فيلم «النهارده يوم جميل» لنيفين شلبي في افتتاح المهرجان الدولي لفيلم حقوق الانسان: إلى كل النساء، ثرن على الشّرع والقانون إذا لـم يحترم انسانيتكنّ

هل تتمتع المراة بحقوقها؟ هل أن للمرأة في كل الاقطار العربية القدرة على كسب قضية تشتكي فيها زوجها بعد تعرضها للعنف النفسي والجسدي؟

هل أن للمرأة قدرة على البوح بالاغتصاب الذي تتعرض له من زوجها؟ هل ينصفها المجتمع ام يتهمها بالنشوز؟ هل ينصفها القانون أم هو الاخر يكبّلها ويضيق عليها الخناق؟ هل أن للمرأة القدرة على رفض العلاقة الزوجية واعتبارها انتهاكا جسديا لها؟ هكذا تتساءل كاميرا المخرجة نيفين شلبي في فلمها «النهارده، يوم جميل» وهو فيلم روائي يسلط الضوء على معاناة المراة في المجتمع المصري وفي المجتمع العربي ولعل اكثر المواضيع التي عرضت الفيلم للانتقادات هي «الاغتصاب الزوجي».
الفيلم بطولة باسم سمرة وهنا شيحة ونجلاء بدر وأحمد وفيق ومحمود الليثي وإيمي إسلام وانتصار وإيمي سلطان ورمزي العدل، مأخوذ عن المجموعة القصصية «هضبة المقطم» للكاتب علاء سليمان سيناريو وحوار دينا السقا ونيفين شلبي عرض في افتتاح المهرجان الدولي لأفلام حقوق الانسان الثلاثاء8مارس 2022 بقاعة الاوبرا بمدينة الثقافة.
الاغتصاب الزوجي: الجريمة المسكوت عنها باسم الشرع؟
تنتصر المخرجة للمرأة، تنتصر لحقوقها وتشرّح كل أنواع العنف المسلّط عليها، في فيلم روائي طويل نقل أكثر من شخصية ووضعية تتماهى الألوان المستعملة في الصورة مع موضوع العمل ونفسية الشخصية، في فيلمها اختارت المخرجة ان تقترب الكاميرا كثيرا من الوجه لتقرّب الوجع الى المتفرج وتدفعه ليشارك الشخصية إحساس الخوف والألم.
في فيلمها تطرح نيفين شلبي موضوع من المسكوت عنه قانونيا في اغلب الدول العربية «الاغتصاب الزوجي»، اختارت المخرجة شخصية «سميحة» (هنا شيحة) العاملة بالبنك، امرأة لها كيانها المادي وعاملة ومثقفة لكنها تتعرض للاغتصاب الزوجي ولا تملك القدرة على الدفاع عن نفسها «الله يهدي سركم» هي الكلمة التي تلتقطها من العائلة حين اشتكت من طلبات زوجها الجنسية التي لا نهاية لها.
«سميحة» امرأة مصرية وعربية، أنموذج يوجد كثيرا في مجتمعاتنا العربية، امرأة تعيش مأساة الاغتصاب الشرعي والقانوني) اليومي، هذه الجريمة التي يصل العقاب فيها إلى المؤبد حين تتعرض لها المرأة من طرف شخص غير الزوج، لكن في إطار الزواج لا يعتبر هذا الفعل «جريمة» عملا بمقولة «كل ما أحله الله لا ينقلب إلى الحرام أبدا».
«سميحة» امرأة تقرر النهوض من خوفها وكسر جدار المجتمع والعادات وتريد الحصول على حقها القانوني من زوجها «مغتصبها» بعد تعرضها لإجهاض قسري، في العائلة لا تجد سند مجتمعي ولا عائلي، تتجه إلى مركز الشرطة فيخبرها الرائد ان لا وجود لنص قانوني يمكنه مناصرتها ما لم تتعرض الى عاهة مستديمة :»هل شلتي الرحم» فتجيب بلا «مدام مافيش حاجة عندنا اسمها اغتصاب الزوج لزوجته» كما يجيبها.
لكن الثورة الداخلية والشعور بالرغبة في الانتصار يدفعها إلى التوجه لمحام ليخبرها هو الآخر ان موقفها القانوني ضعيف اذ ينصّ قانون العقوبات في مصر «على معاقبة الزوج حال إجبار زوجته على ممارسة العلاقة الجنسية من الدبر، لحرمة هذا النوع من الجماع في الدين الإسلامي، في وقت لم يذكر قانون العقوبات المصري مسمى «الاغتصاب الزوجي»، ولم يشتمل عليه صراحة، برغم تناوله جريمة الاغتصاب في عمومها المطلق فى نص المادة 267، على أن من واقع أنثي بغير رضاها يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد» فالقانون يحمي المراة من العنف او الاغتصاب في الشارع، لكنه يعجز عن حمايتها امام اغتصابها من طرف زوجها ويمكنها فقط «رفع قضية طلاق للضرر، بعد اثبات حادثة الضرب والعنف» فالمرأة هنا تبقى انسانيتها على محكّ الشرع وانسانية القاضي.
«الاغتصاب الزوجي» من المواضيع «التابوهات» في المجتمعات العربية، رغم ان المواثيق الدولية تجرّمه ويعتبر انتهاك مدرج ضمن الإعلان العالمي لحقوق الانسان واكثر من 150دولة حول العالم تعتبر هذا الفعل جريمة، ففي الولايات المتحدة الامريكية تساوى جريمة الاغتصاب بين الزوج وغيره، فرنسا مثلا تفرض عقوبة «الابعاد المكاني» على الزوج الذي يهدد زوجته وكثير من الدول تعتبر ان اقامة علاقة جنسية صريحة دون موافقة احد الأطراف جريمة ويبوّب ضمن بنود «الدفاع عن المراة من العنف»، لكنه في الدول العربية والاسلامية لا يزال محل جدال وممنوع من الخوض فيه بتعلة «المواقعة بين الرجل والمرأة شرعية» كما ان اغلب الدول العربية لم تجرّم «الاغتصاب الوجي» نتيجة لاشتراطات الطاعة في عقد الزواج».
هذا الموضوع غير المباح خاضت فيه نيفين شلبي من خلال شخصية «سميحة» لتقرّب للجمهور أمراة او رجلا مدى بشاعة «مواقعة انثى دون رغبتها» بالاضافة الى تحدى المنظومة المجتمعية التي تستهلك قيم وعادات متوراثة دون اعمال العقل في جدواها، الاغتصاب الزوجي لازال جرم غير مشرّع له في البلدان العربية، في لبنان مثلا طرح قانون عام 2014 لكنه تعرض الى جدل كبير من قبل الشارع وقادة الدينيين المسيحيين والمسلمين فرفض القانون، مصر هي الاخرى لم تجرّمه بعد، اما تونس فهناك قانون قبل 2017 «لا يجرّم الاغتصاب الزوجي لان الرضا بالعلاقة الجنسية أصبح موجبا بفعل الرضا بالزواج، لكن بعد العديد من المطالب والحركات الاحتجاجية النسوية خاصة صدر قانون اوت 2017 وينص في فصله الثالث من الفصل 227 من المجلة الجزائي وعرّف الفصل العنف الزوجي»كل فعل أو قول يهدف مرتكبه إلى إخضاع المرأة لرغباته أو رغبات غيره الجنسية باستخدام العنف والإكراه أو التغرير أو الضغط وغيرها من الوسائل،وذلك بغض النظر عن علاقة الفاعل بالضحية» فالمشرّع هنا لم يستنثي الزوج من الإدانة، لكن العديد من النساء لازلن يصمتن على جريمة الاغتصاب الزوجي خوفا من المجتمع وردة فعله.
تواصل الشخصية تمسكها بحقها القانوني في مقاضاة الزوج المغتصب، ليكون آخر مشهد الدخول إلى المحكمة مصحوبة بمحاميها والطبيب الذي استقبل الحالة، وانتظر الجمهور جملة «حكمت المحكمة حضوريا بالسجن على المتهم احمد بعد ثبوت أدلّة الاغتصاب الزوجي التي تعرضت لها الزوجة سميحة» لكن المخرجة اختارت أن تكون النهاية مفتوحة وتركت باب التأويل مفتوحا أمام الحقوقيين والمدافعين عن قضايا المرأة.
كوني قوية وواجهي المجتمع وانتصري فقط لذاتك
الأنثى ليست وعاء جنسي ولا صندوق لمواد التجميل، المرأة كيان مستقل قادر على الحلم واثبات ذاته، المرأة إنسان كما الرجل فلم كل النظرة الدونية لها في اغلب المجتمعات العربية، في مجتمعاتنا تخاف المرأة الخروج ليلا، تعجز عن لباس ما تريد، يضعون لها قالب جمال واحد وفكر موّحد وطريقة عيش لا حياد عنها، يريدونها زوجة مطيعة وعشيقة تمتع وابنة لا ترفع رأسها وأنثى مسلوبة الارادة هكذا هي النظرة الذكورية في اغلب المجتمعات، نظرة تحاربها الحركات النسوية منذ عشرات الاعوام، ومن خلال الكاميرا كشفت نيفين شلبي عن قبح المجتمعات في نظرتهم الدونية للمرأة من خلال اربع نساء لكل واحدة وضعيتها وقصتها لكنهن تشتركن جميعا في قبح المجتمع وتشويه لانسانية المراة وحصرها في خانة الجنس والجمال.
الاولى تواجه مشكلة «البدانة» شخصية قدمتها الممثلة نجلاء بدر لامراة كانت جميلة جدا (حسب منظومة مجتمعية معينة)، رشيقة القوام ونحيفة، بعد الولادة تتعرض لمشكل البدانة قليلا فيتركها زوجها ويعاملها كحالة اجتماعية وتكتفي علاقته بها باقتناء أدوية «التخسيس» دون الاهتمام بالجانب النفسي والانساني لها، هي الأخرى تصنع ثورتها الداخلية وتجعلها المخرجة في وضعية النصر بعد كشف خيانة زوجها.
الثانية مهووسة بعمليات التجميل ولا تستطيع إبراز جسدها في الضوء لزوجها خوفا من تركه لها، زوج لا تشبع رغباته كل النساء، كلما شاهد أنثى أصبحت غريزته سبيله، كلما شهد نوع من التجميل طلب من زوجته تجريبه، وكان بهذه المرأة مجرد كادر يفرغ فيه الزوج كل رغباته الجنسية والجمالية كما يراها.
في «النهارده يوم جميل» تنتصر المخرجة للمرأة، تبرز كمّ العنف والضيم المسلط عليها لكنها تنتصر لها في النهاية، كل شخصياتها النسائية نجحن إلى حدّ ما في القضايا التي يخضنها، من خلال الفيلم تؤكد المخرجة أن المرأة هي القادرة على إثبات ذاتها وافتكاك حقوقها، المرأة كيان مستقل يمكنه خوض أشرس المعارك والانتصار فيها طالما ابعدن عنهن شبح الخوف من المجتع.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115