في اليوم العالمي لمرضى السرطان: ديوان «حمالة صدر بعين واحدة» للشاعرة فاطمة بن فضيلة

• طفلة تصنع بِلَعِبها العفويّ حياة أخرى للحياة»

ديوان شعر بروح مختلفة، زيّنت داخله الكلمات كحبّات اللؤلؤ في عنق الأميرات ديوان شعر كتب برائحة الخوف والتحدي، ديوان شعر وقصائد هي خلاصة لتجربة الكثير من النساء اللواتي يقضين الساعات تحت الة «الشيميو» وبعد كل ذاك الوجع والتعب يحملن انفسهن ويعدن الى الحياة الطبيعية مبتسمات وحالمات.

ديوان شعر صدر الى النور بعد سنوات من التحبير واختيار الكلمات والكتابة «فالشعر دوائي، وبالشعر ازرع نفسي بحقول من زهور القوة والجمال» كما تقول صاحبة «حمالة صدر بعين واحدة، الشاعرة والمربية والنقابية الشرسة فاطمة بن فضيلة التي اهدت ديوانها الوليد الى كل مريضات السرطان في احتفاء تونس باليوم العالمي لمرضى السرطان الموافق ل15فيفري من كل عام.

فاطمة بن فضيلة امرأة شاعرة مبدعة ومكتظة بالحياة، قاومت السرطان ولازالت تقاومه، كلما نخر القليل من الجسد واجهته بالحب والشعر، فاطمة صنعت من مرضها قوة، صنعت من وجع السرطان وألم الادوية ترياقا للمواصلة، فاطمة بن فضيلة استاذة تدرس تلاميذها وتعلمهم منهج الحب والأمل في الحياة لم تتقاعس عن مهنتها التي احبتها بشغف رغم الألم فاطمة امرأة تشبه الكثيرات من نساء هذا الوطن قوية وحالمة، يعجز السرطان وغيره من الامراض عن الحد من ارادة حب الحياة لديها، تكتب للحب وبالحب، تدافع عن المهرجانات الشعرية وتشارك فيها وتتنقل بينها بعزيمة جدّ مميزة، قد تسكنها صفرة في الوجه احيانا، تساقط الشعر كثيرا لكن جمال الروح ظل بهيّا، تراها منهكة وخائرة القوى تتحرك ببطء لكنها تصرّ على الحضور ومتى قرأت شعرها بعثت فيها روح اخرى ووقفت شامخة تعانق نخيل الجريد كما كانت في مهرجان توزر للشعر.
أنا فاطمةُ يا أبي
أنا غفوةُ النّهرِ
أسيلُ من النّبعِ مجردةً
لأسقيَ الفراتَ
انزلقتُ من الأرضِ
و كانتْ هناكَ
معلّقةً في الأعالي أنا غفوةُ النّهرِ يا أبتِ
أنا فاطمةُ

«حمالة صدر بعين واحدة» تجربة شعرية انسانية، وثقت فيها الشاعرة لمعاناة النساء مع هذا المرض، كتبت للأمل رغم الالم، كتبت لهنّ تشجعهن على المقاومة، فاطمة كتبت للنساء اللواتي رحلن بسرعة بسبب التنقل المتعب بين الشمال واريانة اين يوجد المستشفى الوحيد المختص في علاج مرضى السرطان، كثيرات اخترن انهاء الصراع من الجولة الاولى فسبّب رحيلهنّ جرحا غائرا في الروح عالجته بالكتابة والرسم، الديوان تجربة الكثير من النساء التونسيات اللواتي يقاومن بصمت وينتصرن احيانا وبعضهنّ يقررن الرحيل.
فتجربة مرض السرطان فتحت افاقا جديدة للشاعرة، اكتشفت عالما من التعب اليومي والكفاح المستمر والتشبث بالحياة لنساء كثيرات يقاسمنها نفس المرض، تجربة مريرة كشفت لها الكثير من المعاناة لنساء يتحملن الم «الشيميو» والأدوية فقط ليواصلن حياتهنّ البسيطة، بعضهن يقطعن مئات الكيلومترات من اقصى الشمال وأقصى الجنوب ايضا وينتظرن الساعات ليجمع لهنّ الاطباء قطرات من الادوية المتبقية للتحصل على جرعة ثم تعود الى بيتها بالنقل العمومي وكأنهن كنّ في فسحة، ليولد الديوان كما تقول الشاعرة «صوت للواقفات، صوت المبتسمات وصوت المدافعات عن حقهنّ في الحياة، هو صوت مقاومات السرطان في زمن شحّت فيه قطرات الدواء».

«حمالة صدر بعين واحدة» ليس فقط ديوان شعر بل خلاصة تجربة مع المرض هي امانة تحملتها الشاعرة لإيصال اصوات النساء وهي النقابية التي اختارت ان تكون صوت المستضعفين والحالمين، الكلمات صوت النساء اللواتي يجتمعن في انتظار الدواء، الكلمات هي قصصهن وأحلامهن المؤجلة بسبب المرض، «حين اكتشفت مرض السرطان في العام 2017 قلت انني وجدت كنزا للكتابة غير متوفر للجميع، مع بداية حصص الكيميائي تعرّفت على نساء كثيرات وعرفت قصصهنّ وحكاياتهنّ وشاركتهنّ اوجاعهنّ» وتضيف «حين اكتشفت مرضي بالسرطان، في البداية خفت كثيرا وشعرت انني في نفق مظلم وتائهة وحزينة، ثمّ قررت ان الوقت لا يصلح للحزن أصلا فالسرطان ذاك الغول الذي لا نتحدث عنه، إلا همسا ونخفيه كأنه الخطيئة الكبرى، ذلك المارد الجبار الدموي، اقلم سكاكينه واكوّره تحت وسادتي كأي شيء تافه وأنام كل مساء، انا لا أقاتله ولا أصارعه ولا أحاربه، أنا فقط أحيا وسأقتله مرتين، مرة لأنني احيا نكاية فيه ومرة لانّ حرفي لن يخذلني وان خذلني الجسد» حسب تعبير الشاعرة فاطمة بن فضيلة، مضيفة «انا لا اكتب لأنني قوية، بل انا قوية لأنني أكتب الكتابة انقذتني من الاستسلام للمرض»..
حمالة صدر بعين واحدة، تجربة شعرية انسانية، تجربة تكرم من خلالها فاطمة بن فضيلة النساء اللواتي قاومن السرطان ليواصلن الحياة، وهي ايضا تحية لمن غادرن وعجزن عن المواصلة مثل «ليلى» التي لازالت الشاعرة تتذكر ابتسامتها والتي رثتها في قصيد:

جمعنا السرطان يا ليلى ولم يفرقنا الموت»
أكتب من مأتم
صديقتي في السرطان
توفيت البارحة
نهشها مثلما تنهش هذه القصيدة
كبدي الآن
المعزيات يرمقن اصابعي وهي تتحرك
فوق لوحة المفاتيح
و القصيدة تنهش أطرافي
منذ اسبوع اخبرتني أنها ستموت
لم ازرها
ماذا سأقول لذاهبة الى الموت
هل اقول لها مثلا
تدثري جيدا
الطقس بارد هناك
خذي معك بعض الكتب للتسلية
أم أرسل معها بعض المقالات
لأولاد أحمد
ورسائل مشفرة لشكري بو ترعة»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115