض مشوهة الوجه بالاحمر وكانها تعبر عن الصرخات المكتومة داخل كل امراة، هذه الاوجاع قد تحول الوردة الى اللون الأسود، الوجع المخفي داخل النساء لو خرج لمحيت الألوان ولا نتشر سواد مرعب، سواد سببه ظلم اجتماعي وتمييز اقتصادي وانتهاك لحقوق اقتصادية وإنسانية لازالت تعانيها المراة فترسمها الريشة في «الوردة السوداء» حيث تترك الفنانة كامل الحرية للوجع ليكون الأبرز فيسيطر الأسود مع الأحمر وكلاهما يشكلان ثنائيتي الألم.
في رسمها الكثير من الشغف، تنقل تفاصيل الخط بحرفية، تلك الخطوط المتنافرة حينا والمتقابلة أحيانا اخرى تصنع فوضى إبداعية، توزيع الألوان يزيد للوحة رونقا وللشخصيات المرسومة شموخا، في اعمالها تعود دائما للطفولة وللون الوردي لترسم «مسار وأضواء» مسار للامل واضواء حب تضيء دروب من يشاهد اعمال أحلام بوصندل.
«مستقبل وردي» عنوان للمعرض التشكيلي الذي يحتضنه فضاء «ريدار» هو صفحة من التجربة التشكيلية لطفلة ترعرعت بين الألوان وكبرت بين التشكيل والتجريد واحبت الفنون من والدها الرسام التونسي المنوبي بوصندل الذي اورثها براعة في الرسم وشغفا بالتجديد، فنان حفر في طفلته طاقة الابداع وجعلها تعرف قيمة الرسم وتتطلع الى المدارس التشكيلية باختلاف مشاربها الفنية، أحلام بوصندل تعلمت من والدها الرسم، احبت هذا الفن، درسته واختارته مسار فنّيا ومهنيا، من والدها احبت الشعر واقتفت اثر اللون والكلمة، مازجت بينهما ومزجت بين الوانها لتصنع لنفسها مسارها الفني المسكون بالدفاع عن المراة والانتصار للقضايا عبر فن الرسم.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115