وتعرية كل اشكال النفاق المجتمعي؟ هل وجد الفن ليكون فقط وسيلة لتنويم الشعوب وتصدير صور عن المجتمعات المحافظة والأخلاق الحميدة؟ هل وجدت السينما لتكون عينا للحقيقة وانعكاسا لما يسكن الشارع والمجتمع ام لتمرير الصور عن البطولات الاخلاقية الوهمية وتخدير الشعوب بقيم اسلامية اصبحت نادرة؟ واسئلة اخرى يمكن طرحها بعد الهجمة الشديدة على فيلم «أصحاب ولا أعز» من انتاج «نتفليكس».
اتهم الفلم بنشر الرذيلة والتشجيع على الفسق والفجور، ورفعت دعاوى قضائية الى النائب العام بتهم «الترويج للمثلية» مع هجوم فايسبوكي وإعلامي وصحفي على احدى ممثلات العمل الفنانة منى زكي لمشاركتها في فيلم «يمس من الاخلاق وقيم المجتمع» كانت تلك حصيلة الردود طيلة الاثنين وطيلة السبعين ساعة الفارطة بعد ان بثت «نيتفليكس» النسخة العربية من فيلم «اصحاب ولا أعز» من بطولة منى زكي وإياد نصار عادل كرم ونادين لبكي ودايموند عبود وجورج خباز، ومن إخراج وسام سميرة في أول تجاربه الإخراجية وهو اقتباس من الفيلم الإيطالي perfetti sconosciuti أو Perfect strangers الذي صدر عام 2016 وصدرت عنه اقتباسات بلغات عدة قبل العربية.
قبول المجتمع للعنف والدموية
في الشارع ورفضه لها
في السينما:
حكاية الفيلم تبدو بسيطة، مجموعة من الاصدقاء عددهم سبعة يقررون اللقاء والعشاء معا ومشاهدة مراحل خسوف القمر، اصدقاء بعضهم تجاوزت سنوات صداقتهم العشرين سنة، اثناء العشاء يقترحون لعبة للتسلية مفادها ترك الهواتف جميعها على الطاولة وكل رسالة او اتصال يقرأ وينصت له الجميع، في البداية تكون اللعبة مغرية وممتعة لكنها ومع تقدم الوقت تنكشف الكثير من الاسرار المخبأة في قلب الصناديق السوداء «الهواتف» التي اصبح الانسان عبدا لها.
فضاء الاحداث واحد طاولة العشاء، يتغير فقط اثناء الخروج لمشاهدة القمر، تتوالى الرسائل و الاتصالات لتكشف عن أسرار مخبأة تتعلق بالخيانة وبعدم تشجيع الزوجة لزوجها (زوجها طبيب تجميل وتبحث عن اخر لإجراء عملية على الثدي)، بالعقد النفسية المتوارثة بين الازواج (الحي ينتهي مع الزواج هي عادة متوارثة)، بالنظرة المجتمعية السطحية لإنجاب الاولاد (الابناء فقط يشعرونك بمعنى حياتك)، العلاقة بين الحماة وزوجة الابن والعلاقة بين الاب وابنته المراهقة، ثم خيانة الاصدقاء والمثلية الجنسية.
وقدمت طريقة تناول للعديد من المواضيع الشائكة قدمت دون مشهد جنسي واحد ودون صور قد تخدش «حياء أي المدافعين عن الاخلاق»، في الفيلم تركيز كبير على العنف الساكن في الانسان العربي ورفضه للآخر «كيف تريدونه ان يخبركم انه مثلي والساعة التي قضيتها في تقمص الشخصية كانت الاسوء في حياتي، زوجتي انكرت معرفتي وصديق عمري يريد قتلي».
حراس معابد الاخلاق يصنعون أمجادهم الافتراضية
الدين الجنس والسياسة الثالوث المحرم، تم تجاوز طرح المواضيع السياسية في الافلام لكن الجنس والدين لازالا من المحرمات لدى بعض مستهلكي السينما، ادى الى ردود افعال سلبية تجاه فيلم «اصحاب ولا اعز» فالدين يحضر حسب جهابذة الفرجة من خلال سماح الاب لابنته بممارسة حياتها والتمتع بحريتها وهي في عمر الثمانية عشر موقف جوبه بالثلب للممثل واتهام الفيلم بالتحريض على الفجور وتحريض الابناء على عصيان الاخلاق المجتمعية، فماذا لو قتل الاب ابنته انتقاما لشرف سيهدر؟ هل سيرضي غرور المدافعين عن الشرف والأخلاق؟.
من ناحية الجنس وقعت الاشارة الى المثلية الجنسية من خلال شخصية «كريم» التي اداها الممثل فؤاد يمين وتمّ الاشارة للمثلية فقط من خلال رسائل صوتية دون تمرير مشاهد واضحة، وقد أثارت مجرد الاشارات حفيظة المتابعين واتهموهم بنشر الشذوذ «ماذا لو شاهد المراهقين الفيلم، حتما سيتأثرون؟» وتعليقات عديدة تزعج القارئ قبل اتمام الفرجة على الفيلم الذي حقق نسب مشاهدة مرتفعة جدا فبعض المشاهد مقسمة حصلت على أكثر من 900 ألف مشاهدة واخرى تجاوزت المليون ونصف مشاهدة، عدد مشاهدات مرتفع لمشاهد عنونت جميعها بـ «فضيحة».
«اصحاب ولا اعز» فيلم تدور احداثه في مكان واحد، شخصيات تجتمع حول الطاولة ومع كل رسالة او اتصال تتاح المساحة الدرامية للمثل ليخرج زاده التمثيلي والادائي، فلكل شخصية اسرارها ولكل ممثل طريقته الخاصة في التعبير وكأنها مشاهد منفصلة جمّعت بحرفية عالية في فيلم واحد.
فيلم تتصاعد احداثه تدريجيا رغم اتسام اغلب الاحداث بالبطء، وكأنها تمس فكر المتفرج وتعطيه مساحة لإعمال عقله قبل اتمام الفرجة، فيلم خال من المشاهد التي قد تخدش حياء المدافعين عن الأخلاق، فلم خال من الكلمات النابية او المسيئة للدين، فلماذا كل تلك الضجة التي احدثها في الساعات الفارطة ولماذا كمية التعنيف والعنف النفسي والفايسبوكي الذي تعرضت له الممثلة منى زكي بسبب مشهد «نزع ملابسها الداخلية» مع تركيز كامل للكاميرا على الوجه، مشهد كانت مدته ثواني معدودات يسمح للآلاف بتشويهها وهرسلتها وسبّ الفيلم ونشر دعاوى قضائية ضدّه» مشاهد جريئة لا تتماشى مع اخلاق مجتمعاتنا العربية» بينما في مجتمعاتنا تعنف النساء يوميا ومشاهد العنف تصل الساعات احيانا.
«اصحاب ولا اعز» صورة مصغرة عن المجتمعات العربية، صورة عن النفاق والزيف الاخلاقوي الذي يدعيه الكثيرون في العلن وهم يمارسون كل اشكال الرذيلة في الخفاء، صفحات مفتوحة عن تشتت هذه المجتمعات وتمسكها بكلمة الاخلاق فقط قولا لا فعلا، الفيلم صورة لواقع المجتمعات ولبشاعتها في رفض المختلف وعدم قبوله .
أهمّ رسالة للفلم هي التركيز الكلّي على عبودية الانسان لكل وسائل التواصل الاجتماعي فالهواتف الذكية اليوم أصحبت صناديق اسرار الانسان وأصبحت تتحكم في اختياراته وعلاقاته وطريقة تفكيره ايضا، في الفيلم تجسيد لهذه العبودية من خلال قصة الاصدقاء السبعة ليتضح للمتفرج اخر الفيلم ان اللعبة لم تحدث وأن كل تلك التناحرات التي شاهدها الجمهور من وحي الخيال والأسرار لم تكشف ولن تكشف مادام هناك من يدافع بشراسة عن الزيف والظلمة ويرفض بزوغ انوار الحقيقة.
نقابة المهن التمثيلية تنصف منى زكي
أصدرت نقابة المهن التمثيلية في مصر، بيانا ردت فيه على الجدل الحاصل بشأن فيلم «أصحاب ولا أعز» الذي يعرض على نيتفليكس.
ويأتي هذا البيان إثر موجة انتقادات للفيلم وصلت إلى حد الهجوم الالكتروني على الممثلة المصرية منى زكي مع اتهامات بضرب قيم المجتمع.
وفيما يلي نص البيان:
«تابعت نقابة المهن التمثيلية نقيبا واعضاء، بكل دقة ، كافة ردود الأفعال التي ظهرت في وسائل الإعلام، ومواقع التواصل الاجتماعي ، وبعض الآراء من شخصيات سياسية (منفردة او ممثلة لأحزابها ) والتي جميعها دارت حول العمل الفني فيلم
«أصحاب ولا أعز» والذي شاركت في بطولته الفنانة المصرية مني ذكي عضو النقابة
ونتيجة لهذه المتابعة تؤكد النقابة علي ثوابت أساسية أهمها :
• أولا - أن الحفاظ علي حرية الإبداع في دولة مدنية تؤمن بالحرية جزء أساسي من وجدان الفنانين المصريين تحميه النقابة وتدافع عنه
• ثانيا: أن النقابة لن تقف مكتوفة الأيدي أمام اي اعتداء لفظي او محاولة ترهيب معنويه لأي فنان مصري او النيل منه نتيجة عمل فني ساهم فيه مع مؤلفه ومخرجه ، وستقوم النقابة بدعم الفنانة مني ذكي حال محاولة البعض اتخاذ أي إجراء من أي نوع كان تجاه الفنانة عضو النقابة.
• ثالثا: النقابة وهي تحرص علي القيم الاصيلة للمجتمع المصري تؤكد على أن دور الفنون والقوى الناعمة أن تعالج القضايا الشائكة وأن تدق ناقوس الخطر علي ظواهر كثيرة قد تتسرب لمجتمعنا ويجب أن يتصدى لها فنانو مصر ومبدعوها بأعمالهم والتي تكشف كثيرا منها وتعطي رسالة لتنبيه الجميع ، وهذا هو دور الفن في عمومه ودور فنون التمثيل خصوصا.
هذا وتهيب النقابة بالجميع بعدم التعرض لأشخاص أعضائها من الفنانين لمجرد مشاركتهم في عمل معين.
فيلم «أصحاب ولا أعز» والضجة الكرى: هل الجمهور حارس للأخلاق؟ وأي سينما يريدها المدافعين عن الشرف؟
- بقلم مفيدة خليل
- 12:16 25/01/2022
- 822 عدد المشاهدات
هل أن الفنّ حارس للدين والأخلاق؟ ام أن الفن مساحة للبوح والتعبير عن القضايا المجتمعية والدينية دون خوف؟ اي دور للفن إذا لم يكن كشفا عن قبح الواقع