عرض «ربوخ» كوريغرافيا وائل مرغني ضمن أيام قرطاج الكوريغرافية: أجساد الراقصين، ذاكرة مفتوحة على الهوية التونسية

«اشطح» اصنع فرحك الذاتي، دافع عن تاريخك وذاكرتك بلغة جسدك المتمردة ، ابحث لنفسك عن موقع في مصاف الحالمين واكتب ان هذا الجسد قادر على الدفاع عن الهوية والموروث بالرقص،

تلك اللغة الجميلة، «اشطح» وكن مختلفا ومميزا، اصنع ثنايا النجاح وقدم موروثك وخطوة اجدادك التقليدية بلغة معاصرة تنفتح على الانسان.
الرقص ذاكرة والرقص جزء من هويات الشعوب، الرقص وسيلته للبحث عن الذات والدفاع عن الموروث، الرقص حلمه الاجمل كما يقول وائل مرغني عن عرضه «ربوخ» الذي قدم ضمن فعاليات ايام قرطاج الكوريغرافية واحتضنته قاعة مسرح الريو والعرض كوريغرافيا وائل مرغني وأداء سلسبيل سويسي وصبري رجب وباديس حشاش وسينوغرافيا واضاءة لصبري عتروس وصوت ابراهيم قفصية وسفيان العياري وادارة فنية لرباب السرايري وانتاج موفمة للرقص.
الرقص جسر للتواصل بين القديم والمعاصر
يقع استقبال الجمهور بالحلويات تحديدا خليط من الحلوى الملونة الموجودة في كل الاعراس التونسية تقريبا، رائحة البخور «تعجعج» المكان، تسكن الذاكرة وتدغدغها لتحمل صاحبها الى عرس ما، اصوات الايقاعات تتداخل وترتفع تدريجيا، صوت رجالي يقول «حيّ» ثم «الصلاة على رسول الله» وهي جمل تقال في المناسبات وكلما تصاعد نسق التفاعل مع الموسيقى، الاضاءة خافتة تترك المساحة المطلقة لأجساد الراقصين لتكون اوضح وحركاتها اجمل.
تتماهى الأجساد، تتحرك بسرعة دون موسيقى وحدها اقدامهم تصنع موسيقاهم الخاصة، مشهد او صورة محفورة في ذاكرة التونسيين فكم من مرة رقص الطفل دون موسيقى، كم مرة شعر بالانتشاء وتقليد حركات الكبار في الاعراس دون صوت او ايقاع وكأننا بالثلاثي سلسبيل سويسي وصبري رجب وباديس حشاش يشيرون الى قدسية الحركة وان غابت الموسيقى، يؤكدون ان عالم الرقص ساحر ولغة الجسد قادرة على الوصول الى الاخر ايّا كانت لغته او موسيقاه او منطوقه، فلغة الجسد لا تحتاج ترجمة فقط تتطلب الكثير من الاحساس والحبّ.
ايها الجسد كن ثائرا ولا تكتف بعالم موجود، ايها الثائر الازلي اصنع لنا ربيعا موشى بأجمل باقات الزهور، كن وعاء للذاكرة وقبسا للجمال، ايها الجسد افتح دفاترك المغلقة واعد كتابة تاريخك الذاتي ومنه تاريخ مجتمعك وعلاقته بالرقص اخبر جمهور مهرجان الرقص ان هذا الجسد الرجالي والنسوي يصنع الفرحة، حدّثهم عن سهرات «النجمة» ورقصات «الزقايري»، صف لهم القليل من متعة «الجلوة» وأغانيها الساحرة وحركات العروس متمايلة في شكلها الدائري المذهل، احملهم الى ربوع الجبال ليستمتعوا برقصة «الحجالي» ويشاهدوا جسد الانسان يراقص الطير ويتغلب عليه خفة وبهاء، ايها الجسد التونسي كن حمّال تاريخ وثقافات، انقل لجمهورك في العالم القليل من رقصات هذا البلد وبعض حكاياتها، فلكل رقصة قصة ولكل رقصة تيمة سياسية ومجتمعية، كن امينا على التاريخ فالأجساد لا تكذب ولا تعرف معنى التزييف، هكذا هو المشهد الاول من «ربوخ» اجساد منتشية بلغتها، اقدام تصنع موسيقاها وأجساد مستمتعة برائحة البخور تستنشقها وتعاند دخانها المتلألئ.
فالربوخ عرض كوريغرافي هو جسر للتواصل بين الخطوة التقليدية والموروث اللامادي والرقص المعاصر، العرض وسيلة للدفاع عن التراث التونسي وتقديمه الى جمهور مختلف المشارب، فرصة ليكتشف الاخر خصوصيات الهوية التونسية من خلال الاشتغال على الرقص المعاصر كرسالة اساسية لإيصال هذه المادة الفنية الملتزمة، والتعريف بالخطوة التونسية على وقع ايقاعات وموسيقات عالمية، على الركح يرقصون «الحجالي» على ايقاعات القيثارة وصوتها الساحر، يتحرك ثلاثتهم في دائرتهم الإبداعية، يوغلون في التماهي مع الجسد الراقص فتمحى الحدود بين الايقاعات والخطوات وينتصر في النهاية الجسد.
ارقصوا فالرقص محبة
تتداخل الايقاعات الموسيقية، يمتزج صوت الطبل والإيقاعات التونسية مع موسيقات عالمية، تكون الموسيقى صاخبة تصنع فوضاها التي يرتبها جسد الكوريغراف، تنتشي الاجساد بالرقص، ينقلون حفلات العرس انطلاقا من الاشارات الى «الجلوة» من خلال القفازات بيد الكوريغراف ودورانها فاتحة ذراعيها كما «تانيت» تحرس حبها وروحها الحالمة، تتصاعد وتيرة الحفل ومنه تصخب الاجساد وتكون رقصة الربوخ النقطة الفاصلة بين العقل والجنون، فالربوخ لغة الجسد المجنونة، حركات جنونية يمارسها الجسد يطلق فيها العنان فقط للرقص والصراخ حدّ «التخميرة» وهي اقصى درجات النشوة اثناء الرقص.
«ربوخ» عرض تونسي الانجاز عالمي الهوى، عرض يقدم الخطوة التونسية وينقل الى الجمهور تقاليد اقامة الافراح في تونس جنوبا وشمالا، عرض يستلهم اساسياته من الخطوة التقليدية لتثمين التراث غير المادي والتعريف بالخطوة التونسية حتى لا تندثر هذه الخطوات مع الانفتاح الشبابي على الثقافات الأخرى، «ربوخ» حصن لحراسة هذه الذاكرة والحفاظ عليها وتقديمها في صورة جديدة، عرض يجمع الخطوة التقليدية والإيقاعات التونسية مندمجة مع ايقاعات العالم والرقص المعاصر، مزيج فني يمتع العين ويدغدغ الذاكرة ويفتح ابواب السؤال عن الرقص التقليدي التونسي وكيفية الدفاع عنه؟.
«ربوخ» عرض راقص يدافع عن الذاكرة التونسية ويقدمها لجمهور الرقص بطرق مجددة، عرض تتماهى فيه الروح الحالمة والجسد الثائر مع سينوغرافيا ممتعة يصنعها المبدع صبري عتروس احد اهمّ فناني السينوغرافيا في تونس، عرض تونسي الانجاز ابدعت في نحته اجساد تؤمن ان الرقص قوة والرقص فنّ مقاوم للنسيان والتلاشي، فالرقص ذاكرة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115