وهي ابنة المكنين وخريجة دار المعلمين العليا بتونس وتمتهن التدريس وتعد لأطروحة دكتوراه في الأدب الحديث والمعاصر . وقد التقتها «المغرب» وكان الحوار التالي:
• في البداية هل لك أن تعرفي القارئ بمسيرتك الأدبية؟
دخلت إلى الأدب غضة العمر والأحلام والانتظارات بدأت محاولاتي الأولى مبكرا منذ المرحلة الإعدادية وكنت أشارك في الملتقيات المدرسية والمسابقات الأدبية و ألتهم الكتب قصة وشعرا ورواية و أقلد على غير سمط معيّن لغياب توجيه و تأطير حقيقي لموهبتي إلى أن توصلت إلى تطعيم الحس الشعري بالمعرفة بعلم العروض و قواعد الشعر ووجدت طرائق التأليف السليمة. وقد كان للملتقيات الأدبية والورشات النقدية التي أشارك فيها دورا كبيرا في تهذيب و صقل نصوصي .. إذ كنت أتردد على أغلب الملتقيات الوطنية وأحرز جوائز أولى و أغترف من زاد شعري ثريّ جدا و متنوع لشعراء و رفاق متميزين نتنافس كتابة و نقدا لتجويد إبداعنا. ولعل لتخصصي الأكاديمي لاحقا في الآداب العربية و الشعر القديم خاصة أثر عميق في وسم تجربتي برصانة الباحثة التي تقسو على نصها و تعكف عليه بالمحو و التحكيك والتجويد قبل أن يخرج إلى القراء. و ها أنا اليوم أسير ببطء و اتزان في جعبتي مجموعة شعرية و مخطوطات كثيرة و كم من تتويجات وطنية وحضور محمود في المشهد الثقافي بقدر ما يتفق و مبادئي وحلمي الأدبي.
• كيف جئت إلى عالم الأدب؟
لا طالما آمنت أن الكتابة قدر و أنها تختارنا لا نختارها و أنها تجيء إلينا من كل الأبواب حتى إن انشغلنا عنها فهي التي تختار متى تشرح صدرنا و تتنزّل علينا. وهكذا كان الأمر معي منذ خربشات الطفولة و تأثير عائلتي التي يهتم أغلب أفرادها بالمطالعة و الأدب. نشأت بين الكتب و النقاشات الأدبية والثقافية الراقية فكيف لا تصيبني هاته العدوى. و بدأت مسيرتي الأدبية مشاركة في الملتقيات و المسابقات و التظاهرات الثقافية و الورشات الأدبية والأماسي وكنت أسهم في تنشيط المشهد الثقافي بمدينتي المكنين وأحاول جاهدة أن أخلق مناسبات أدبية في الوسط المدرسي لتلامذتي أيضا فصورة الأديب الحق في نظري هو الفنان المثقف العضوي الذي عليه أن يفيد و يرتقي بمن حوله و ينشر رسالة الفن الراقي حوله لا أن يكتفي بتغذية نرجسيته و إشعاعه الذاتيّ فقط.
• ما الذي يمكن أن نعرفه عن إصداراتك وعن مشاريعك القادمة؟
لي إصدار شعري أول بعنوان «مثل ريح في منازلها صادر عن دار زينب للنشر سنة 2016 و هو باكورة نصوص قديمة جمعتها حماية لها من النسيان و الإهمال ولي دراسة نقدية منشورة هي بالأساس بحث الماجستير في اختصاص الشعر القديم بعنوان«الظرف المضاد، دراسة في جمالية القبح» و الدراسة بحث و تنقيب في طبقات الشعراء المهمشين الذين اختاروا الخروج عن الشعرية الرسمية و بحثوا عن مسالك إبداعية مضادة مغايرة تخلط القبيح بالجماليّ و اليومي بالشعريّ في العصر العباسيّ الذي أرى عصرنا امتدادا عجائبيا له و ابتعاثا لكل تناقضاته . و لي مخطوط شعريّ» سيرة شعرية» أجرب فيه طرائق كتابة شعرية جديدة بروح مختلفة ورؤية مغايرة لجماليات الصورة الشعرية لعله يصدر قريبا .
• في نصوصك الشعرية ما المسائل التي قمت بتناولها؟
القصيدة عندي تتسع لكل العالم أكتب عن ذاتي فيحضر وطني و يحضر الهم القومي والفلسطيني و تحضر هواجس الفقراء والمظلومين وآهات النسوة العاملات وعرقهن المالح عبر الكلمات وأحلام الأطفال وانكسارات الحالمين.. أكتب عن المرأة و عن رؤيتي للكتابة و عن الثورة التي تعتمل في النفس ضد كل التصورات السائدة عن الكتابة النسوية التي طبعتها بالميوعة والسذاجة والسطحية و خلطت بتمييز جندري مقيت بين الأنوثة و النصّ.. أكتب عن العشق كما المقاومة تماما فهما وجهان لكينونة واحدة في نظري. وأكتب مؤخرا قصيدة اليومي والسيرة الذاتية محاولة أن أقتنص لحظات الدهشة والوجع والمفارقة ولأتخلص من البلاغة التزويقية والإيقاعية الرنانة محاولة أن يكون المعنى هو الإيقاع واللحظة هي الصورة العميقة المنشودة. بعيدا أيضا عن الأغراضية الشعرية المعهودة والكليشيهات الدلالية فحسب رأيي على القصيدة أن تسع العالم أو لا تكون.
• عادة ما يخرج الشعراء إلى عوالم أدبية أخرى كالقصة والرواية فهل جربت إيمان حسيون أنماطا أدبية أخرى اضافة إلى الشعر؟
لقد جربت أن أكتب القصة القصيرة والخاطرة و السيرة الذاتية السردية ولكنها محاولات أحتفظ بها لنفسي وأعتبرها فيض خاطر و تمرينا على الكتابة لا غير. أو لعلها أحيانا نوافذ أفتحها حين تنغلق أبواب الشعر ويخبو شيطانه فأبحث عن متنفس في السرد أو في الرسم على اللوحات فأنا أيضا رسامة أترجم ما تختزنه النفس لونا وحركة حين تضيق العبارة.
• و أنت الباحثة الأكاديمية- من منظورك الخاص- هل ثمة حركة نقدية في بلادنا في السنوات الأخيرة؟
أنا مقتنعة تماما أن المشهد الأدبي التونسي يخلو من النقد الحقيقي البناء ومن أي جهد لتمييز الجيد من الرديء في النصوص و أنه فقط أدب مجاملات و رمي ورود و تبادل دعوات و تكريمات. المشهد الأدبي فوضويّ و سرياليّ حيث لا ضابط ولا مرجع تتعالى فيه أصوات لا تمت للشعر بصلة فتراها تصول وتجول و تمثل البلاد خارج الوطن و داخله و تغطّي على الأصوات الشعرية الصادقة في هذا الوطن التي لم تنخرط في حمّى المجاملات و التنازلات و التي تأبى أن تحني جبهة القصيدة و تكتب النص التهريجي السطحيّ الذي لا يرتقي كثيرا عن المستوى الصفر للكتابة كما يسميه بارت وليس له من الشعرية أيّ ملمح أو سمة. و أنا لا ألوم المتشاعرين الذين يغطون الساحة على ما يأتون بقدر ما ألوم الشعراء الحقيقيين والأكاديميين الذي تخلوا عن مسؤوليتهم النقدية تاريخيا وتقوقعوا على أنفسهم في أبراجهم العاجية و تركوا مجالا للفوضى الشعرية و النقدية أن تسود. فحتى دراساتنا النقدية القليلة التي تنشر هي في أغلبها استكتاب حول نصوص رديئة ينخرط كتابها في ترقيع و تجميل ومدح ما ليس بشعر. إننا نعيش فوضى اصطلاحية نقديا و فوضى إجرائية لتخلي النقاد عن دورهم و فوضى إبداعية لغياب الفهم الحقيقي لمعنى الكتابة الشعرية و رفض أي صوت نقدي صادق. ولا مخرج من هذا إلا بتأسيس مدرسة نقدية محكمة تهتم بالنص قبل كاتبه.
• السائد اليوم أو لنقل الأكثر رواجا في مجال الأدب قصيدة الومضة والقصة القصيرة جدا فما تقييمك لذلك؟
خاصية الأدب هي الحراك والتطوّر ومن الطبيعي أن تنتج كل الأشكال الأدبية في فترة مّا أشكالا وليدة وتجريبية تعبّر عن روح العصر وتوق الكاتب إلى التحرّر. و قصيدة الومضة أو القصة القصيرة جدا هي تطور طبيعي جاء نتيجة التأثر بالكتابات الغربية وتماهيا مع فكرة الزمن المتسارع المعاصرة و كل هذه الأشكال لها أحقية البحث عن شعريتها و أدبيتها المهم أن يكون الشكل نابضا بمعنى عميق وفكرة تستنطق العقل والخيال والشعور معا.