مع اللوحات المنجزة، ثلاثون عاما من تجربة الخلق يعيشها محمد البعتي النحات والفنان التشكيلي الملتزم بقضايا الأرض والإنسان وسؤال الخلق والتجديد في أعماله التشكيلية.
أعمال تعبر عن القضايا التي تشغله، اعماله جزء من الذاكرة والروح يتقن الرسام اعادتها الى الحياة في معرض سماه «اجنحة الحرية 5» وهي تجربة تشكيلية انطلقت منذ العام 2013، تجربة ابداعية مختلفة تحط رحالها الجمعة 18فيفري الى غاية يوم3مارس برواق الفنون ببن عروس.
سكنته الشابة فحوّلها إلى تجربة ابداعية
يتقن الفنان قراءة الواقع، له قدرة على اختراق الذاكرة وتجميع الذكريات في شخوص حيوانية وانسانية يتمثلها في عمليته الابداعية، هو ابن الشابة، من بحرها وريفها تشكلت الملامح الأولى لتجربة تشكيلية ستنضج بمرور الأعوام، تجربة محمد البعتي في التشكيل ولدت من محيطه الاول مدينة الشابة، سكنته المدينة بكل تفاصيلها التي سكبها في لوحاته التشكيلية، انبهر بزرقة البحر التي باتت محور التجربة اللونية للبعتي، من البحر يستلهم القضايا والحكايات التي يرسمها بطرق مختلفة، فنان منشغل بقضايا اليومي مثل الحرقة والحرية والتحرر ومواضيع كثيرة يضعها أمامه على المحمل الأبيض يسكنه بالكثير من زرقة البحر ويرسم المشاكل في اسماك تختلف أحجامها حسب ثقل القضية ومسؤوليتها، فلكل ركن من المدينة وكل ما يتعلق بحياة البحر والبحارة بات مادة تشكيلية دسمة لتجربة تجاوزت الثلاثين عاما من الإبداع والتفرّد.
«أجنحة الحرية 5» هو عنوان المعرض التشكيلي الجديد لمحمد البعتي في رواق الفنون ببن عروس، «اجنحة الحرية» ترفرف بعوالم البعتي التشكيلية فاغلب لوحاته لا يمكن حصرها في مدرسة واحدة لا ينطبق عليها التشخيصي او التجريدي ولا الواقعية، في أعماله يأخذ من جميع المدارس التشكيلية ليرسم عوالم تنبض بالحبّ والاندفاع الى الامل والحياة، لتكون أجنحة الحرية تجربة وليست معرض تجربة انطلقت منذ العام 2013 ولازال يرسم البعتي أفكاره وشواغله ولازالت الأجنحة ترفرف في عالم يدمج الواقعية بالسحرية في تناول الموضوع وطريقة تجسيد الفكرة.
يتقن البعتي الفصل بين شخصية النحات والرسام، يترك للاولى التفاصيل ويعطي للثانية الكثير من الالوان، فمحمد البعتي فنان تشكيلي اكاديمي متحصل على شهادة الاستاذية في الفنون التشكيلية (اختصاص نحت) ثم شهادة الماجستير والدكتوراه في علوم وتقنيات الفنون، استاذ درّس الفن التشكيلي في المعاهد الثانوية ثم المعاهد العليا، فنان يتقن اللعب بالريشة واللون، مغامر لا يخاف العوالم التشكيلية المتفردة لذلك ولدت اعماله متفردة وموغلة في الصدق في التعامل مع اللون والفكرة المطروحة، في بداياته اكتفى البعتي برسم حيوانات البحر واصدافه وكان له عين ثالثة يرى بها عمق المحيطات، يسكنها بالكثير من الالوان خاصة الازرق، ثم اضاف الاشخاص البشرية اما متمثلة في الوجوه واضحة المعالم او اعضاء من الجسد الانساني يتقن توظيفها داخل عالمه البحري، تجربة تشكيلية تطور تدريجيا وتنضج يوميا ليصبح صاحبها صوت لصدى الامواج وحكايات البحر واصوات «الحارقين» الذين اكل البحر أحلامهم.
مدارس مختلفة والحلم واحد: التفرّد
الفنان ابن بيئته ومن محيطه البحري انطلقت التجربة التشكيلية لمحمد البعتي الذي أتقن الإنصات إلى اصوات البحارة وموسيقى البحر ثمّ حول تلك الهمسات والصرخات إلى أعمال توغل في رسم القيم الإنسانية، في لوحاته يشتغل الرسام على المعطى البيئي من خلال حضور طاغ للون الأزرق بتدرجاته مع أشكال متنوعة للأسماك وحيوانات قاع البحر جميعها تتماهى في أعماله التشكيلية التي تنطلق من الواقعي لتوغل في التجريد، أصوات البحارة وآلامهم يلتقطها البعتي في لوحاته، بعض اللوحات تشعرك انك أمام طاقة من الصراخ والوجع، يلتحم الأزرق مع الاسود وينثر اللون الاحمر على البياض، حركات الشخوص والوجوه تشعر الناظر بالاضطراب وكأنّ بالبعتي يترك لقلبه حرية الإنصات لوجع البحارة وتنطلق ريشته في ملامسة ذاك الخوف ونقله بالوان حارة توجع العين وتدفع الانسان للسؤال.
فلو قدر لأحدنا أن يرقب البعتي في مرسمه وهو يصارع حالات التكوين، فقد نفاجأه منهمكا في تفكيك الحالات وإعادة تشكيلها في هيئات تجريبية، حتى أن كل حالة تصبح حشدا من الحالات التي تأخذ أشكالا خاصة، تشدها ألوان متداخلة وتتنافذ فيما بينها، لتحدث في هدوء اللوحة ضجة ومتاهات، هي مشاهد متداخلة قد يكمل بعضها الآخر، وقد يناقض بعضُها الآخر. وفي كل مراحل التكوين تتملك الفنان الحيرة والهواجس وهو ما بين ركوب المغامرة ومهادنة الأفكار، وينتهي من لوحته وكأنه يقول : «لو اكتملت فإنها لن تكون هكذا، لأنها الآن في أوج انفتاحها» كما كتب احمد الصولي في ديوان العرب.
«اجنحة الحرية» تجربة تشكيلية تختلف مواضيعها المطروحة، هي غوص في اعماق الالوان وحكايات البحر يستعديها البعتي ويعيد تشكيلها تمثلا لفكرة الحرية.
التجربة التشكيلية لمحمد البعتي في رواق الفنون ببن عروس: رحلة البحث عن الحرية في تمثلات البحر واللون
- بقلم مفيدة خليل
- 11:32 18/02/2022
- 1207 عدد المشاهدات
ثلاثون عاما من معانقة اللون والخطّ، ثلاثون عاما من المزج بين النحت والتشكيل في عوالم إبداعية تنصهر فيها الروح وتتماهى