وعلّاته وتسليط للضوء على اغلب القضايا التي تشغل المواطن التونسي والإنسان في العالم اجمع. ظاهرة الهجرة غير الشرعية اتجهت اليها انظار المسرح لتقديم اعمال فنية نقدية تطرح هذه المسالة على الركح ومن هذه الاعمال مسرحية «الكونتاينر» اخراج حافظ خليفة والتي قدمت مساء الجمعة ضمن فعاليات مهرجان خليفة السطمبولي للمسرح بالمنستير.
المسرحية من إنتاج المركز الوطني للفنون الدرامية و الركحية بمنوبة بشراكة مع دار الثقافة محمد عبد العزيز العقربي بدوار هيشر والمندوبية الجهوية للشؤون الثقافية بمنوبة و المركز الثقافي و الاجتماعي التونسي بروما و منظمة العفو الدولية ومنظمة اللاجئين الدولية وهي من تمثيل البشير الصالحي و نادية تليش و أميمة المحرزي و رمزي سليم و جميلة كامارا وعبد القادر الدريدي وايمن السعيداني ويساعد في الإخراج آدم الجبالي وملابس و الماكياج مفيدة المرواني واضاءة رياض توتي.
في رحلة الموت بحثا عن الحياة
يجتمعون في مكان ضيّق، تكاد تشعر بالاختناق لضيق المكان وظلمته، فقط فوانيس صغيرة تحملها الشخصيات لإضاءة بعض العتمة، اصوات متداخلة تسكن قلب المتفرج فيمتزج السؤال بالخوف والحيرة والرغبة في معرفة ما يحدث في الخارج، الى التفاصيل الموجعة للهجرة والوضعية الصعبة والمخيفة التي يعاني منها المهاجرون يحمل خافظ خليفة جمهوره ويجعله جزءا من هذه الرحلة النفسية المسكونة بالخوف والارهاق الجسدي والنفسي، الى تلك الاحلام المجهضة امام هاجس الحرب وقسوة الاوطان والصراعات الداخلية يرحل خليفة بجمهور مسرحية «الكونتاينر» المقتبسة عن نص اصلي للكاتبة الانقليزية «كلاري بايلاي».
إضاءة خفيفة (لا وجود لاضاءة مسرحيةن فقط بعض المصابيح اليدوية الصغيرة ليكون العمل اكثر واقعية)، تتنفس الشخصيات بهدوء كأنها تخاف ان يسمع صوت تنفسها في الخارج، اجساد متكورة على مقاعد خشبية، لا وجود لعملية تواصل بين الشخصيات، دقائق من الصمت المريب تربك المتفرج وتدفعه للبحث عن حريته فكيف بالمهاجرين الذين يقضون ساعات طويلة في تلك الوضعية وكأن بالمخرج يريد لجمهوره ان يعايش تعب الممثلين وانهاكهم لإتقان الشخصية وفي الوقت ذاته معايشة المعاناة الحقيقية للمهاجرين الهاربين من حاضر مخيف الى مستقبل مجهول.
تتدفق الاضاءة تدريجيا الى مساحة اللعب الصغيرة، في «الكونتاينر» لكل حركة مساحتها الضيقة، لكل كلمة وقعها المرير، الاضاءة تكون الوسيلة للفصل بين المشاهد فكلما ارتفعت الاضاءة كان عنوان الوصول لمحطة ما لركوب مهاجر جديد ثم يعود نسق الظلمة للسيطرة على الحدث والفعل الدرامي.
«الكونتاينر» مسرحية مشحونة بطاقة من الخوف والسؤال، تعري ظاهرة الهجرة غير الشرعية عبر الطرق البرية تلك الظاهرة التي انتشرت كثيرا وأصبحت تجارتها مربحة اثناء الحرب السورية، فالحدود التركية مرتع لتجار البشر، هي ملجأ الهاربين من الحرب والحالمين بالدخول الى الاراضي الاروبية مرورا بتركيا، تلك الطرق الجبلية الوعرة اصبحت مقابر للكثير من الأحلام، تلك الطرق بيعت فيها اجساد النساء كما سوق النخاسة (في المسرحية تعجز المهاجرة عن دفع ثمن هجرتها فيقدمها صاحب الشاحنة هدية لمن يقفون على تلك الحدود ويواصل طريقه)، طريق اكلت الكثير من الامال بمستقبل افضل، طريق الحياة الموشى بالموت والخراب نقله الممثلين بكل صدق ليكون الركح مساحتهم للصراخ ضد كل انواع المتاجرة بالاحلام والبشر.
أمام سطوة المال تقتل الانسانية
في الشاحنة الضخمة يجتمع بشر من جنسيات مختلفة، تهرب السودانية وقريبتها من هول الدمار الداخلي لبلدها، يغادر السوري حاملا امواله هربا من حرب غادرة دمرت المدن والاحلام وتهرب المعلمة الايزيدية من وطن لم يحترم نساءه فالايزيديات كنّ اكثر ضحايا داعش، الايزيديات يخطتفن ويغتصبن ويقتّلن امام مسمع حقوق الانسان والقوى العالمية ويواصل التونسي الهروب والهجرة هربا من وطن لم يحترم احلامه ولا افكاره وطن دفعه الى تركه والرمي بنفسه الى الموت، شخصيات متداخلة والامهم كذلك، تختلف اللهجات ولا يقدرون على التواصل في الكثير من الاحيان لكن يجمعهم الخوف والأمل في الوصول، فالمسرحية يكشف من خلالها حافظ عن خليفة موت الانسانية والانسان امام جشع المال الذي يمثله «الحراق» المتسلح بسلاح ورصاصات لها الحق في سلب كل روح يرفض صاحبها دفع المزيد من المال.
«الكونتاينر» مسرحية انسانية تدافع فقط عن الانسان عن حقه في العيش في وطنه، عمل موغل في السوداوية لكشف قبح البشر امام المادة وعن سبب اختيار هذا النص يقول المخرج «اخترت من خلال الاقتباس لهذا النص المهم الحارق تسليط الضوء عن حال بعض الشعوب بالتحديد من التونسي من خلال إصراره على العودة الى انجلترا و عدم الرجوع الى وطن لم يعد يعرفه على حد قوله و الفتاة الازيدية العراقية التي تم اغتصابها من الدواعش والصوماليين وهربها من الحرب الأهلية ببلادهما و اليمني الفار من براثن الميليشيات الحوثية».
«الكونتاينر» مسرحية جمعت ممثلين تونسيين ينقلون وجع شخصيات من جنسيات مختلفة وقد اشرف على مراجعة اللهجات الاصلية عجاج سليم من سوريا (المهاجر السوري البشير الصالحي) و عواطف نعيم وعزيز خيون اللهجة العراقية الموصل والنجار (المهاجرة الايزيدية اميمة المحرزي) والسودانية الفنان عبد الله المصري (جميلة كامارا ونادية تليش) واللغة التركية رانية سوايحي (رمزي سليم شخصة الحرّاق) ليكون العم مزيجا من اللهجات والاحلام المقاومة لفكرة الموت في طرق الموت.
بقلم: فاتن بوشرارة
طالبة بمخبر التراث بكلية ألآداب والفنون والإنسانيات بمنوبة