موضوع المراهقة في الدراما: أنصتوا إلى أبنائكم وافهموا اختلافهم قبل حلول الكارثة

«أولادكم ليسوا لكم، اولادكم ابناء الحياة المشتاقة الى نفسها، بواسطتكم يأتون الى العالم لكنهم ليسوا منكم، ورغم انهم يعيشون معكم ليسوا ملكا لكم،

انتم تستطيعون ان تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تستطيعون ان تغرسوا فيهم بذور افكاركم لان لهم افكار خاصة بهم، وبامكانكم ان تصنعوا المساكن لأجسادكم ولكن نفوسهم لا تقطن في مساكنكم فهي تقطن في مساكن الغد التي لا تستطيعون ان تزوروها ولا في أحلامكم» هكذا كتب جبران خليل جبران، جمل تطابقت مع مواضيع طرحها مسلسل «الفوندو» في علاقة بفئة المراهقين ومعاناتها.

هي الفئة الاكثر هشاشة، فئة المراهقين التي تعيش بين نظام العائلة والانفتاح على وسائل التواصل والعالم القرية، فئة المراهقين وما تعيشه وكيفية تفكيرها هي من المواضيع المطروحة في الدراما الرمضانية، فالدراما وسيلة لينتبه المواطن الى بعض العلاّت الموجودة في مجتمعه.
بالعودة للواقع انتشرت في الفترة الاخيرة نداءات لحماية التلاميذ من الاعتداءات الخارجية من مراهقين يقاربونهم نفس العمر، انتشرت ظاهرة استهلاك المواد المخدرة لدى التلاميذ المراهقين وارتفع منسوب العنف (ابطال مسرحية شانطي لفضاء «مسار» اشاروا الى العنف المسلط على المراهق) لدى فئة جد حساسة وطريقة التعامل معها صعبة على الولي والأستاذ، عنف ادى الى حادثة اعتداء تلميذ على استاذه في أحد المعاهد التونسية .

عنف هذه الشريحة المجتمعية اشارت إليه الدراما الرمضانية اشارات متفاوتة لكنها ذات معان، فالمراهق يحتاج إلى الرعاية النفسية ويستحق الاهتمام والإنصات اليه و الى افكاره وحكاياته وهمومه قبل الاكتفاء بـ«المصروف» وتوفير ظروف معيشة حسنة، المراهق مثل «القنبلة» القابلة للانفجار إذا لم تتوفر ظروف الرعاية النفسية المطلوبة، رعاية قد تغير مصير المراهق من طريق العنف الى الامل والحياة.

يلجأ المراهق إلى العنف لعدة اسباب أولها العائلة، فإهمال الأب أو الأم للابن المراهق يجعله يبحث عن مكان آخر لإفراغ شحنات غضبه فيهرب الى العنف وممارسته على الآخرين، لفظيا ونفسيا من خلال شخصية «مومو» في مسلسل «الفوندو» اخراج سوسن الجمني، تضع متابعي المسلسل امام تلميذ مراهق يكره الدراسة وينخرط في سياق «الفساد» والهروب الدائم من المعهد وترهيب اترابه ومع الأحداث يكتشف المتفرج ان الاب هو السبب الرئيسي وهو الذي زرع كمية العنف في الطفل، هو الذي يواجهه بالتعنيف الجسدي والنفسي كلما أخطأ الاب يعتقد ان الضرب وسيلة مثلى للتربية دون الانتباه الى اختلاف الاجيال والأفكار.

شخصية «مومو» في المسلسل توجد منها نسخ كثيرة في المجتمع التونسي فكم من طفل كره واقعه ويومه بسبب عنف الاولياء وغياب التواصل معهم «بابا تمنيتك تسمعني وتسألني، موش تضربني من غير ما تسمع منّي»، هي دعوة مباشرة للأولياء متابعي العمل للانتباه لأطفالهم والإنصات اليهم أكثر، فترة المراهقة صعبة على الطفل والولي في الوقت نفسه، فترة تحتاج الكثير من العناية فالطفل «مومو» بمجرد ان وجد استاذة تسمعه وتنصت الى افكاره تغيرت تصرفاته وتحسنت نتائجه الدراسية «فرحانة بيك الاساتذة شكروك، تحسنت نتائجك واختلفت تصرفاتك في الشارع ايضا»، المراهق وجد من يفهم جموحه ويسانده بدل العنف بوسائل ترفيه اخرى وطريقة تفكير مغايرة فأنصتوا الى ابنائكم وأنقذوهم من غول العنف كما تقول الشخصية.

تختلف الاسباب المؤدية الى العنف لدى المراهق وحسب الدراسات يعتبر الفقر من الاسباب التي تغزو عقل المراهق وتدفعه للعنف والسرقة بغاية تحقيق عدالته الاجتماعية الخاصة «هاك تشوف الوضعية، السقف يقطر وأمي ماتخلطش» وفي المسلسل ذاته اختارت كاتبة النص شخصية «بلال» لتجسيد واقع المراهقين الفقراء الباحثين عن المال بكل السبل ولو بالسرقة كان السرقة وترهيب الاخرين «البراكاج» وكلما جوبه بأفعاله الخاطئة كانت التعلة الفقر، شخصية بلال هو الاخر ينتمي لعائلة لا تنصت لأبنائها ولا تبحث في مواهبهم او قدراتهم بل تكتفي ببعض الشتائم وقليل من الكلمات المنهكة للنفس وكأننا بالأم تحاسب ابنها فقط لأنها انجبته.

فئة المراهقة من المواضيع التي اشارت إليها سوسن الجمني في مسلسل الفوندو، في العمل اختارت شخصيتين تختلفان في التكوين النفسي والتحصيل العلمي والوضع المادي لكنهما تتشاركان في العمر وفي كره الواقع واللجوء الى العنف، لكل شخصية أسبابها توضحها مخرجة العمل في مشاهد عديدة بداية من الجزء الاول وصولا الى الجزء الثاني، تشرّح الظاهرة وتضعها امام الولي لينتبه الى اخطائه في التعامل مع ابنه المراهق، فالأبناء ليسوا بالضرورة نسخة من الاولياء، للأبناء واقع مختلف وطريقة تفكير أخرى، لهم مستقبلهم وحاضرهم الذي يختلف كثيرا عن ماضي اوليائهم والمراهق يحتاج الكثير من الانصات والاهتمام النفسي قبل ارتكابه لجرائم كبرى.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115