مسرحية «18أكتوبر» إخراج عبد الواحد مبروك ضمن مهرجان «دوز العربي للفن الرابع»: مارسوا المسرح لأنه فعل مفتوح على أبواب الحرية

ما ملامح الصراع بين اليمين واليسار؟ هل أن الصراع الخفي والمعلن تخدمان أحيانا مصلحة البلاد ام هو دعوة لمزيد التشتيت والتفرقة؟

هل أن تونس لكل التونسيين؟ ما مصير المنبوذين من أحزابهم لأنهم عارضوا النظام العام للحزب من اليمين الى اليسار؟ هذه الأسئلة وأسئلة جريئة أخرى تطرح في مسرحية 18اكتوبر اخراج بوكثير دومة والتي قدمت ضمن فعاليات مهرجان دوز العربي للفن الرابع.
«18اكتوبر» نص بوكثير دومة واخراج عبد الواحد مبروك وتمثيل محمد قعلول وعبد العزيز قزي وبلقيس جوادي ومرافقة كوريغرافية عبد العزيز التواتي وتوظيب اضاءة لصالح حلوة وموسيقى رامي عكة وتوظيب ركح يوسف النعماني .
المسرح دعوة للحرية
ثلاث شخصيات على الركح تصنع الحركة الدرامية للمسرحية، ثلاثة اجساد دون أسماء او ملامح واضحة، الإضاءة خافتة فقط الموسيقى تكون دليل المتفرج ليدخل الى عوالم الحكاية، الشخصيات تذرو الرمال وكأنها تصعّد ما يسكنها من الم ووجع ومآس تختزنها منذ الازل، الإضاءة تدفع المتفرج لمزيد التركيز على حركات الجسد لفهم القصة المطروحة، «شم الريحة، طلع الضو، الإشارة واضحة ومفضوحة، امش بلا ظهر بلا قفا، انتصر، انتحر، انت حرّ، انت حرّ» مع كلمة الحرية تشتعل جميع الأضواء لتصبح ملامح الشخصيات جلية وكان المخرج يريد لجمهوره الانتشاء أكثر بالحركة قبل معرفة من يقدم تلك الحركات وذاك النص الجريء والناقد، هي دعوة للنقد وإعادة قراءة الثورة التونسية التي زادت من شتات ابناء الشعب الواحد.
ثلاث شخصيات تصنع الحكاية وتقدمها، عمار النفطي محام يساري اطرد من الحزب لأفكاره الناقدة والمختلفة عن قيادته، وصديق الطفولة العروسي الذي أصبح من مناصري المتاسلمين ويريد تطبيق الشريعة والتوحيد هو الاخر طرد من حركته لتمرده على القيادات، وحليمة زوجة العروسي هي الشخصية الرابطة بينهما، في طريقة استطراد لما عاشته تونس خلال الاعوام الاخيرة.
«18اكتوبر» عنوان المسرحية، عمل كتب نصه بوكثير دومة، هي قصة الصراع الخفي بين اليمين واليسار والاتفاق المعلن بينهما، «عمار» و»العروسي» يمثلان كتلتين سياسيتين في تونس وهما يتصارعان منذ البدايات لاختلاف الافكار والرؤى إلا أنهما يقرران الاتحاد وقت المصلحة «حناي بلادنا حرمت علينا،وحناي سقف احلامنا عالي»، هي مسرحية تكشف كل ملفات القبح التي تخلفها السياسة، هي قصة اختلاف نتجت عنه فرقة ابناء الشعب الواحد قدمها ممثلون يؤمنون ان المسرح زراعة لورود الثورة انطلاقا من الركح، ثورة حقيقية تنتصر للتونسيين، ثورة تعبر عن هموم الشعب وتنتصر لقيم الحرية «من الزيف تسميتها ثورة الياسمين، ثورة لا ينتصر فيها العامل والفلاح ليست ثورة بل خديعة».
تتوالى اللوحات الناقدة، المحامي يبحث عن فكرة للهجرة صحبة صديق الطفولة فيقرران التمثيل «نعرسوا» لان المثلية ستكون جواز سفرهما الى دولة تؤمن بالحريات الفردية وتنطلق حصص التمثيل والتركيز على التفاصيل حتى يصدق ممثلو الوزارة مثليتهم، عمار يعمل بجد والعروسي متردد منذ البداية وبعد اشواط يتراجع العروسي ويجبن ليطرد الاثنان من جنات السفارة، وكأننا بكاتب النص ينقل الواقع التونسي على الركح، يكتبه عبد الواحد مبروك مسرحيا من خلال حركات الممثلين الصادقة والموسيقى والاضاءة ليكتشف المتفرج بشاعة السياسة وقبحها.
السينوغرافيا جزء من العملية الابداعية، تتماهى الموسيقات المختلفة مع الاضاءة لتصنع لوحات مميزة، من غناء صحراوي مميز تنطلق المسرحية ثم ترحل الى موسيقات العالم، جولة بين الأغاني والأهازيج التي تلامس القلب وتدفع الروح للتفكير وتدعو العقل لمزيد طرح الاسئلة، بين إضاءة خافتة تكشف نصف الملامح وموسيقى متلونة تلعب الشخصيات وتراقص الكلمات الناقدة والطرح الجريء، عمل ينتصر لقيم الحرية على الركح، مسرحية تدعو موسيقاها للانطلاق الى عالم من الجراة، فالمسرح فعل جريء لا يعترف بالممنوع او المحرّم هو فعل لممارسة الحياة الحرّة.
الوطن امرأة قد تخسر معركة لكنها ستربح الحرب
حليمة اسم الشخصية، حليمة من الحلم والرقة، على الركح تكون الشخصية مسكونة بالخوف والعقد، امرأة تطمرها المآسي وتثطت عزيمتها الوعود الزائفة، حليمة الحاضر امرأة بنقاب تدعو إلى تطبيق الشريعة، امراة تعيش مع بقايا رجل وشبح زوج وبقايا حبيب، امرأة تتالم بصمت، حليمة الحاضر تسكن السواد وفي داخلها حليمة اخرى، امراة حرة وثائرة لا تخاف بطش البوليس او جبروت النظام، امرأة محبة للموسيقى وعاشقة للرقص وحركاته، حليمة في المسرحية هي تونس، هي الوطن الذي يتصارع عليه أبنائه ينالون خيراته يسرقونها ثم يتركونها للوجع، هي الوطن الذي تتقاسمه رياح السياسة بين اليمين واليسار، هي انموذج عن الأحلام المطورة والأفكار المنسية.
حليمة ليست الجسد فقط بل هي الفكرة والأفكار لا تطمس حليمة تتغير من شخصية الى اخرى ومن حال الى أخرى حسب متطلبات الحكاية، تنزع عنها سوادها وترميه وتسترجع لحظات الرقص فتبدع في تجليات الحياة، ترقص بشغف الاطفال وكلما تحركت نفضت عنها غبار سنين السواد والالم، إلى المشهد الاخير الذي تختار فيه حريتها وجمالها، تختار الرقص والموسيقى بعيدا عن أطياف الظلامية والسواد، تنتفض حليمة كانتفاض الوطن ضد خونته وباعته، تنتفض لتزهر من جديد وتغادر الشخصية الركح تاركة خلفها اكوام الوجس مجسدة في شخصية العروسي، حليمة هي الوطن الذي قد تهزم في معركة لكنها لن تخسر حرب الحرية والحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115