كتاب الأحد: «طفولوليا كوكب الأطفال» لصلاح بن عياد: انصتوا إلى الاطفال فهم رسل مقدّسة وهم يعلمون الخير ويريدون تحقيقه

من منا لم يحلم بعالم يشبهه او يتخيله؟ من منا لم يتحرك الطفل داخله حين يشاهد لعبة جديدة او زهرة تتفتّح؟

من منا لم يسع بكل تلقائية لصناعة الشغب وملاعبة اطفال اخرين وهو في طريقه الى عمله ونجاحاته؟ من منا لا يجلس وحيدا كلما شعر بضيق ليعود طفلا يريد فقط اللعب والنوم دون خوف؟ من منا لا يريد عالما نقيا من الامراض والآلام والحروب والمجاعات واللون الاسود، قد تكون أمنيات صعبة التحقيق إلا أنه في عالم الكتابة لا وجود لكلمة مستحيل.

والى عالم جميل موشى بالالوان والجمال والضحكة البريئة يحمل صلاح بن عياد قراء مولوده الادبيّ الجديد «طوفوليا: كوكب الاطفال» باسلوب مشوق وكتاب صغير الحجم ينصح بقراءته للكبار قبل الصغار، «طفوليا» رحلة نقدية تكشف عن قبح الانسان في تعامله مع محيطه وكوكبه، هي دعوة للحلم والانصات للاطفال، رواية صدرت عن دار مسكلياني للنشر في 92صفحة بغلاف ازرق سماوي مبهج يحمل صورة طفل صغير ينظر الى الشمس والنور صممه عبد الفتاح بوشندوقة .

طفوليا: عالم للاطفال فقط صغارا وكبارا
هيا بنا لنحلم، هيا بنا نصنع عالما جميلا خاليا من كل الوجع والحرب والدم، هلموا نصنع عالما بريئا كضحكة الأطفال، ترى كيف يكون العالم لو خلا من الالم والمرض والتقتيل والتهجير والتلوّث ألن يكون اجمل؟ ترى ما ملامح العالم حين ينتهي الشر والتنمر والضحك على آلم الاخر؟ الا يكون اسعد لنا جميعا؟ هكذا يتساءل صلاح بن عياد على لسان شخصيته المحورية «فارس الصافي» اسم جميل يلائم صاحبه «ما اعلق صفاته باسمه ولقبه، فهو للاحلام فارسها وحامل رايتها وللطفولة رمز صفائها» كما كتب رمزي بن رحومة.
فارس الصافي طفل من ملايين الاطفال على البسيطة يعاني من مرض مزمن هو «الربو» يجبره مرضه على البقاء طويلا في الفراش لأنه يتعرض لنوبات ضيق تنفس مخيفة، مرضه دفعه لانشاء عالم خيالي هو «طفوليا» يجمع الاطفال من كل العالم، كل الهاربين من جحيم الواقع ومرضه وشروره له مكانه في طفوليا كوكب الاطفال وطريقة الدخول لهذا العالم هي المراسلة الورقية «من المهمّ ان تكون ورقية، على الورق فحسب يمكن ان نلمس اثار الايادي وخفقات القلوب، انها اصدق ما يمكن ان يجمع المترسّلين وأرقاه».
وجاء توصيف الكوكب الجميل كالتالي:»ايها الأطفال «طفوليا» ملجأ خاص بنا فكرة برّاقة، ركن من العالم او كوكب طفوليّ خيالي لا امراض مستعصية فيه ولا شرور، لا حروب ولا مجاعات، لا عنف ولا صراخ ولا اعمال شاقة، سيطلّ كوكبنا علينا من نوافذنا كلما احتجنا اليه، سيساندنا في ازماتنا، في امراضنا واحزاننا الصغيرة،سيبتسم لنا بزرقته السماوية الصافية، هو كوكب من احلامنا البريئة ومن صفائنا، لا تلوّث فيه، لا حرائق، كوكب من نور وطيبة، تختلط فيه كل الالوان الزاهية زسيود فيه الحبّ مثل ملك يسيّر كل شيء، او قانون يضبط كلّ العلاقات، و هو كوكب يبقى منفتحا على لمساتكم جميعا فأضيفوا اليه من جمال ارواحكم وأفكاركم ما شئتم».
«طفوليا»: حلم بفضاء يتسع للانسانية دون خوف او مرض
طفوليا كوكب انضم اليه الكثيرين، كل الاطفال الهاربين من امراضهم واوجاع المجتمع وعلّاته بحثوا عن مكان في كوكب طفولويا، اليه هرب الفرنسي «ديلان» المصاب بمرض «الكرابيه» (مرض نادر يصيب الجهاز العصبي لم يخترع له علاج بعد)، وهو اول الاطفال الراحلين الى «عالم النور» بل الى طفولويا «رحل ديلان الى طفولويا، كوكبنا الطفولي الموعود، هنالك سيتخلص نهائيا من الكرابيه، اراه يتنعّم بهواء موكبنا الجميل بل اراه لونا من الوانه الزاهية».
الى طفوليا انتمت «ايريكا بارونغر» ابنة قبيلة «الكايابو» التي تعيش في قلب الامازون، طفلة تشاهد احتراق غابات موطنها الغابي الصغير «نحن من اللذين يعتبرون غابات الامازون قطعة من قلوبهم» تلك الطفلة المدافعة عن بدائيتها ومحبة السكان الاصليين للسلم والعيش بعيدا عن نعم الحارة والمدينة « من يقيم بغابات الامازون انسان حقيقي، انسان ناعم وبسيط ومحبّ للجميع_، لا حسابات في حركاته ولا في سكناته، هو لا يختلف كثيرا عن النباتات والحيوانات والطيور، انه جزء من تربة هذه الارض».
«طفوليا» كوكب لا يعرف الحدود الجغرافية، كوكب فقط للصادقين اليه تريد الانضمام «سلماتو» فتاة من شعب «منده» من قرية «نجاما» في مقاطعة اسمها «كايلاهون» واقعة شرق جمهورية سيراليوني، فتاة جائعة تقرر الكتابة علها تسكت صراخ الجوع الذي يسكنها لعجز الاب عن توفير ثمن الغذاء بعد ان تخلى كل السكان عن اراضيهم لرجل اعمال حولها الى مصنع واستعبدهم مقابل ملاليم قليلة وفي «طفوليا» لا وجود للجوع او المرض او الاستغلال.
تتواصل الرحلة الابداعية التي يبدع في نحت معالمها صلاح بن عياد على ألسنة اطفال من العالم، واحيانا يقدم الفرصة للكبار (حاملي قلوب اطفال) ليحلموا ايضا «الاطفال رسل مقدسون يأتون محملين برسالة الحياة، يولدون فيشغلون الحياة باللعب والصخب» ولكن ماذا عن اطفال لا يستطيعون اللعب؟ ماذا عن وجع طفل يحرم من الصخب لانه مختلف عن الاخرين كما حدث لصابرين «القزمة»، ايّ ذنب يرتكبه الطفل الحالم حين يتعرض للاهانة من قبل استاذه فينزوي تدريجيا حد المرض «الهيكيكوموري» والانسحاب نهائيا من العالم الخارجي بسبب خطإ في طريقة معاملة المعلم للتلميذ؟ اي ذنب ارتكبه «عمار الثابت» لينبذه الجميع فقط لان والده يصطحبه الى المقهى ويعامله كما الكبار حتى اصابته عدوى الكبار اللعينة.
في «طفوليا» العالم المنشود الجميع سواسية، في طفوليا لا يحق معاقبة الطفل او تخويفه فقط لانه اخطأ، في العالم المنشود لن تمرض «سين» وتصاب بفوبيا الاخطاء اما جبروت امها والعائلة ووصفها الدائم بالفشل «يصاب معظم الكبار بنوع من جنون العظمة امام الاطفال، فيظلوا يملون عليهم تصرفاتهم وفقا للتجارب التي خاضوها فيما مضى من حياتهم، يفعلون ذلك بكل ثقة وقسوة».
يصنع عالم عجيب بأسلوب سرد ممتع، مراوحة بين الحوار والقصّ، احداث تكتب في شكل رسائل ورقية بخط ولسان شخصيات طفولية او كبار يريدون الانضمام لعالم الاطفال بأسلوب مشوق وجميل، الرحلة في طفوليا ممتعة، مع كل رسالة ستتوقف للحظات وتعيد القراءة وتطرح السؤال «ايّ ذنب ارتكبه هذا الطفل؟» فالرواية رغم صغر حجمها ثرية جدا بالرسائل والشيفرات والاسئلة التي لا تنضب، اسلوب جميل وحكايات موجع تثقل الروح وتدفع القارئ للبكاء احيانا متى احب الشخصية واحترم أحلامها، «طفوليا» لو قرأتها بقلب طفل ستبكي وستفرح معا ولو قرأتها بعقل كبير ستشعر بالخزي لايذائك الدائم لتلك الكائنات الصغيرة وستشعرك بالخوف على احلامك التي قد تتبخر يوما.
بشع هذا العالم بما يكفي، وقاسى هذا الانسان كثيرا هكذا يمكن الاستنتاج بعد الرسائل الكثيرة المتوافدة على طفوليا من اطفال سئموا الارض ويريدون كوكبا يجمع احلامهم، من «طنجة» الى «الروحية» الحالم بابنها بالقليل من الماء «تاملت السماء لم ار سوى الغيوم الشريدة، كانها تتجنب ارضنا الجافة، هل في طفوليا ما يكفي من الماء؟» الى «مدينة العمارة العراق» الى رام الله الى جندوبة التونسية الى «اروكا شمال كولومبيا» الى اطفال «كلكتا» شرقي الهند الاطفال الحمّالين «نريد كوكبا مسخّرا للعب، نريد ان نلعب ونأكل الشوكولا طوال الوقت» ومنه الى «لوليتا» المصابة بمرض «متلازمة توريت» كل هؤلاء الاطفال يحلمون بعالم خال من الالم والاجهاد وقسوة الكبار، عالم يمرحون فيه ويكسبون الثقة والحب، عالم يشبه ضحكاتهم الصغيرة واحلامهم المؤجلة، عالم «طفوليا» الذي ابدع كاتب الرواية في صناعته.
«طفوليا» العالم الجميل المنشود موجود فعلا، كوكب الاطفال هو «الارض» الكوكب الذي يعيش فوقه الاطفال فقط المطلوب من الجميع مواجهة المشاكل لحلها عوض الهروب منها، دعوة للكبار لمزيد الانصات لاحاديث الاطفال ودعوة للاطباء ليشخّصوا جيدا امراض الاطفال وينتبهوا لذاك الانسان الصغير دون التفكير في المقابل المادي، دعوة لاحترام حقوق العمل والمواثيق الدولية لحقوق الانسان وعدم انتهاك حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، طفوليا ليست الهرب الى كوكب اخر بل اصلاح كوكب الارض «الارض هي نحن، لقد افسدنا كل شيء ايها السادة، الماء والهواء والتراب وكلّ ما نملك من غذاء، استغللنا كل الموارد الطبيعية دون التفكير في امكان نفاذ تلك الموارد يوما، كوكبنا معطاء وكريم الى درجة جعلتنا نظنّه بلا حدود والواقع انه كوكب هشّ لو تعلمون».
فالكتاب «طفوليا» محاولة لابراز قبح الانسان في تعامله مع كوكب الارض وجشعه المتزايد امام اخلالات بيئية يساهم فيها تجعل المرض ينتشر بسرعة، هي دعوة مباشرة للانتباه لهذا الكوكب الجميل لنضمن الاوكسيجين والماء وحياة جميلة ومتوازنة «ساخبر اخوتي العالميين جميعا، بأن طفوليا هو الارض وان الارض هي كوكبنا المأمول والموعود وعلينا ان نعمل على ذلك» اذ يمكن للارض ان تكون خالية من الحروب والمجاعات وفضاء للحلم والامل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115