«من وراء السديم» للأزهر زناد: حاربوا الجهل وانتصروا للعلم لتبقى الأرض كنز جميع الكائنات

هل لك ان تتخيل انك تعيش في «زحل»؟ او «المشتري»؟ هل يمكن لخيالك ان يجعلك تتجول في كامل الكرة الأرضية في بضع دقائق

وتركب مركبات تسير بالطاقة الاشعاعية؟ هل أن لك القدرة على صنع صورة لكوكب الأرض وساكنيها بعد ملايين السنوات؟ وأسئلة كثيرة أخرى يحملك إليها الازهر الزناد في «من وراء السديم».
تجربة روائية مميزة أخرى يخوض غمارها الأزهر الزناد، يرحل بقرائه الى عوالم غير معروفة فمن «زاما» و»قرطاج» التاريخيتين، يسافر هذه المرة إلى المجموعة الشمسية أين ستكون الكواكب غير المعلومة لإنسان اليوم فضاء للأحداث «إلى أطفال الكوكب الأزرق، اليوم انتم الأبناء، وغدا انتم الآباء، وبعد غد انتم الأجداد، وبعد، بعد، بعد غد انتم الأسلاف لكل قادم على مدى الأبد، حافظوا على الأرض درة الأكوان، فلا خيار لكم بعدها» كما يقدم الكاتب مولوده الروائي الجديد الموغل في الخيال والفانتازيا والرواية صادرة عن «pop libris» ضمن سلسلة روايات الجيب التونسية.
لا حدود للخيال ولا حواجز امام التجديد
«من وراء السديم» رواية خيال يتردد بك من الماضي السحيق إلى المستقبل البعيد، وعودا إليه مرورا بالحاضر الراهن، هي رواية تحلق بفكرك في مدارات كونية عجيبة بعيدا في عوالم لم تلجها بخيالك في ما مضى، رحلة يبدع في ترتيب عمرانها روائي لا يخاف المغامرة في الكتابة.
المكان في الرواية أمكنة فهو «الكوكب الأزرق» الأرض أين نجد العاشقين روبي وجاد يجلسان فوق ربوة عالية يتأملان جمال المكان وسكونه تحت ضوء القمر، تحديدا جبال الالب «شيع جاد النظر يتمعن في امتداد الجبال بقممها الناتئة من خلال الظلام البعيد» ثم تتحول الأحداث إلى «تمبكتو العتيقة» التي ستتحول صحرائها القاحلة إلى خضرة لا تقطعها إلا البحيرات اللامعة ففي قادم الأزمان ستتحول الصفرة الى خضرة بعد انتهاء الحروب والصراعات الصناعية بين أبناء الكوكب الأزرق وستنتفي الحدود «الأرض بلدة واحدة، لا حدود فيها ولا جمارك».
الأرض التي تتميز اليوم بكثرة الصراعات والنداءات لرفض العنصرية والدفاع عن حقوق الإنسان، الأرض التي يسكنها عدد هائل من الفقراء واللاجئين قد تكون ذات يوم بعد ملاين السنوات ربما خالية من كل شرّ «انتشرت العناية بالبيئة، فاخضرت البراري والصحاري، وتكاثرت جميع أنواع النباتات والحيوان، وتفنن الأرضيون في البناء المعماري فصارت البيوت تحفا فنية، وخلت الحياة من كل عنف وصارت المودة تملأ الحياة، فقد خلت المجتمعات من الكره، فلا تمييز بين النساء والرجال ولا بين البيض والسود ولا بين الفقراء والأغنياء، ولا فصل بين شرقي وغربي، فالأرض واحدة وأهلها وحيدون في الكون، لا مثيل لهم في الكائنات والميزة بينهم سعة الاطلاع ودرجة الذكاء».
في الرواية يعمّر الكاتب بخياله جزر ظلت لقرون خالية من البشر، يزرع فيها بشرا وحياة وعمارة، من جبال الآلب الى تمبكتو التي ستكون مركز لاجتماع الحكماء المدافعين عن الأرض الى جزرة سيسميها «جزيرة مالك الحزين» وهي «جزيرة هيرون وهي تقع على لشعب المرجانيّ الكبير، على مدار الجدي، قريبا من استراليا، كما كانت تسمى في الجغرافيا القديمة، وظلت على مدى ألفيات كثيرة خلوا من كل بشر، لكن تغير المناخ جعلها تؤهل في الألفيات اللاحقة» وهذه الرحلة الجغرافية الشاسعة تتطلب فقط بضع دقائق للتجوال بفضل المراكب التي تعمل بالإشعاع الفوطوني.
من الأرض تتحول فضاءات الأحداث إلى عالم لم يكتشف جميعه اليوم لكن في الرواية سيكون متاحا ومكان ترتكز بيه مراكب الأرضيين للدفاع عن كوكبهم الجميل، تحديدا جميع كواكب المجموعة الشمسية ستكون خط الدفاع الأول عن الأرض «وكان الأرضيون قد قسّموا منذ آلاف السنين، احزم الدفاع عن الأرض إلى ثلاثة مناطق دائرية، أولها المنطقة الداخلية التي تضم مجال الكوكبين المجاورين للأرض الزهرة والمريخ، وتشمل المنطقة الوسطى زحل والمشتري وثالثتها المنطقة الخارجية التي تضمّ كواكب بلوتو ونبتون واورانوس».
في الرواية يوغل الزناد في وصف هذه الكواكب وخصوصياته فيسافر بالقارئ إلى أزمان لم تأتي بعد وكأنها سفرة عبر آلة الزمن إلى المستقبل البعيد جدا، رحلة مختلفة ومميزة موشاة بالنجوم والخيال وذكاء الإنسان القادر على اكتشاف كل الفضاءات المغلقة.
الرحلة الى المستقبل تتطلب قراءة التاريخ
حافظوا على الأرض فهي كنزكم الأزلي، الكوكب الأزرق سيد الأكوان هكذا يدفع الزناد قارئه ليراجع ذاته وتصرفاته تجاه كوكبه، هي انتصار للأرض على حساب جميع الأكوان الموجودة في المجموعة الشمسية، الأرض التي يزعجها ساكنها اليوم بالتلوث ستكون في قادم الأزمان منهكة وغير قادرة على محاربة أعدائها الهلاميين « غلاف الأوزون قد تهرأ منذ آلاف السنين بفعل الانحباس الحراري الذي تسبب فيه النشاط الصناعي عند أسلاف الآدميين على مدى الأحقاب البعيدة»، في روايته يصبح ضمير القارئ هو مطية الدفاع عن الأرض، إذ تتصاعد أحداث الرواية ليتعرض الجنس البشري إلى هجوم من الهلاميين فتصبح جميع النساء فجأة حوامل والرجال تحت خدمتهنّ ومدة الحمل فقط تسعة أيام وحين الولادة تختفي المرأة وتتناثر فقط تظل ادباشها.
هي حرب متطورة يواجهها الأرضيين مع كائنات غير معروفة، حرب يعتمد فيها الارضيون أسلحة متطورة وتدور خارج الكرة الأرضية تحديدا في السماء إذ «نصبت مركبات الهجوم الدقيقة الفتاكة على وجه بلوتو الخفيّ، أما نبتون فالريح فيه هبوب عنيفة لا تستقر وخير أن يكون تركيز المركبات على الأقمار حول نبتون، وفي كوكب ارانوس تتركز المركبات وهي تطلق القذائف في الفراغ لتمنع مركبات العدو من الفرار في ذاك الاتجاه والمراد بالخطة توجيه العدوّ إلى المشتري حيث يكون الإيقاع به وآخر محطة في الطريق إلى عنق الزجاجة فهو كوكب زحل».
«من وراء السديم» رواية تكشف قدرة كاتبها على اختراق مجالات مختلفة، بأسلوبه البسيط والمميز يشد انتباه القارئ ويدفعه لتخيل شكل الأرض بعد ملايين الأعوام، يجعلك تريد السفر إلى المجموعة الشمسية واكتشاف كل الخصوصيات الجغرافية لذاك العالم المجهول وربما امتطاء المركبات السريعة واكتشاف الأرض ايضا.
في الرواية يتصل الماضي بالحاضر والمستقبل، فلا تبنى الامم دون الاعتبار من أخطاء الماضي وإصلاح الحاضر ليكون المستقبل أفضل، دعوة لمزيد قراءة التاريخ والانتباه الى تفاصيله ففيه الكثير من الأسرار والقيم، وبانكبابه على دراسة التاريخ القديم يستطيع «القائد جاد» بطل الرواية الانتصار على الهلاميين لتطبيقه خطة كماشة حنبعل «ليت حنبعل يبعث الآن ليستعيد نخوته ونشوته بالنصر لقد نجحت خطتك مرة أخرى في التاريخ المديد» فالزناد ككل كتاباته مدافع شرس عن التاريخ يدعو قارئه لفتح ابواب القديم وتأملها قبل الانطلاق الى المستقبل.
• من الرواية:
لما سهل عيش الأرضيين وتيسرت الأعمال عندهم بفضل الروابيت الذكية، تفرغوا لممارسة الفكر بأنواعه، فازدهرت عندهم الفلسفة والتاريخ وعلوم الفلك والفيزياء الكونية، واقبلوا على الفنون بانواعها فازدهر الأدب ولرسم والرقص والموسيقى والغناء وانتشرت الرياضة والألعاب بأنواعها، وصفا العيش فقلت الأمراض وطالت الاعمار، لكن الطبّ عندهم ظلّ عاجزا عن مقاومة شيء واحد: هو الموت».
«يتميز القائد جاد بخصوصية التنقل عبر الفوطون، فسماه بعض معارفه بفارس لشعاع الفوطوني، صار خبيرا بالمعقد من الاستراتجيات العسكرية في الفضاء الكوني، فقد اقتنع الارضيون بان سلامة الكوكب الذي يؤويهم لا تكون الا بتامين سلامة المنظومة الشمسية باكملها، لذلك اتخذوا من الكواكب الطرفية مراكز للانذار المبكّر ونصبوا فيها دروع واقية».
«آلة قارئ الأفكار لا تستعمل عند الأرضيين إلا في مناسبات قليلة جدا، فيعرض عليها كل من يترشح لمنصب سام في الدولة او في منظومة لدفاع، ثم تنشر الكشوف عن أفكار المترشحين على عموم الناخبين إبان الحملة الانتخابية، وبذلك ما كن ينجح في السياسة إلا الصادقون من الرجال والصادقات من النساء».
«فكر القائد جاد في استراتجية قوامها الدفاع والهجوم في ان واحد، فالاعداء ليسوا في مواطنهم، والارضيون في مواقع قوة مقارنة بهم ومصادر التزود بالطاقة الهيدروجينية والفوطونية متوفرة في كلّ كوكب بأقماره من المجموعة الشمسية...هذه الخطة هي خطة الكماشة، واريدها ان تدخل تاريخ البشرية، فلم يسبقني اليها الا قائد قرطاجني عظيم عاش في العهود السحيقة في التاريخ القديم هو حنبعل» .
«على سطح بلوتو ركزت المركبات المفخخة التي جهزت بمجسات تتحسس مرور المركبات المعادية، وعلى اقماره الخمسة: تشارون، وستيكس ونيكس وكربيروس ثم هيدرا نصبت مركبات كثيرة برمجت كل واحدة منها على تصويب شعاع ليزري الى كل جسم معاد يمرّ من مجالها»

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115