في ضيافة سورة: سورة طه (2)

فرسالته صلى الله عليه وسلم ليست شِقوة كُتبت عليه، وليست عناء يُعَذَّب به، إنما هي الدعوة والتذكرة، وهي التبشير والإنذار.

وأَمْرُ الخلق بعد ذلك إلى الله الواحد الذي لا إله غيره، المهيمن على ظاهر الكون وباطنه، الخبير بظواهر القلوب وخوافيها، الذي تخضع له الجباه، ويرجع إليه الناس طائعهم وعاصيهم، فلا على الرسول ممن يكذب ويكفر، ولا يشقى؛ لأنهم يكذبون ويكفرون.
وجاءت خاتمة السورة كأبلغ خواتم الكلام؛ لإيذانها بانتهاء المحاجة، وطيِّ بساط المقارعة؛ فانتظمت بما يشبه رد العجز على الصدر؛ فكانت فاتحة السورة قوله سبحانه: "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى"طه:2 ؛ وخُتمت بما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم قد بلَّغ كلَّ ما بعث به من الإرشاد والاستدلال، فإذا لم يهتدوا بهديه، ولم يأتمروا بأمره، فإن في أدائه لرسالة ربه، وتذكيره بإنعامه وفضله ما يثلج صدره.

و تعرض السورة بين مطلعها وختامها قصة نبي الله موسى عليه السلام من بداية الرسالة إلى وقت اتخاذ بني إسرائيل للعجل بعد خروجهم من مصر، مفصلة مطولة؛ وبخاصة موقف المناجاة بين الله وكليمه موسى، وموقف الجدل بين موسى وفرعون. وموقف المباراة بين موسى والسحرة. وتتجلى في أثناء هذه القصة رعاية الله لموسى الذي صنعه على عينه، واصطفاه لنفسه، وقال له ولأخيه: "لا تخافا إنني معكما أسمع وأرى" طه:46.

وعرضت السورة قصة آدم سريعة قصيرة، برزت فيها رحمة الله لآدم بعد خطيئته، وهدايته له. وترك البشر من أبنائه لما يختارون من هدى أو ضلال بعد التذكير والإنذار.
وتحيط بالقصة مشاهد القيامة، وكأنما هي تكملة لما كان أول الأمر في الملأ الأعلى من قصة آدم، حيث يعود الطائعون إلى الجنة، ويذهب العصاة إلى النار؛ تصديقاً لما قيل لأبيهم آدم ، وهو يهبط إلى الأرض بعد ما كان!
وفي العموم، فإن سياق السورة يمضي وينتظم في شوطين اثنين:

الأول: يتضمن مطلع السورة بالخطاب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم "ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى * إلا تذكرة لمن يخشى"، تتبعه قصة موسى نموذجاً كاملاً لرعاية الله سبحانه لمن يختارهم من أنبيائه ورسله وأصفيائه لإبلاغ دعوته، فلا يشقون بها، وهم في رعايته وعنايته.
الثاني: يتضمن مشاهد القيامة وقصة آدم، وهما يسيران في اتجاه مطلع السورة وقصة موسى، ثم ختام السورة بما يشبه مطلعها ويتناسق معه ومع جو السورة.
وأكدت السورة في خاتمتها أن الوظيفة الرئيسة للرسل إنما هي الإبلاغ والتذكير لمن تنفعه التذكرة، وليس بعد الإبلاغ إلا انتظار العاقبة، والعاقبة للمتقين.

وقد كانت قصة موسى ونهاية فرعون في خلال هذه السورة تحقيقاً لهذا المعنى، وتأكيداً لفوز المؤمنين ومصرع الكاذبين، وبذلك يتناسق المطلع والختام، وتكون السورة أشبه بموضوع له مقدمة، ثم قصة تؤيد المقدمة، ثم خاتمة تؤكد الموضوع.
ويظهر من خلال قراءة هذه السورة أن ثمة وحدة فكرية بين أجزائها، خلاصتها: شمول فضل الله ورحمته وعطفه لعباده المؤمنين، وإيقاع نقمته على الكافرين، وعذابه للمكذبين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115