في ضيافة الصيام: من رسائل الصوم (2)

إنها رسالة الرحمة الإلهية للخلق أجمعين، فإن الله أراد لهم سعادة الدارين، فسخر لهم ما في الأرض، وهيأ لهم أسباب تلك السعادة على أبهى وأجلى صورها،

ومهد لهم بعفوه سبل النجاة، وأوقد لهم معالم الفوز على طريق الحياة، ولم يدع من خير إلا وأمر للأخذ به، ولم يدع من شر إلا وحذَّرهم منه، وأشرع لهم بسابق رحمته أبواب الرضوان الأكبر، يقول الله تعالى في الحديث القدسي (أنا عند ظن عبدي بي؛ وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلى شبرا، تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إلى ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).
وإنها دعوة من الله لعباده إلى صدق الإنابة وسمو التقوى التي تترجم تلك الإنابة بالعمل الصالح "منيبين إليه واتقوه « .

وفي شهر الصوم تزدان أسواق الرضوان وتزدهر بالاعتكاف، حيث يتخلى المرء عن شهواته وملذاته وزياراته وبهرج دنياه، ويقبل بكليته على مولاه، والاعتكاف نوع من التربية الربانية الروحية، وهو السُّمُو الأعلى للنفس البشرية التي تناجي ربها وتقنت له، وتدخل بكليتها في ديوان رضاه، لتصوغ توجهها صياغة ربانية تقوم على توحيد الله والالتجاء إليه، ومن ثم تسعى في فعل الخير المتمثل في إعمار الأرض بالأمن، الأمن الذي يجد فيه الإنسان ذاته، فيسعد في رحاب هَدْيِ الله تبارك وتعالى، بعد أن نجح في حيازة وثيقة الإيمان.
فالإسلام بهذا يدعو إلى الزهد المتميز بالنقاء الروحي، أي بالظمأ إلى ما يرقى بالنفس الإنسانية، مع محافظته على حاجات الجسد للبقاء في خدمة ذلك الرقي، وهنا تتجلى ما للروح من تأثير سامٍ على الجسد، فإذا ما تغلبت شهوات الجسد على تأثير الروح، سقط الإنسان في يد الشيطان، فيأخذه إلى البوار في الدنيا، والخسران المبين في الآخرة .

إن العناية بسمو الروح تعني البدء بالسير على هدى وبصيرة من الله، وأما العناية بمتطلبات الجسد الحيواني فإنها ارتكاس وتدنٍّ إلى أسفل، حيث الشيطان ومساراته الهابطة .
وهنا يكون الصوم علاجا لهذا الارتكاس، ومنقذا من طغيان حاجات الجسد إذا لم تقيدْها شريعةُ الله، وتوجهها تعاليمُه القويمة .

ويكون الصوم سلاحا ذا أثر فاعل للانتصار على العدو البغيض للإنسان ألا وهو الشهوة المحرمة التي تكون حجابا بين العبد وربه سبحانه وتعالى . ويكون الصوم موسما للاستعداد بقبول مكارم الأخلاق للنفس، فبها يكون الإعمار للمجتمع الإنساني الذي يريده الإسلام على وجه الأرض .
فالجسد يصوم عن الطعام والشراب والشهوة، واللسان يصوم عن الغيبة والنميمة وشهادة الزور، والعين تصوم عن النظر إلى المحرمات ... وهكذا فإن جميع أعضاء الجسد تصوم عمَّا لا يحق لها أن تستبيحه في ليل أو نهار.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115