بالحقوق والحريات، الرقص وسيلتهما ليحلما ويكتبا قصص ونضالات المرأة التونسية، هكذا هو الرقص لدى الثنائي رضوان المؤدب وملاك السبعي.
المرأة ذاك الكائن الثوري والمتمرد اليه كتب الثنائي عرض «بلدي يا بلدي» ليلخصا سيرة نساء انتصرن فقط للحرية وللحقوق، في «بلدي يا بلدي» اجتمع كل من ملاك السبعي ورضوان المؤدب وسليم عرجون وهالة عمار لتكريم المرأة التونسية من خلال سرد سير النساء المناضلات بلغة جد شفافة هي صوت الجسد وصدى الروح.
كلما رقصت النساء أزهرت الأرض أملا
تتماهى إيقاعات البيانو مع حركات الجسد، فراشة هي تتحرك بخفة وترقص منتشية بالموسيقى وإيقاعات أقدامها على الأرض، تزلزلها باحثة عن مياه الحياة فيها، حالمة مبتسمة، تشعر جمهورها أنها تقدم رقصتها المفضلة او تعانق أحلامها.
تنسجم الأفكار فتتماهى في شكل إيقاعات موسيقية رقيقة تدغدغ الذاكرة، مقطوعات مألوفة يبدع عرجون في عزفها، تقابله امرأة شامخة ترقص، تصنع بجسدها حكايات النساء، أول المشاهد يشبه وضع الولادة تلك الضربات الخفيفة على البطن ومنها إلى الرحم كانّها ستعلن عن ميلاد أنثى جديدة، والفكرة أنثى متمردة لا تخشى المستحيل ولا نيران الخوف، بجسدها تكتب الكوريغراف قصة نضال المرأة منذ الولادة الى النهاية، مشوار من الأمل والخوف ينقله جسد ملاك السبعي بحركاتها المنتفضة وإيقاع تنفسها الهادئ، هي رحلة الى خبايا النساء وحكاياتهنّ تنقلها امراة شغفت بالبحث في الجسد ولغته.
ينتشر الضوء على فضاء مربع الشكل يكون مساحة تحرك الكوريغراف، كأنها المساحة المخصصة لكل النساء رغم صغرها يبعثن فيها الحياة، تتوزع الألوان بين الأسود والأحمر، السواد قيمة ضوئية ثابتة تبنى عليها الحركة والإضاءة في العرض، اما الأحمر الذي تشكله الفنانة التشكيلية هالة عمار فيشير إلى حمرة الدم، دم الحيض اوّل علامات الحياة، دم الولادة ثاني علامات الحياة ثم دم الثورة والحرية «للحرية الحمراء بابا بكل يد مضرجة يدقّ» واحيانا يصبح دم الضحايا من النساء اللواتي دفعن دماءهنّ ثمنا لنضالاتهنّ وللمطالبة بحقوقهن كاملة، هذه الحمرة تصبح مادة تشكيلية جميلة تزهر كوردة على قلب الكوريغراف تتحرك كلما رقصت ودق القلب سعادة، تلك الحمرة باتت فضاء تشكيليا تلاعبه ملاك السبعي فتنثره في كامل الفضاء ليلتحم الجسد في النهاية بالارض وبالدم مرة اخرى في ّبلدي يا بلدي».
إلى نساء هذا الوطن يكتب الجسد أجمل رقصاته
تنسجم نوتات عشق يعزفها سليم عرجون مع خطوات عاشقة تقدمها ملاك السبعي، كلاهما يؤثث عالمه الفني المغري بمزيد الاكتشاف، كلاهما ثنائي مذهل انسجما على الركح ليقدما تونس كما يريدان، تونس المراة القوية الرافضة للعنف والظلم، تونس المراة الحرة الثائرة، تونس امراة بحجم وطن.
ترقص لاجلهنّ، يتمايل الجسد بخفة الريشة تحية لهنّ، ترقص على آلامهنّ ووجيعتهنّ تعيد كتابتها بجسدها ناثرة اثر الفراشة كلما رقصت، الى نساء هذا الوطن رقصت ملاك السبعي، الى الكادحات الحالمات حاميات الوطن رقصت وتركت لجسدها حريته ليعلن هو الآخر انتصاره للمراة، للجمال وللحرية.
الى كل النساء اللواتي كنّ نبراس ضياء أهدت ملاك السبعي حركاتها المتمردة، الى التونسيات اللواتي خرجن لاستقبال الزعيم الحبيب بورقيبة في جوان 1955 إلى اللواتي تركن خلفهنّ السفساري وطرحن معه عقلية مجتمعية وانخرطن في بناء الدولة الحديثة متحديات واقع دولة حديثة الاستقلال وركام من الجهل وعقلية مجتمعية لازالت تخاف خروج المرأة الى العمل والمشاركة في الحياة السياسية.
إلى من ساهمن في نشر ثقافة حقوقية نسائية وأولاهن نساء الاتحاد القومي النسائي التونسي، إلى توحيدة بالشيخ وعلية وحبيبة مسيكة ونعمة وصفية فرحات وزينب فرحات، الى روح البنية التونسية لينا بن مهنى ومي الجربي الى كل امراة ترفض الظلم وتحلم بواقع افضل، الى كل امراة تطالب بحقوقها ولا تخاف الانظمة المجتمعية ولا السياسية والقمعية، اليهن كتب الجسد موسيقاه ورقصت الكوريغراف مرفرفة كفراشة تراقص اللهب، تشاكسه وتتغلب عليه مبتسمة. شامخة هي تعاند روح حبيبة مسيكة الحاضرة بصوتها، ذاك الجسد الذي التهمته نار العشق تتماهى معه الخطوات الثائرة على الركح كأنها تعاند الموت والزمن، رقصة تخبر الحضور أن حبيبة مسيكة لا تموت مادام صوتها يزلزل داخل القاعة «زعمة النار تطفاشي ونبرى»، طالما ظلت اغانيها حيّة تظل حبيبة مسيكة وهي ميزة الفنّ خالدة فالفنان دوما خالد لا يموت.
طفلة مشاغبة لا تعرف التعب، ترقص في كامل الفضاء، تتحرك بخفة طفلة شغوفة وامرأة عاشقة كلهيب من النيران لا يعرف الخمود، هي روح للمرأة التونسية، أنموذج عنها، هي عاصفة من الحب والحرب، خليط من الألم والأمل تبدع ملاك السبعي في تقديمه لجمهور اقبل لينصت لحكايات الجسد ويسمع بوح الحقائق التي تعترف بقيمة المرأة التونسية ونضالاتها.
عرض «بلدي يا بلدي» لرضوان المؤدب وملاك السبعي ضمن أيام قرطاج الكوريغرافية: حين تصبح المرأة خطوة ثائرة
- بقلم مفيدة خليل
- 11:40 15/06/2022
- 1622 عدد المشاهدات
الرقص حرية، الرقص هو إعادة كتابة للحياة، الرقص فنّ يتقنه العشاق والقدّاس، للرقص رائحة زهور الربيع، الرقص ثورة والرقص لغة تتمرد على السائد وتنادي