على مساعدتهم في مسيرتهم التعلمية، مارسوه هواية ونجحوا في شد انتباه الجمهور من أترابهم من التلاميذ وجمهور مسرح التجريب من خلال مسرحية «مسرح الأحلام» إخراج كريم خرشوفي وتقديم تلاميذ المدرسة الاعدادية حي الزيتوني والمسرحية متحصّلة على جائزة أفضل عمل في المهرجان الجهوي للمسرح المدرسي وتشارك السبت ضمن الملتقى الوطني للمسرح المدرسي ببنزرت.
في إطار انفتاح مهرجان مسرح التجريب على المسرح المدرسي قدّم عرض «مسرح الاحلام» تاطير كريم خرشوفي وتقديم تلاميذ المدرسة الاعدادية حي الزيتوني وهم رنيم كمال واية الطرابلسي وابرار محمدي ونعيم بن الربيع وليث بشراوي وسمر جابري ومعتز دبوبة وسيف الدين التومي واسراء بوظهير والاء الفرجاني ورمزي الرزقي وفاطمة كمالي وتقني اضاءة عزالدين مهداوي وتقني صوت اسامة حسن وصمم معلقة العمل منجي اللملومي.
المسرح لعب والوان واحلام متجددة
المسرح مطية ليحلم الأطفال، من واقعه ومحيطه استلهم المخرج كريم خرشوفي أحداث العمل، فالمسرح وسيلة لإعادة إدماج المنقطعين عن الدراسة في المجتمع، مطية لإنقاذ الشباب من خطورة الشارع والانحراف وبين الواقع والنص المسرحي تشابه كبير، ففي كليهما يوجد الم كبير وداء وحده المسرح قادر على شفائه، على الرّكح اثنا عشر تلميذا - ممثل تلاميذ ، اثنا عشر حلما صغيرا بدأ يتفتح ويزهر للحياة، إنهم تلاميذ يمارسون المسرح في المعهد وفضاء المسرح الصغير، لكل منهم طاقة وموهبة ولكل منهم حلمه الصغير يريد تحقيقه من خلال اللعب.
في «مسرح الأحلام» اثنا عشر حلما مؤجلا، اختار المخرج لشخصياته مهنا شاقة ومهمّشة من بائعة الورد التي تحلم ببيع الكثير من الورود لاقتناء حذاء احمر «ورد احمر أيتها الجميلة، أبيع الورود لأجمع مالا واشتري لأختي حذاء أحمر جميلا»، إلى جامع القوارير الطفل الذكي المجتهد في عمله «سأجمع القوارير وأبيعها لأجمع مالا، سابني مصنعا للحلوى وأوزع الحلوى على الأطفال الفقراء، ثم ابني مصنعا للأحذية حتى لا يبقى الأطفال حفاة» ويواصل اجتهاده وجمعه لقواريره، وتشارك جامعة النفايات والمتسول وكل المهن المهمشة يجمعها المخرج لدى شخصياته ليعلم الأطفال قيمة العمل وأهميته، فالعمل ليس بعيب بل العيب في السرقة وافتكاك مال الآخرين «نحن لا نسرق، سنبحث في القمامة عن قماش نستفيد منه» هكذا يجتمع المهمشون في مكان واحد، ينقلون للجمهور أحلامهم الصغيرة قبل أن يقرروا بناء مسرح يحتضن كل آمالهم المؤجلة وأحلامهم المنسية.
«مسرح الاحلام» مسرحية قدمها أطفال بأداء محترف، أطفال تماهى لعبهم مع الإضاءة والموسيقى، يتقنون الانتقال بين المشاهد بسلاسة، لم يرتبكوا للعدد الغفير من الجهمور، أطفال واثقون من مسرحهم وادائهم تميزوا أمام جمهور مسرح التجريب، فأزهرت براعم الأمل في تلك القاعة الغاصة بمن يبحثون عن متعة بصرية قدمها التلاميذ.
المسرح وعاء للتفكير والتعليم
في المسرح تختلف الرؤى، في المسرح يصبح البوح بالوجع أسهل والتعامل مع الألم أكثر حنكة، في المسرح يعبرون دون خوف، وبين مسرح الحقيقة ومسرح الأحلام انتقلت الشخصيات ببراعة، اجتمعت الشخصيات وبنت مسرحها الخاص بها «مسرح الأحلام» المفتوح لكل الناس خاصة الأطفال والمهمشين، مسرح للفقراء ليعيدوا كتابة واقعهم، مسرح يجد فيه الطفل أملا ونورا يشعّ داخله فيساعده على تجاوز محنة التهميش والفقر، في المسرح يعبرون، يرقصون ويتميزون، وبين الشخصيات والأشخاص تشابه كبير فالمسرح لدى كليهما كان نورا أضاء الدروب المظلمة.
أطفال بعمر الزهور تميزوا على الركح، رقصوا حد التعب، غنوا وتفاعلوا مع الموسيقى شاركوا الجمهور متعة استكشاف المسرح وجماليته، شجعوا اترابهم الموجودين لخوض مغامرة الفن الرابع، أطفال أزهرت أحلامهم فوق الركح، تلقائية لافتة وصدق في الأداء والتعبير، أطفال نقلوا النص وتميزوا في تقمص الشخصيات وكانوا حقا يلعبون، لهم قدرة على الفصل بين الشخص والشخصية، نبرة الصوت (بائعة الفراخ) وطريقة النطق البطيئة( البرباشة) والمشية العرجاء (بائع القوارير)، كلّ منهم تماهى مع شخصيته ولبسها حدّ الصدق فلعبوا واقنعوا وافتكوا تشجيع الجمهور وإعجابه.
«مسرح الأحلام» رحلة جميلة أبدع في تقديمها أطفال شغوفون باللعب الدرامي، تميزوا في النطق والانتقال بين الشخصيات والمشاهد، تماهوا مع الموسيقى وكانت تلقائيتهم سر نجاحهم، مسرحية تشرع أبواب الأمل ومنها الانتباه لضرورة الفعل المسرحي في المؤسسات التربوية فالمسرح المدرسي وسيلة لبناء أجيال واعية تؤمن بحقوقها وواجباتها، أجيال تعي بأهمية الفعل الثقافي ودوره في إنقاذ المراهق من خطورة الانقطاع عن الدراسة، فالمسرح المدرسي توعوي وثقافي هو ممارسة حقيقية للفن والحياة.
«مسرح الأحلام» مسرحية قدمها أبناء الأستاذ كريم الخرشوفي، تجربة إبداعية أخرى تولد في الجهات يقدمها أطفال يحلمون بحقهم في الثقافة، المسرحية نتيجة إيمان المخرج بضرورة المسرح للشريحة العمرية تلك، والخرشوفي صاحب فضاء المسرح الصغير طريق بني خداش الذي أصبح بمثابة الوطن الصغير يحتضن الأحلام والآمال، فضاء يعلم الصغار حب المسرح وحب الحياة والأحلام.
المسرح الصغير الذي زرع بذرة المسرح في المدينة ونتج عنها ستّ أساتذة للتربية المسرحية تعلموا أبجديات هذا الفن في المسرح الصغير قبل دراسته في الجامعة، المسرح الصغير فضاء ثقافي خاص صغير الحجم وكبير بأحلام الأطفال والمؤطرين، فضاء أنتج العديد من الأعمال والأحلام واكتسح الشوارع المتعطشة للجمال، فضاء يشرف عليه أستاذ شعاره «نحب ما نعمل»، لم تؤثر قلة الدعم ولا البعد عن المركز على عزيمته ليكون لمدنين وشباب الأحياء فضاؤهم الثقافي حيث يمارسون المسرح والموسيقى وكل تلوينات الحياة والإبداع.