سيدة من سيدات الشاشة التونسية،عاشقة للركح ومحبة لهويتها ، طاقة من الحب كلما تحركت وزعت ذاك الجمال الخفي داخلها، ممثلة ومبدعة ومديرة ناجحة هي انموذج للمراة التونسية القادرة على صناعة النجاح والتميز، وحيدة الدريدي تونسية حرة جمعت في دمائها هوى الفن عند الكافيين وسرى فيها عرق البحار وفلاحة الوطن القبلي وتعلمت من الاحياء الشعبية الصدق.والانفتاح على الآخر.
تونسية مختلفة تصنع طريق النجاح بهدوء، هي ضيفة ركن «البورتريه» في احتفاء بالفلنتاين، احتفاء بالحب وبمبدعين يوزعون طاقة الحب ولنجاح.
من الصدفة وتشجيعات الطيب الوسلاتي ولدت وحيدة الدريدي الممثلة
«رب صدفة خير من الف ميعاد» هكذا تقول الحكمة، فالصدفة وحدها هي التي وضعت تلك الطفلة المولعة باللغة العربية والمشاكسة والخجولة في الوقت ذاته أمام الراحل «عم الطيب الوسلاتي» كما تحب أن تسميه، في مكتبها بقصر العبدلية التقت «المغرب» مع وحيدة الدريدي، بقشابيتها التونسية الجميلة والوانها المبهرة وهي تجلس خلف مكتبها في مكان مشحون بالتاريخ والتراث.
في قصر العبدلية تشرّع نوافذ الذكريات وتبدأ من الطفولة تحديدا من مدرسة الفتيات «نهج روسيا» «قد تكون الصدفة هي التي قادتني الى المسرح في البداية، درست في معهد الفتيات نهج روسيا، منه تعلمنا الانضباط والصدق وحب الأرض والدفاع عن أفكارنا، حينها كان يزورنا دوريا أستاذا مسرح هما نور الدين المطماطي وعم الطيب الوسلاتي واحيانا يزورنا حمادي المزي لتأطيرنا، كنت في الحقيقة لا أحب المسرح ولا ارغب بحضور التدريبات، لكن الجميل الطيب الوسلاتي كان ينهرني بجملة (يا طفلة انت باش تولي ممثلة) جملة سكنتني وربما أصبحت زادي لأبدع في مراحل متقدمة، في المعهد كنت أشارك البرايف والتدريبات بمضض لكن يوم تقديم العرض كنت اختار تقديم فقرة تشبهني اكثر، كنت لا اطوّع وصاحبة موقف، وقد يكون القدر قدّم لي اناسا شجعوا الموهبة الدفينة» كما تقول الدريدي.
امرأة واثقة من نفسها معتدة بذاتها وبتاريخها، طفلة صغيرة حين تعود بالذاكرة الى الطفولة، مرحة وصارمة في الوقت ذاتها، لها هيبتها اثناء الحديث، عسكرية احيانا في اتخاذ القرار «حلمت بالدخول الى الاكاديمية العسكرية، كنت ارغب ان اكون جنديا من جنود هذا الوطن، لكن الوالد منعني، وها انا اليوم ادافع عن وطني وعن حرياته وعن استقلاليته وجماله دون زيّ عسكري، ادافع عنه بالفكر والساعد والمواقف ايضا»، من معهد نهج روسيا الى جامعة منوبة «درست العربية لاني احببتها وتحصلت على افضل عدد في مادة العربية في الباكالوريا، في منوبة انفتحت افاق اخرى للفعل الثقافي، كنت ادرس كاي طالب بهدوء الى ان حدثت النزاعات السياسية والمناوشات بين الطلبة وافتك طلبة التجمع الدستوري الديمقراطي نادي السينما، فقررنا ان نبعث نادي المسرح وانطلقت تجربتي في نادي المسرح، واجزم ان المسرح الجامعي هو من خوّل لي المرور الى الاحتراف بعد حصولي على العديد من الجوائز كأحسن ممثلة».
بين الأمس واليوم يتغير الزمن وتتغير معه المعطيات الثقافية والفكرية وحتى الإدارية، بين حال المسرح الجامعي أمس واليوم تقول الدريدي «أثناء دراستي الجامعية كان الطلبة ينجزون أعمالهم ونصوصهم بأنفسهم، للأسف لم يكن هناك مؤطر لكن هناك رغبة قوية في انجاز الفنون وممارستها، كنا نحلم ونحاول انجاز أحلامنا، والأجمل هو مراهنة الجامعة على الفعل الثقافي كانت هناك إدارات تؤمن بالنشاط المسرحي والسينمائي والنقدي وكانت توفر الديكور والكوستيم لكن فدرالية منوبة كما اسميها كانت توفر اكثر لطلبتها فنحن نقدم الاعمال في العطلة الصيفية فكانت توفر للطلبة المبيت واللوجيستيك والتنقل وكانت تراهن على تميز الاعمال الفنية المقدمة».
والأجمل من كلّ هذه التسهيلات هو التواصل بين الجامعي والمحترف، لم تكن هناك قطيعة مطلقا فكبارات المسرح على غرار محمد ادريس توفيق الجبالي وفاضل الجعايبي والمنصف السويسي وعبد الحميد قياس كانوا يحضرون لمشاهدة عروض المسرح الجامعي ومنه يعززون فريقهم المسرحي المحترف، حضورهم كان يمثل دعامة للقوة لدى جميع الطلبة.
المسرح قدري
يبدو ان الصدف ترافقني وربما كانت للقدر سطوته فهو يدفعني إلى ممارسة المسرح، هكذا تقول محدثتنا ناظرة إلى امتداد بهو القصر امامها، أحببت المسرح جدا اثناء ممارسته لكنني لم احلم حقا باحترافه، ظننتها تجربة ستنتهي مع المسرح الجامعي لكن للقدر موقف آخر حدّ ان أول تجربة في الاحتراف كانت امام الكبير محمد ادريس، لك ان تتخيلي طالبة هاوية تقف أمام محمد ادريس في تلك الفترة، ربما حلم لم يخامرني حتّى، الم اقل لك انّ للقدر موقفه المغاير.
تستفيض في الحكي عن أستاذها الاول، تبدع في ترتيب الكلمات في الحديث عن أستاذ شحنها بالكثير من الثقة بالنفس «في الحقيقة كنا ننجز تدريباتنا على مسرحية بعنوان البتراء او الدائرة السرمدية، نص بالفصحى كتبته وتحصل على الجائزة الثالثة في مسابقة نظمها اتحاد الفنانين المغاربة، وأنجزنا العمل مع طلبة من جنسيات مختلفة، كنا نقوم بالبرايف في دار الثقافة ابن خلدون وكانت السيدة نبيلة كوكي قياس مديرة الفضاء وشاهدت تدريباتنا وحين علمت ببحث المسرح الوطني عن فتاة لتعزز الفريق اقترحت اسم وحيدة الدريدي على السيد عبد الحميد قياس ثم محمد ادريس».
تصمت قليلا، تلاعب الاوراق فوق المكتب، تجذب قلما لتدوين معلومة، تستزيد في طلب الصمت ثم تبوح «تصوّري كنت خائفة ومترددة للوقوف امام محمد ادريس خفت لدرجة رفض العرض في المرة الاولى (انجاز عمل مع ادريس ليس مزحة) حينها اخبروني ان المسرح يتطلب الجرأة لا الرهبة، لكنني كنت حقا خائفة ولا لاملك الشجاعة الكافية لاقف امامهم في عمل مسرحي يقدمه المسرح الوطني، الم اقل ان للصدف والقدر رأيه في علاقتي بالمسرح؟».
من التردد والخوف الى اتخاذ القرار وانطلاق مسيرة مسرحية محترفة «هاوية من الجامعي امام خمسة محترفين فتلك مسؤولية متعبة، في الحقيقة كانت التجربة جد مميزة، قدّم العمل في افتتاح الحمامات الدولي 1997، وتفاجأت بردود فعل الصحافة قمت بحوار مع لطفي البحري، ووردت عناوين مشجعة مثل «منى واصف تونس» و «من الجامعي إلى المحترف» و احمد عامر قال «فتاة خليفة جليلة بكار ورجاء بن عمار» ، مقالات شجعتني على المواصلة وبعدها جاءت العروض من الشركات الخاصة وبدأت مسيرة وحيدة الدريدي في رحاب الفن الرابع.
صنعت مسيرتها باجتهاد، فنانة مختلفة وتقبل على عملها بعقلية العسكري، تتحدى الموجود لتفتك النجاح، مغامرة هي اليوم بتنويع التجارب، «بعد عرض الحمامات رغبت حقا بالاشتغال مع اشخاص احبهم، وجاءني عرض لم اسال حتى عن تفاصيله، كان من المميزة جدا حليمة داود وكنت اعشق تلك المراة واستحضر ثلاثية الواثق بالله الحفصي التي ترافقني من طفولتي، وافقت (حسيت بالدوخة حين اتصلت بي) وانجزنا مسرحية «عشوية عسل» واكبر النقاد المسرحيين محمد مومن كتب عن العرض وأطنب في وصف أداء ممثلة شابة وصاعدة وكتب انه «اكتشاف»، واذا كان محمد مومن شاهد في داخلي ممثلة فكيف لي بقتلها او ابعادها، حينها تيقنت ان المسرح قدري.
أنا امرأة تونسية وجندية تدافع عن تاريخ هذا الوطن وهو واجب
وحيدة الدريدي التونسية الشامخة، وحيدة الدريدي أخذت من جبال الكاف الشموخ، تونسية جدّا ان صحّ التعبير «تونسية وافتخر أنني انتمي لهذا الوطن الذي اراه الاجمل»، امراة غيورة عن وطنها، تدافع عن صورة المراة التونسية، وحيدة تمثل انموذج للمراة القوية والحالمة دوما بتجديد مسارات النجاح، تسكنها طاقة من الحب والعمل، فنانة تراهن على الفن مطية للدفاع عن تونس ارض الحضارات والتاريخ والثقافات والتعدد والتلوّن كما تقول الحالمة دوما.
للمراة والتاريخ حضور بارز في أعمالها المسرحية او الحكائية «في الحقيقة تعلمت النظر الى هذه الارض بعين مختلفة منذ الطفولة، والدي دريدي كافي تعلمت منه الشموخ والفن، ووالدتي من الوطن القبلي منها تعلمت الانتباه لعرق الملاح والفلاح والانتصار للحق، ثم في الجامعة تحصلت على شهادة اختيارية في علم الفن والاثر الاسلامي الوسيط ومنها تعرفت على تاريخ هذا الوطن الصغير، وكما قلت سابقا اردت ان اكون جندية تدافع عن وطنها والمسرح سلاحي اليوم لاقدم للجميع صورة تونس الحقيقية».
تتأمل المكان ربما تستحضر من سكنوا هنا او منه تتأمل تاريخ البلاد، تصمت مرة أخرى، تفتح درج مكتبها وتمسك بيدها قلادة صغيرة هي خريطة تونس وتقول « ماثماش محبة نحسها في قلبي قد محبتي لتونس، اقسم أن تونس لا تقارن بأي بلد في العالم، اترين هذه الخريطة لصغيرة هي الاجمل، والعلم التونسي بالنسبة لي هو اجمل علم في العالم، فخورة انني تونسية».
وتضيف محدثتنا «فخورة بانتمائي لوطن جغرافيا هو الاجمل، من النادر وجود بلاد شمالها يثلج وجنوبها شمس حارة، يقولون اننا ننتنمي لـ3الاف حضارة، لكن عليهم مزيد البحث لان عمر هذه الارض 14الف عام من الحضارة، وآخر معلم وجد في تطاوين تجاوز عمره 10الاف عام وفي سبيطلة توجد أقدم معصرة في العالم والقرطاجنيين حين جاؤوا وجدوها وتعلموا كيفية عصر الزيتون من أصحاب هذه الأرض، (لا اضيف ارقاما او تواريخ عليهم فقط بإعادة قراءة التاريخ والبحث فيه)، منذ القديم ونحن بلد للسلم، ويستقبلون الوافد دون حرب، الامازيغ رحبوا بالقرطاجنيين، ثم جاء العرب وتوافدت الحضارات على هذه الأرض الصغيرة الفاتحة ذراعيها لكل تلوينات الحياة، فكيف لا أحبها ولا أدافع عنها في المسرح.
لها تصريحاتها المشاكسة للحكم والحكام في المنابر الاعلامية، مدافعة شرسة عن استقلالية تونس وانفتاح شعبها وثقافته، تدافع عن الوطن والانسان ادافع عن تونس لانه واجبي وايماني، المسرح سلاح للصادقين وبالمسرح اعرّف بصورة وطني الحقيقية، ربما نعيش ازمة اقتصادية، ربما نحن امام ازمة ثقافية وازمة ثقة بين افراد الشعب الواحد فمنذ 2011زرعوا فينا الفتنة، لكننا في النهاية تونسيين وسنتجاوز هذه الازمات وما ينقذ البلاد هو وعي أبنائها لا حكامها، وأؤمن بمقولة «كما تكونون يولّى عليكم» فلنؤمن جميعنا بتونس فتونس تبعث من رمادها كما طائر الفينيق.
هكذا تحاجج في دفاعها عن التراث، اما بخصوص المراة فتقول «انا مرا وتونس مرا شامخة وقوية، تونس مرا حرة، وحرائر تونس صنعن التاريخ وان فنّدوا» واشعر اني ملزمة بمهمة محددة هي إبراز الصورة الحقيقية للمرأة التونسية، أراها الأفضل والأكثر ثقافة والأشجع على وجه البسيطة، المراة التونسية قادت الجيوش (الكاهنة البربرية)، المراة التونسية كانت الأشرس في الحرب (محاربات قرطاج)، المرأة التونسية اول من ساق التاكسي في الخمسينات، الطائرة والباخرة واول طبيبة عربية تحدت المجتمع توحيدة بالشيخ ونحتت اسمها في التاريخ، عطف ملكة حفصة دافعت بكل طاقتها عن بلادها فالمراة التونسية تفتك حقوقها، امرة كادحة وصادقة لذلك قدمت «موال الجبال بنت جراوة» و»اللة الشاردة» وهي من تراث الكاف واخراج حاتم مرعوب، المراة التونسية فخر وافتخر انني تونسية.
لذلك توجهت إلى فن آخر أوثق معه تواريخ هذا البلاد ونضالات أبنائه وهو «الفداوي» للفداوي جمهور اكبر من المسرح، إليه أتوجه بحديث نجع دريد وسيرة الجازية وقصص نساء تونسيات أثرن في التاريخ، وأتذكر اول عرض فداوي قدمته في 2011 في بير الاحجار بتشجيع منن حمادي المزي، في الفداوي انطلق من اللباس وهو هوية هذا الشعب وجزء من ذاكرته، ثم اغوص في التاريخ ويقدم بطريقة سلسلة ليعرف اجيال اليوم تاريخ هذا البلد.
العبدلية لو رمم لشابه قصر الحمراء في الاندلس
تراهن على النجاح وتبحث عن التعب «انا مرا نحب المرمة والتعب»، بعد التخرج من الجامعة، وتيقني ان المسرح قدري حاولت العمل في المسرح فقط لكن اكتشفت ان المسرح وحده «مايعيشش» لذلك بعد 11عام بطالة قدمت مطلب للوظيفة العمومية، ونجحت في الامتحان وعينت مديرة دار ثقافة في الكاف وكانت التجربة رائعة، تعلمت فيها الكثير في الكاف وجدت معلمين كبار اولهم الحبيب العوادي المندوب انسان مهوس بالثقافة هو موسيقي محترف ورجل مثقف ثم حسن سوايعية مقتصد المندوبية علمني كيفية التحكم مع كراسات المالية، ثم التظاهرات كيفية البرمجة، بعد خمسة اعوام في الكاف عدت الى العاصمة الى باب العسل واليوم اشرف على «العبدلية».
وتتحدث الدريدي عن الفضاء وتقول «قصر العبدلية «عشقة وحكايات» قصر بني للترفيه والصيد عام 1505، في تلك الفترة القصر كان موجود في الغابة، ميناء المرسى كان قريب أيضا، يجب على الزائر تخيل القصر وسط الغابة، دون نوافذ حديدية فقط فتحات مفتوحة وجابية وبئر روماني والكثير من الاشجار،
ثم حدثت تغييرات وتحسينات حين سكنه القنصل البريطاني في القرن 17 وأضاف الطابق الأول وأغلق المدرج على الحديقة ثم سكنته عائلة البايات ثم تحول الى سجن ثم مكتب تكوين، الى ان حدثت غزوة العبدلية وصار هناك دفاع حقيقي من المثقفين عن القصر».
وتضيف مدير العبدلية للتاريخ رابعة الجديدي تعبت كثيرا لخلق هيكل قانوني للعبدلية ثم سيماء صمود والمديرات جميعهنّ حاولن التحسين في حالة القصر ووضعيته القانونية.
حين تسال عن أحلامها في هذا القصر الضارب في التاريخ تقول «احلم أن يكون القصر منارة ثقافية متوسطية، احلم أن يكون قبلة لست ملاين سائح، يجب ان يتوفر القصر على إقامة فنية وتظاهرات متوسطية، لو عادت الجابية للعمل ورمم القصر لأصبح أجمل من قصر غرناطة بالأندلس، لماذا نندهش بقصور العالم ونعبر عن جمالها ولنا قصر العبدلية أجمل لو رمّم وحدثت التحسينات الضرورية، اعمل على فكرة الترميم، وخلق نواتاة لتظاهرات مختلفة وسننجح حتما».
لكل البدايات الجميلة نهايات أجمل، تجربة وحيدة الدريدي المسرحية والتلفزية والإدارية لازالت متواصلة لكن اللقاء اوشك على النهاية، وفي ختام كلماتها تقول الدريدي «غدوة خير، تيقنوا ان تونس غدا افضل، لا تنسوا ان الارض ولاّدة، وتونس ستحيا كما طائر الفينيق.
وحيدة الدريدي: «تونس مرا شامخة، والمرا لا تهزم ولا تتراجع في حروبها»
- بقلم مفيدة خليل
- 11:22 14/02/2022
- 1416 عدد المشاهدات
• قصر العبدلية يضاهي أجمل قصور العالم فلمَ لا نرممه؟