في ضيافة آية: فنظرة إلى ميسرة (4)

المسألة الثانية عشرة: اختلف الفقهاء في الحال التي توجب الحبس، فمذهب الحنفية أنه إذا ثبت عل الإنسان شيء من الدين من أي وجه ثبت، وامتنع عن أدائه

، فإنه يحبس شهرين، أو ثلاثة، ثم يسأل عنه؛ فإن كان موسراً تركه في الحبس أبداً حتى يقضيه، وإن كان معسراً أخلى سبيله. وقد روي عن أبي حنيفة أن المطلوب بدين، إذا قال: إني معسر، وأقام البينة على ذلك، أو قال: فسل عني، فلا يسأل عنه أحداً، وحَبَسه القاضي شهرين، أو ثلاثة، ثم يسأل عنه، إلا أن يكون معروفاً بالعسر، فلا يحبسه. وقال مالك: لا يحبس المدين في الدين، ولا يستبرأ أمره، فإن اتهم أنه قد خبأ مالاً، حبسه، وإن لم يجد له شيئاً لم يحبسه، وخلاه. وقال الشافعي: إذا ثبت عليه دين، بِيْعَ ما ظهر، ودَفَع، ولم يحبس، فإن لم يظهر، حُبس، وبِيْعَ ما قُدِر عليه من ماله، فإن ذكر عسره، وقبلت منه البينة، وأحلفه مع ذلك بالله، ومنع غرماءه من لزومه.

المسألة الثالثة عشرة: إذا ثبت عند القاضي إعسار المدين، وأطلق سراحه، فمذهب الحنفية أن لصاحب الدين ملازمته؛ لأنه صاحب حق، وله المطالبة بحقه. وقال مالك والشافعي: ليس له أن يلزمه؛ لثبوت إعساره، وثبوت الإعسار يسقط حق المطالبة ما دام الإعسار قائماً.
المسألة الرابعة عشرة: مذهب الحنفية جواز التأجيل في الديون الحالَّة الواجبة عن البيوع، ومذهب الشافعي أنه إذا كان الدين حالًّا في الأصل، فلا يصح التأجيل به.

المسألة الخامسة عشرة: وردت أحاديث عدة تتوعد الممتنع عن أداء ما عليه من دين للعباد، من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أعظم الذنوب عند الله، أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها، أن يموت رجل وعليه دين، لا يدع له قضاء" رواه أبو داود.
المسألة السادسة عشرة: قول الحق تبارك وتعالى: "وأن تصدقوا" ندب الله تعالى بهذه الآية صاحب الدين إلى الصدقة على المعسر، وجعل ذلك خيراً من إنظاره، روى الطحاوي في "شرح مشكل الآثار" عن بُرَيدة بن الخصيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسراً كان له بكل يوم صدقة" ثم قلت: بكل يوم مثله صدقة، فقال: "بكل يوم صدقة، ما لم يَحِلَّ الدَّين، فإذا حَلَّ الدين، فأنظره، فله بكل يوم مثله صدقة". وروى مسلم عن أبي مسعود، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "حوسب رجل ممن كان قبلكم، فلم يوجد له من الخير شيء، إلا أنه كان يخالط الناس، وكان موسراً، فكان يأمر غلمانه أن يتجاوزوا عن المعسر) قال: (قال الله عز وجل: نحن أحق بذلك منه، تجاوزوا عنه".

وروى الطحاوي أيضاً عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه طلب غريماً له، فتوارى عنه، ثم وجده، فقال: إني معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة، فلينفس عن معسر، أو يضع عنه" وهذا الحديث وحديث أبي مسعود يدلان على أن صاحب الدين إذا علم عسرة غريمه، أو ظنها، حرمت عليه مطالبته، وإن لم تثبت عسرته عند القاضي.

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115