قصة السيدة مريم عليها السلام (4)

• وقفات مع بعض أحداث القصة:
- أولاً: قوله تعالى: {فحملته..}

اختلف المفسرون في مدة حمل عيسى عليه السلام، والمشهور عن الجمهور أن مريم عليها السلام حملت به تسعة أشهر، كما هي عادة النساء في حملهن. وقد قال ابن كثير في هذا الصدد: "ثم الظاهر أنها حملت به تسعة أشهر، كما تحمل النساء، ويضعن لميقات حملهن ووضعهن، إذ لو كان خلاف ذلك لذكر". والواقع أن السياق لا يذكر كيف حملته، ولا كم حملته؛ هل كان حملاً عاديًّا كما تحمل النساء، وتكون النفخة قد بعثت الحياة والنشاط في البويضة، فإذا هي علقة فمضغة فعظام، ثم تكسى العظام باللحم، ويستكمل الجنين أيامه المعهودة؟ إن هذا جائز. كما أنه من الجائز في مثل هذه الحالة الخاصة أن لا تسير البويضة بعد النفخة سيرة عادية، فتختصر المراحل اختصاراً؛ ويعقبها تكون الجنين ونموه واكتماله في فترة وجيزة. ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين، فلا نجري طويلاً وراء تحقيق القضية التي لا سند لنا فيها، والاختلاف في مثل هذه المسائل لا طائل من ورائه، ولا يرجى منه فائدة؛ لأنه لا يترتب عليه حكم شرعي.
وأيضاً، مما لا ينبغي الجري وراءه تحديد المكان الشرقي الذي انتبذت إليه مريم عليها السلام معتزلة قومها، ويكفي في الصدد العلم بما أخبر به القرآن الكريم، وهو أنها اتجهت إلى مكان شرقي، قد يكون بيت المقدس، وقد يكون غير ذلك. وقل مثل ذلك في قوله عز وجل: {فانتبذت به مكانا قصيا} (مريم:22).
- ثانياً: قوله سبحانه: {وأمه صديقة..}
قال ابن كثير: دلَّ قوله تعالى: {وأمه صديقة} (المائدة:75) على أن مريم عليها السلام ليست بنبية، كما زعمه ابن حزم وغيره ممن ذهب إلى نبوة سارة أم إسحاق، ونبوة أم موسى، ونبوة أم عيسى؛ استدلالاً منهم بخطاب الملائكة لسارة ومريم، وبقوله: {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} (القصص:7).
- ثالثاً: قوله تعالى: {فنفخنا فيها..}
جاء في حديث القرآن الكريم عن قصة ولادة مريم قوله سبحانه: {والتي أحصنت فرجها فنفخنا فيها من روحنا} (الأنبياء:91)، وقوله تعالى: {ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا} (التحريم:12).
نصت هاتان الآيتان على عفة مريم عليها السلام، وذكرتا أن حملها بعيسى عليه السلام إنما كان عن طريق (النفخ) في فرجها. وقد نقل المفسرون هنا أقوالاً حول ماهية هذا (النفخ)، منها المقبول ومنها المرفوض، ومنها القريب ومنها البعيد، والأسلم في مثل هذا الأمر التسليم بظاهر اللفظ القرآني، وهو أنه كان هناك (نفخ)، أما الدخول في تفاصيل هذا (النفخ) فلسنا مكلفين به، ولا ينبغي الوقوف عنده طويلاً،,
أهذه النفخة هي الكلمة؟ آلكلمة هي توجه الإرادة؟ آلكلمة: {كن} التي قد تكون حقيقة، وقد تكون كناية عن توجه الإرادة؟ و(الكلمة) هي عيسى، أو هي التي منها كينونته؟ كل هذه بحوث لا طائل وراءها إلا الشبهات. وخلاصتها هي أن الله شاء أن ينشىء حياة على غير مثال، فأنشأها وفق إرادته الطليقة، التي تنشئ الحياة بنفخة من روح الله. ندرك آثارها، ونجهل ماهيتها. ويجب أن نجهلها؛ لأنها لا تزيد مقدرتنا على الاضطلاع بوظيفة الخلافة في الأرض، ما دام إنشاء الحياة ليس داخلاً في تكليف الاستخلاف!".

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115