تجول في ربوع تونس من شمالها الى جمالها لتلتقط العدسة صور النساء وتجاعيدهنّ وحكاياتهنّ مع الزمن، كل تلك الصور موجودة في معرض «وشم وتجاعيد» في رواق الفنون بن عروس.
هنّ الشامخات الحالمات، هن باعثات الحياة ومانحات الأمل، هن النساء، والمرأة «ولاّدة» كما الارض تطرح فرحا وحبورا واختلافا هكذا هنّ نساء هذا الوطن كما تقول الصور المنتشرة في الرواق، تلك الصور جزء من ذاكرة هذا الوطن، نساؤه الكادحات هنّ شخصياته الابرز، نساؤه البسيطات اللواتي يعبرن على هامش الحياة صنع منهنّ عمر عبادة حرز الله نجوم معرضه الفوتوغرافي، تتجول الكاميرا في ربوع تونس تلتقط صور النساء وتنقل تلك النظرة المتحدية للواقع والابتسامة المنتصرة للأمل.
«وشم وتجاعيد» هو اسم المعرض، معلقته الترويجية صورة فوتوغرافية تبرز فقط نصف الوجه، عينل واحدة مليئة بالحكايات، تجاعيد كثيرة تنقل قصة تلك المرأة وكفاحها، وشم مبهر يزين الذقن و»اخراس» كبيرة موشاة بالألوان، هي نصف حكاية ودعوة مباشرة لاكتشاف بقية الاعمال المعروضة في المعرض.
هي قصة من قصص نساء هذا الوطن، نسائه صانعات مجده، نساؤه الكادحات والعاملات، امراته الريفية وابنة المدينة، من تسابق عجلة الطبيعة ومن تسارع الوقت، من تبعث الروح في الطين وتصنع منه اجمل الخزفيات ومن تبعث الامل في الصغار وتعلمهم ابجديات الحياة، كل هذه النماذج المختلفة يحملها «الوشم والتجاعيد».
تركت السنون اثارها واضحة، كتب الزمن الكثير من السطور على الوجه، اصبحت تلك التجاعيد عنوانا لصراع كبير ادته تلك المرأة مع الزمن، صراع انتصرت فيه لنفسها وأرضها وأبنائها، تلك التجاعيد هي حكاياتهنّ، هي الذاكرة وما عاشته تلك المرأة من ثنائيتي الفرح والترح فكل ما تعيشه الانثى يحفره الزمن في تجاعيدها الجميلة، تلك التجاعيد تركها المصور الفنان دون «فوتوشوب» تركها جميلة تلقائية ومختلفة، فالتجاعيد دليل الصراع والمقاومة، التجاعيد حكاية امرأة انتصرت على الواقع وصنعت عالمها الخاص واستطاعت ان تخبر العالم ان انا انثى سيدة هذه الأرض، انا تونسية شامخة صنعت تاريخي وثورتي وزرعت ارضي وشكلت من طيني اجمل المنحوتات، انا امرأة ربما لم اعرف طريقا للمدرسة لكنني خبرت الحياة وعرفت ثنايا الابداع فتميزت.
تختلف زاوية التقاط الصورة حسب رمزيتها، بعض الصور تبرز اكثر اللباس والحليّ التقليدي بكل الوانه من التخليلة الريفية الى «المشطية» الجبنيانية الى الحرام الجريدي فالسفساري الحضري فالـ»القمجة» المكنية، صور اخرى تركز اكثر على الحيّ فتنقل لمتأملها «الاخراس» بأحجامها وألوانها المتباينة، تركز على القلادة المصنوعة من العقيق ولكل حجم رمزيته في اعناق النساء، حليّ الجبين وزينة اليدين تختلف من المدينة الى الحاضرة ومن جهة الى أخرى، تكاد رائحة «السخاب» (حلي تقليدي يصنع من عجينة العنبر وعود اقرنفل وماء الورد) تخرج من الاطار لتفوح في الرواق ذاك الاكسسوار التقليدي الذي تصنعه النساء من الحب وبكل الحب لتتزين به العروس، كل هذه الاختلافات التقطتها عدسة عمر عبادة حرزالله فكانت الصور مختلفة اختلاف حلي وملابس نساء تونس.
تختلف قصص النساء، تتباين علاقتهنّ مع تلك الخطوط الزرقاء المرسومة على الجسد لكن تشترك اغلبهنّ في فكرة الانتماء الى الارض وهذا البلد فالوشم جزء من الهوية الجمالية للتونسيات، الوشم جزء من الذاكرة وتختلف الرموز من امرأة الى اخرى ومن جهة الى أخرى اغلب الذقون موشاة بالأزرق، وشم تمادى مع البشرة وأصبح جزءا من الوجه ربما غابت تفاصيل الشكل الاول لكنه يرمز الى حرف «T» في اشارة الى الارض وكذلك تانيت رمز الخصوبة والجمال، تحفر النساء على وجوههن واجسادهنّ حروفا ورموزا اغلبها تحيل الى معنى الجمال وبعضها رسائل عشق مشفرة تكتبها الى فارسها ومعشوقها فالوشم لدى النسوة التونسيات هوية وذاكرة له خصوصياته ورمزيته أيضا، الوشم ليس مجرد لون ازرق يوضع على الجسد بل حفر في اللحم بالنار وكتابة بالكحل والرماد لقصص لن تمحى الا بفناء ذاك الجسد وتلك الوشوم بتنوعها تزين وجوه وسواعد النساء اللواتي اختارهنّ عمر عبادة حرزالله ليكنّ نجوم صوره الفوتوغرافية الفنية المدافعة عن الذاكرة والهوية التونسية.
«وشم وتجاعيد» معرض للصور الفوتوغرافية هي قصة نساء هذا الوطن، رحلة مع الزمن وانصات لحكايات النساء التقطتها الكاميرا، ابراز للموروث في اللباس والحلي والوشوم التي تحرسها النساء من الاندثار، الصور الفوتوغرافية ليست فقط للتوثيق بل للحفاظ على جزء من الموروث وتقديمه الى الاجيال المختلفة، هي مطية ليعرف التونسي عادات البقية الجهات من خلال الملابس والوشم، الصورة حصن منيع يحرس الذاكرة وتلك التجاعيد المحفورة على الوجوه هي قصة نساء هذه الارض وشمهنّ صرخة انتماء لوطن ملوّن كباقة ربيعية.