في تحويل الوجع إلى فكرة، لك مطلق التصرف لتصنع عالمك المنشود، عالم أجمل من واقع تعاني فيه الروح من صراع الحب والحرب، الأبيض والأسود، لك أيها الجسد كامل الإرادة لتعيد كتابة تاريخك وتتجاوز الحدود والممكن وجسد ابراهيم جمعة استطاع تخطي كل الحدود ليضيء عتمة «النقاط العمياء».
هو عرض للثنائي إبراهيم جمعة ومنى بلحاج زكري وصوت لمحمد صالح المداني وموسيقى عمر علولو وإنتاج الآخرين للإنتاج والعرض انطلقت فكرته منذ ثلاث سنوات حين التقت الممثلة التونسية منى بلحاج زكري صدفة مع المخرج السوري إبراهيم جمعة في تونس واستمر الثنائي في تبادل الرسائل بين تونس ودمشق في تمرد على الصمت وحدود الجغرافيا وبعد مراسلات لأكثر من سنة تحدثا فيها عن الذات والوطن، عن الآمال والأحلام قررا تحويل تلك الرسائل إلى عمل فني ينتصر للإنسان.
تحرر من قيودك وارقص
الجسد وطن، الجسد فكرة والرقص وسيلة للحرية ولإخراج الأفكار إلى نور العدل والجمال، الجسد قادر على تجاوز الحدود وان كانت شائكة وموجعة، قد يعجز عن السفر في كثير من الأحيان بسبب الحدود الجغرافية لكنه يتجاوزها بالرقص، يصنع أفكارا تتمرد على الموجود وترحل إلى عالم منشود أجمل، للجسد سطوته على الجمال وللجسد قدرته على اختراع بدائل تغري الروح بمواصلة الحلم هكذا يكون جسد ابراهيم جمعة وسيلته ليحلم، ليتجاوز كل تلك الحدود الجغرافية من بلده سوريا ليجوب العالم رقصا وحلما وينثر في طريق الرحلة ورود أمل ستزهر حتما.
يصنع ربيعه بمفرده، ينقسم الركح الى جزءين يفصل بينهما ستار بلاستيكي، في إشارة إلى الحدود الموجودة بين الدول،الإضاءة خافتة، بضع مصابيح ضوؤها قليل وكأننا بالراقص يحمل جمهوره إلى دواخل نفسه المعتمة بسبب الحدود والحرب وصعوبة مهنة الرقص التي تمارسها أجساد تعاني من فكرة الرفض. جسد الكوريغراف يكاد يكون منفصلا عن روحه فالجسد له حركاته وتعبيراته الخاصة به، تلك الرموز لها أكثر من قراءة ويضع جمعة جمهوره أمام لغة صعبة ومنفتحة على كل العالم في الوقت نفسه.
يضعه أمام الجسد ويدفعه لينصت إلى حكاياته، ذاك الجسد سيروي للمتفرج معاناة الإنسان في وطن يعيش حربا، الجسد سيخبر الآخر بمعاناة مواطن يواجه الرفض في وطنه، الجسد سيكون حمّال تاريخ ومعاني سيبوح بأسرار السابقين وآلامهم، سيتحدث عن فكرة البعد والتشظّي النفسي الذي يسببه الفراق، فتلك اللغة الصامتة صاخبة بالمعاني وناطقة بالوجع الإنساني.
«النقطة العمياء» عنوان العرض الذي يقدمه جسد متشظّ جسد ابراهيم جمعة ينتقل بين جزءي الركح، ووسيلة التحول هي الإضاءة، كلما انطفأ جزء أضيء الآخر ليصبح مكانا للحركة والعيش، تلك التفاصيل اليومية الصغيرة صنع منها جمعه عرضه الراقص، فتصبح الحركات الرياضية البسيطة وصوت المعدة أثناء الجوع وتنظيف الأسنان وتمشيط الشعر حركات ميكانيكية تولد عرض كوريغرافي يصرخ بالآم الفراق ووجع الحدود ويعيد تشكيل الذات الراقصة والذات المتقبلة.
الرقص صراع ضد الفُرقة ونداء للتلاقي
«النقطة العمياء» هي نقطة اللقاء الروحي بعد محو كل الحدود، هو متعة الروح في ملاقاة نصفها بعيدا عن الحواجز والمطارات وجوازات السفر المقيدة للإنسان، هي محو كلي لكل الحدود بين الإنسان والآخر، حلم بسفر الجسد أينما أراد، رقصة ثائرة يكتبها جسد كوريغراف ومسرحي أحبّ هذا الفن وغامر لينجح ويكتب بجسده حكايات أبناء بلده، ويرسم بحركاته وخطواته تاريخه وحكايته مع الوطن والحدود، أحلام جسدها الجسد متماهيا مع الموسيقى الصاخبة، ذاك الجسد يعاند النوتات وترتفع هامته اكثر، سباق لأجل الأمل والجمال، سباق لأجل الحياة بعيدا عن العزل والحدود الجغرافية والمكانية والزمانية والنفسية.
يخلق الجسد الراقص عالمه الأجمل، ينتصر لفكرة الفرح واللقاء، يكسر الصمت بحركات قوية على الأرض، يرقص صولو معانقا حلم اللقاء، يكتب ذاك الجسد الوحيد في مجتمعه تاريخه الخاص به، جسد إنسان أجبرته ازمة «الكوفيد» على البقاء وحيدا في مربعه الضيق، تتماهى عزلته مع عزلة إنسان آخر يرفضه مجتمعه لأسباب مختلفة، فالجسد الراقص يصارع الوحدة، يحاول نفها من تفاصيله، يغوص في ذاته يفتح نوافذها المغلقة يبحث فيها عن الأمل والجمال وحب الحياة ليسقيها من رحيق الحب فتزهر من جديد وتعود للجسد حركيته وللروح حيويتها ومرحها، في «النقطة العمياء» ينتصر جسد الكوريغراف لفكرة اللقاء ويرقص لأجل الإنسان.
عرض «النقطة العمياء» لإبراهيم جمعة ومنى زكري ضمن أيام قرطاج الكوريغرافية: أمام لغة الجسد تنتفي الحدود
- بقلم مفيدة خليل
- 11:58 17/06/2022
- 1707 عدد المشاهدات
تمرد أيها الجسد، اصنع لنفسك عالما من الحرية موشى بألوان الحب والجمال، ازرع ربيعك أيها الحالم الأزلي والباحث الأبدي عن خلود تفنى أمامه الكلمات، لك الحرية