مركز الفنون الركحية والدرامية سليانة: بتقنيات خيال الظل يدعون الطفل ليفكر ويثور على المسلّمات

مسرح الطفل مسؤولية جسيمة فهو فعل ابداعي يتوجه الى شريحة عمرية جد حساسة، مسرح الطفل يتطور ويختلف من

وقت الى اخر في ارتباط بتطور طفل اليوم وارتقاء وعيه مقارنة بالأجيال السابقة، طفل اليوم ذكي والتعامل مع خياله امر يتطلب الكثير من العمل والبحث لتقديم عمل مسرحي يجمع بين ثنائيتي الخيال والجمال ويكون ذا مضامين تلائم عمر الاطفال وهو ما يجده المتلقي لمسرحية «بيضة سيزيف» انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية التي قدمت عرضها الاول مساء الاحد 10افريل بدار الثقافة ابن خلدون المغاربية.
«بيضة سيزيف» نص واخراج فتحي بن عمر وهي تندرج ضمن مسرح خيال الظل موجهة للناشئة، حرّك شخوصها كل من بثينة الطوايبي وغادة الرياحي ومحمد بن سليمة وعبد السلام بوزيدي ولطفي لملومي ولسعد بالصغير وجدي كسراوي ومحمد امين غزيل وموسيقى لزين عبد الكافي وإضاءة صبري العتروس وتوظيب عام مطاع سماطي وادارة انتاج صالح الفالح.
طرح فلسفي يشجع الطفل على التفكير
يواصل مركز الفنون الركحية والدرامية سليانة خوض غمار التجارب الابداعية الصعبة والمختلفة، في اعمالهم الموجهة للأطفال يبتعدون عن الاستسهال في النص والتقديم، فالمركز ابتعد في انتاجاته على النصوص الكلاسيكية التي حفظها طفل اليوم (بينوكيو، حمراء حمراء، سندريلا، الصرار والنملة) وتوجهوا الى نصوص جديدة تقدم افكار اخرى للطفل، تشجعه على التفكير وطرح السؤال من «افان» العمل الباحث في الموروث الشعبي الامازيغي الى «بيضة سيزيف» بأبعادها الاسطورية الملحمية والفلسفية تجارب مسرحية تنتصر لذكاء الطفل وتحترم عقله الصغير وتشجعه على تحفيز خياله والرحيل مع الكلمات والموسيقى الى عالم متخيل جميل.
«بيضة سيزيف» العمل المسرحي الجديد نص وإخراج فتحي بن عمر، مسرحية تندرج في اطار ما يسمى خيال الظل او خيال الستارة او شخوص الخيال تسميات متعددة لفن واحد ينجزه محركين وممثلين خلف ستارة بيضاء لا يراهم الجمهور بعينيه بل يراهم بقلبه اثناء التركيز مع حركات الشخوص والدمى المتحركة، مسرح صعب ينفي الوجود الجسدي للممثل او المحرّك ويعوّض بقدرة ذاك الممثل على شد انتباه جمهوره من الاطفال من خلال النص والموسيقى وطريقته في تحريك الشخوص.
والممثل في العمل الواحد يتقمص اكثر من شخصية وخامات اصوات مختلفة ويحرّك شخصياته ببراعة تستثير خيال الطفل وتشده للحكاية اولا ولانتظار انتهاء العرض لمعرفة من يقف خلف تلك الستارة ثانيا، فمسرح خيال الظل هو لعبة الضوء والعتمة، ثنائية الفرجة والسؤال المؤدية الى المتعة البصرية.
«بيضة سيزيف» او «بيضة الحياة» الى طروادة وأساطيرها يحمل فتحي بن عمر جمهوره من الأطفال يعود بهم الى قصة حبّ «هيلين» و»باريس» ذاك الحب الذي دمّر طروادة لانه قام على الغشّ (تعرف انني اتقن التخفي ظهرت لهم بعباءة زوس وقلدت صوته فصدقوا انني زوس وسلمتك عصا الطاعة)، يحملهم من خلال نص مكتوب بعربية بسيطة ومقنعة الى قدر سيزيف وإجهاده وهو يصعد بالبيضة الى اعلى الجبل قبل ان تتدحرج وتعود الى الوادي وهكذا يكرر العملية التي وصفها البعض بلا عقلانية الحياة.
في طروادة تحديدا في القصر (يشار اليه من خلال صورة للكابيتول والأعمدة الموشاة بالنقوش) يتحدث الجميع في المملكة على اعطاء «زوس» عصا الطاعة (كرسي العرش) و»بيضة الحياة الى باريس ليكون الملك بعده، ويزوجه اجمل نساء اليونان «هيلين»، يهتف الشعب بحياة الملك الجديد، تتحدث الحيوانات عن سرّ اعطاء عصا الطاعة والحكمة لباريس وليس لسيزيف الحكيم، في المسرحية تتداخل الشخصيات في علاقة بالموضوع المطروح، يميل كاتب النص الى الطرح الجمالي الفلسفي مع مراعاة خيال الطفل وقدرته على التحليل وفهم العمل فكانت المسرحية مشوقة مسكونة بالعجائبية من خلال حركات الشخوص والموسيقى وكذلك الحوار.
تتصاعد الاحداث في المسرحية، تحدث عقدة العمل بعد قرار باريس بقتل كل حيوانات البوم، هنا يقرر الاصدقاء الثلاثة (البوم، الغراب، الهدهد، بمساعدة سيزيف) قطع الحبل وإسقاط بيضة الحياة «، حان وقت انهاء الاساطير فبسقوط بيضة الحياة تسقط الاسطورة ويتعلم الناس إعمال العقل والتفكير فرسالة المسرحية دعوة الطفل ليفكّر ويحلل ويناقش ولا يكتفي بالمسلمات ولا المعتقدات وحكايات السابقين، اساطير الاولين مجرد تراث يمكن قراءته والإنصات له في الحكاية دون الالتزام بما جاء فيه فلكل جيل قصصه وحكاياته ولكل وقت افكاره المختلفة، فأعملوا الفكر ايها الاطفال وأنيروا عقولكم بالعلم فهو سبيلكم الوحيد للنجاح.
تماهت عناصر السينوغرافيا لإنجاح العمل فنيا وتقنيا
مسرح خيال الظل هو عبارة عن ستارة بيضاء رقيقة مشدودة على قوائم خشبية، ويقف اللاعبون خلف الستارة ومعهم مجموعة من الشخوص (الدمى)، وهي حيوانات (الغراب والبومة، والهدهد) والأشياء الجامدة مثل السفينة والأشجار والقصر لهذه الشخوص مفاصل وثقوب يدفع فها اللاعب عصيه لتحريكها، عند العرض، تطفأ الأنوار في أماكن المشاهدين الذين يجلسون امام الستارة، ويلصق اللاعبون عرائسهم بالستارة، ثم تضاء الانوار خلف العرائس؛ وهنا يري المتفرجون ظلالها واضحة في الجهة الأخرى هكذا يصفون مسرح خيال الظل، فالجمهور لا يشاهد الممثل على الركح بل يتحسسه تمثيله عبر الدمى التي يحركها والنص المسموع والإضاءة والموسيقى.
في «بيضة سيزيف» يكون للموسيقى تأثيرها المباشر على تطور السياق الدرامي للأحداث، الموسيقى هي الفيصل بين المشاهد وهي وسيلة شخصية «سيزيف» للتعبير عن غضبه من خبث الملك باريس، الموسيقى ايضا مطية ليعرف الجمهور انفعالات الشخصيات وطريقة كلامها وفي العمل اعتمد المخرج على فنان مبدع عرف بموسيقاه المختلفة وهو زين عبد الكافي الذي سبق وان تحصلت موسيقى مسرحية (سوق سوداء) على افضل جائزة فجمالية الموسيقى وقدرتها على دغدغة فكر الطفل واشعاره انه جزء من الحكاية وكذلك تشجيعه على الحلم والخيال من براعات زين عبد الكافي العارف بنوتاته جيدا.
للسينوغرافيا بكل مكوناتها دورها في انجاح العمل المسرحي والإضاءة ركن اساسي في المسرح، الاضاءة فنّ يتقنه تقني الاضاءة،ومسرح خيال الظل هو لعبة الضوء والعتمة اي انها لعبة الاضاءة بامتياز من خلال الاضاءة يمكن فهم حركات الشخصيات ومعها تختلف المشاهد، الاضاءة تمنح الفرصة للمحرك ليغير الشخصية، فالإضاءة في مسرحية «بيضة سيزيف» وسيلة الطفل ليرحل الى العوالم المكانية والزمانية للأحداث، هي مطيته ليكتشف الشخوص والفضاءات المستعملة، الاضاءة تسهّل رسائل العمل ليعرف الطفل الفرق بين الليل والنهار ويميز بين الخير والشرّ فالإضاءة ليست فقط «بروجوكتور» بل فنّ يستطيع ممارسه تفكيك العمل وإنجاحه او التسبب في فشله، وفي المسرحية يقف خلف الاضاءة فنان مميز، فنان احب الضوء وتألق فيه وأصبح اسمه يرتبط بنجاح العمل المسرحي هو صبري عتروس البارع في لعبة الضوء والعتمة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115