فيلم «تمورثيو آزرو .. ذاكرة القادم» لشاهين بالريش: «ازرو» عروسة الأوطان في أول فيلم باللهجة الأمازيغية

أحبّ تلك الأرض، سكنته تفاصيلها وحكايات سكانها، عشق تاريخها وموروثها فقرّر تحويل ذاك الإرث المتروك وتلك الحكايات المنسية إلى فيلم سينمائي،

شغف بالفن السابع فانتصر للأرض وحكايات أهلها ولهجتهم المحلية وحولها إلى أول فيلم سينمائي باللهجة الامازيغية، في «آزرو» انطلق الحلم حين شغف شاهين بالريش بالقرى الجبلية الامازيغية «الزراوة» و»تمزرت» و»تاواجوت» و»مطماطة» من ولاية قابس.
وبعد عشرة اعوام من التوثيق والتجوال، وبعد نجاح فيلم «تملاست» يولد فيلم وثائقي جديد عن الذاكرة والمكان بعنوان «تمورثيو:آزرو:ذاكرة القادم» اخراج شاهين بالريش، ابطاله سكان قرية آزرو الجبلية وتصوير طارق العبيدي وحلمي بن شهبون ومونتاج سفيان بن سليمان وترجمة عائلة الشادلي برجي، الفيلم يحمل الجمهور الى عادات اهل القرية وحكاياتهم مع المكان.
«ازرو» قرية شامخة عاندت التاريخ
مغرية هي الصورة المقدمة عن القرية، تمازجت ألوانها وتماهت مع لون الحجارة وخضرة النخيل فجاءت صادقة ومميزة، ألوان تشد انتباه المتفرّج، موسيقى بدوية و»ملالية» تجذب انتباه الأذن للإنصات إلى القصص المنقولة، تماهت الصورة مع ذاكرة المكان وموسيقى الطبيعة وفسيفسائها الجمالية فانتصرت للزراوة القديمة «آزرو» المنبثقة من الجبال كما الأم «هيرا» الهة الارض.
«آزرو» مازالت شامخة، تتربع على الجبل، بعض المنازل حافظت على بنيانها وشكلها الخارجي وأخرى تهدمت بفعل هجرانها، «آزرو» الساحرة تغريك بالزيارة ومزيد الإنصات إلى قصص أهلها وهم يتحدثون بلهجتهم الامازيغية او «الشلحة» كما يسميها البعض، تلك اللهجة تغري بمزيد الإنصات واكتشاف المكان هو الانطباع الأول الذي يصل متابع الفيلم «تمورثيو :آزرو:ذاكرة القادم» للمخرج شاهين بالريش، منذ البداية يختار المخرج صورة شاملة وفوقية للقرية ثم تقترب الكاميرا تدريجيا وتصبح الصورة اصغر ليعرف المتفرج تفاصيل المكان ووجوه الجدات وحكايات هذه الأرض ومنها الدفاع عن الذاكرة.
انطلق تصوير الفيلم في 2013 بمناسبة أول تظاهرة امازيغية تقام في آزرو وتواصل إلى العام 2019 الموافق لـ»يوم العودة» وهي تظاهرة كبرى جمعت متساكني آزرو القدامى وأبناءهم وأحفادهم للصعود الى القرية والاحتفال هناك بالذاكرة وحكايات الجدات وقصصهم في أرضهم التي غادروها بعيد الاستقلال حين بنت الدولة «كمبوت» (المدينة الحديثة باللهجة المحلية) في أسفل الجبل.
السينما الوثائقية هي انتصار للمكان وللإنسان، والسينما وسيلة المخرج شاهين بالريش للدفاع عن الاختلاف في هذا الوطن ومطيته ليقدّم حكايات وموروث القرى الجبلية التي غادرها أهلها وبعضهم لايزال يسكنه حلم العودة، الفيلم هو حديث للذاكرة وفتح لأبواب التاريخ عبر حكايات الجدات فهاهي «نانا حليمة» بوشمها المميز وتجاعيد تركتها السنون على المحيا تتحدث إلى الكاميرا عن عادات أهل القرية وعلاقتهم بالأرض زرعا وحرثا وحصادا، تتألم لما وصل إليه اليوم الناس «تصوروا يشترون الخبز من الدكان».
«نانا حليمة» و»نانا خديجة» من النسوة اللواتي حافظن على التقاليد والموروث وينقلهنّ إلى الحفيدات محافظات على علاقة وطيدة بين المرأة والأرض فكلتاهما رمز للخصوبة والحياة، كلتاهما عنوان متجدد للأمل واشراقات صباح جديدة لا تعترف بكلمة يأس أو مستحيل، النسوة في «آزرو» هنّ حارسات الذاكرة، هن المحافظات على الهوية وهنّ كتاب تاريخ مفتوح يمكن للباحث النهل منه، النسوة شبيهات الأرض في الجمال ونساء القرى الجبلية تعلمن الشموخ وعاندن الجبل في البهاء هكذا تنقلهنّ كاميرا شاهين بالريش.
النساء حارسات الذاكرة والمكان
تتجول الكاميرا في القرية المتروكة، تجعلك تتخيل المكان عامرا بألوان المنسوجات التقليدية الناطقة بالجمال، ماذا لو خرجت القرية من صمتها وتزينت بالكليم والمرقوم المطبوع بنقشة أهل الزراوة الخاصة بهم، ماذا لو انتشرت تلك الحناء الموجودة على الجدران أكثر وعبق شذاها، أولئك الصبية سيملئون المكان لهوا وضجيجا وستعود الآبار إلى ضخّ الماء وتلك الزياتين لن تنسى غارسها مطلقا، لو أحييت القرية من صمتها ستكون أيقونة سياحية وثقافية ففي ربوعها يحلو التجوال ومن فوق يبدو المشهد مغريا يجمع الجبل بالسهول، وحلم الحياة باق ومنه استمدّ اسم الفيلم «ذاكرة القادم» فهاهي «نانا حليمة» تتقدم الموكب المهيب صاعدة الى اعلى الجبل مزغردة ومعلنة عن بداية مواسم الفرح، مشاهد التقطتها الكاميرا وابدعت في اخراج صورة جميلة عن القرية وأفراحها وأغنية تردد مع المشاهد «خلي نطلعو للقرية، نطلعوا لآزرو، زغاريد النساء كيف الرعد،في للاّ عروسة الأوطان».
«تمورثيو ازرو ذاكرة القادم» فلم وثائقي ينتصر للارض، «تمورثيو» تعني بلادي و»ازرو» هو اسم القرية فيلم يدافع عن الهوية التونسية وينقل عادات سكان القرى الجبلية، الفيلم الوثائقي يغوص في الذاكرة ويشرّع النوافذ المغلقة هو دعوة صريحة ليكتشف التونسي آزرو ومطماطة وتمزرت وبقية القرى المعلقة فوق الجبال، الفيلم يدافع عن القرية وعاداتها وينقلها بأمانة إلى جمهور السينما الوثائقية، بحث مجتمعي وتاريخي حول سكان القرى الجبلية وحكاياتهم مع الأرض، هو انتصار للذاكرة ودعوة ليكون الغد أفضل بعودة الأحفاد لتعمير قرية الأجداد والاحتفاء بتراثها الثقافي وموقعها الجغرافي والسياحي المميز.
«آزرو» المعلقة فوق الجبل ليست مجرد قرية غادرها أهلها إلى المدينة، آزرو حسب فيلم شاهين بالريش ذاكرة والذاكرة تصان وتوضع في اجمل المواقع، الذاكرة فكرة لا تعرف الفناء، تتجدد كما الدماء في العروق، ازرو قرية تدعو زوارها لاكتشاف أسرارها فتونس حديقة موشاة باجمل الالوان وقابس تجمع في رحابها سحر الجبل وشموخ القرى الجبلية وبهاء البحر، قابس فضاء للحياة وآزرو الساحرة ايقونة أمل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115