مسرحية «عطش» إخراج منصور الصغير في افتتاح مهرجان دوز العربي للفن العربي: المسرح فعل مقاومة للحفاظ على الموروث وحفظ الذاكرة

إلى الصحراء تكون الوجهة، إلى الصحراء تكون الرحلة المسرحية لاكتشاف عوالم هذه الربوع المغرية والساحرة، إلى «دوز»

يكون المحجّ لاكتشاف فعاليات مهرجان دوز العربي للفن الرابع في دورته السادسة عشرة والذي افتتحت فعالياته مساء الاثنين 27ديسمبر بمسرحية من انتاح فرقة بلدية دوز وهي «عطش».
«عطش» قصة الإنسان الصحراوي وقيمه وإيمانه بالحرية والوطن، إخراج منصور الصغير ونص لناصر عبد الدايم و كلمات الأشعار لبشير عبد العظيم وتمثيل إخلاص عبد العظيم ورحاب بن مبارك ومحمد بلحاج والسبتي اليعقوبي وعبد الله موسى ومنصور الصغير والناصر عبد الدايم وموسيقى لغسان الجديدي واضاءة توفيق الصغير وتوظيب عام الكيلاني فرج .
«عطش» ملحمة ابناء الصحراء للبقاء
في الصحراء تكون الأحلام أجمل، في الصحراء تكون قصص الحب اصدق، في الصحراء ذاك الكنز الشاسع تكون الحكايات اكثر ثراء، في الصحراء تجتمع فلسفة الانسان وحكمته في التعامل مع الرمال والرياح، فينتصر الانسان ليثبت انه الأجدر أن يكون خليفة الله على الأرض، في الصحراء تبرز عبقرية الانسان هكذا هي ملامح المسرحية الصحراوية،عمل يقدم عينة عن حياة الصحراوي، ينصت لحديث القبائل ومشاكلها مراوحا بين الماضي والحاضر، يتابع حكمة الزعيم وشموخه في الدفاع عن أبناء القبيلة ويصحب «اوداد» في رحلته الى الجبل حالما بطائر الفردوس.
في الرحلة الى تفاصيل الصحراء التي كتب فيها كثيرا ابراهيم الكوني وعشقها البشير عبد العظيم ودهش أمامها عبد الناصر عبد الدايم ومنصور الصغير تكون المتعة الوجودية والمسرحية، انطلاقا من العمل على موروث موسيقي صحراوي، المسرحية تقسم إلى سبعة مشاهد، تفصل بينها الموسيقى وينطلق كل مشهد بأغنية تقدمه وتلخص المضمون، الأغاني كتب اشعارها البشير عبد العظيم فكانت بإيقاع موسيقي ساحر، على الركح يذهلك صوت البندير في امتزاجه مع القمبري والناي الصحراوي، تتماهى الإيقاعات فتجبرك إلى السفر إلى أعماق ذاك الفضاء الممتد لمساءلة من مروا من هناك على القيم والأخلاق وفكرة الانتماء والاستقرار خاصة والصحراوي يرفض الاستقرار في مكان واحد «اياك والاستقرار لأنه عدوّ الحرية، البناء فال سوء بالنسبة للصحراوي» كما يقول في المسرحية.
«عطش» مسرحية تجمع البعد الفلسفي والواقعي والتاريخي، هي محاولة للغوص في خبايا الصحراء والكشف عن سرّ تمسك البدوي بتلك الرمال الممتدة فهو يرى في البناء إنذار بالخراب وفقدان الحرية، الصحراوي ومنذ الأزل يعشق الترحال، يهوى الانتقال من مكان الى اخر يسحره امتداد الرمال وتخيفه الجدران العالية، هي تيمة الحرية الي يفككها العمل ويحاول دراستها فلسفيا عبر العلاقة الثنائية بين البدوي والصحراء.
«عطش» مسرحية تحمل الجمهور إلى عالم الصحراء وحكاياتها الغريبة، من صراع القبائل على الماء الى الحروب والبحث عن فكرة الخلود وانتشار العرافات وقصصهنّ المخيفة فالبحث الأزلي عن الصفاء ومقارعة الرياح، مسرحية تكاد تكون كتابا يمكن تصفّحه للتمعن اكثر في الصحراء وجمالها وسيرة أهلها ومن مروا بها، مسرحية تتماهى فيها مقومات السينوغرافيا مع جمالية النص وإتقان الشخصيات ليكون العمل متكاملا ينتصر للصحراء ويقدم الموروث الحكائي للجنوب على المسرح.
«عطش»: قد تنهار القيم لكن قيمة الوطن لا تهان
تعلم الصحراوي من صحراءه شيم القوة والثبات على المبدأ وحفاظ العهد، يتعلم الصحراوي الصدق في القول والإخلاص في العمل، يتعلم الصحراوي حبّ الأرض والتمسك بها وان كانت مجرد رمال تذروها الرياح، هكذا يتعلم الصحراوي منذ نعومته مجموعة من القيم تكون زاده ليقاوم الحياة وبهرجها، لكن في الصحراء أيضا يوجد من يقبل بمقايضة القيم بالذهب، ويجسدها شخصية «الفقيه» الذي ادعى تعليمه للاطفال والدفاع عن حرية الانسان قبل التغلغل في شؤون القبائل وبث الفتنة بينها حدّ تحطيم تلك الخيم الكثيرة والدعوة للاستقرار في منازل حجارة وما تبعها من بيع للقيم وتهاوي للاخلاق يراها الصحراوي مقدسة فسقوط الأخلاق يساوي العطش.
«عطش» هو عنوان المسرحية، العطش هو العدوّ الأول للصحراوي، الجفاف هو وجعه الازلي وحيواناته فالعطش يجبره على الحرب لإيجاد الماء والعطش يضطره للتنقل من مكان الى آخر بحثا عن الكلأ، العطش وانحباس الأمطار يجبر الصحراوي على التكيّف بطرق مختلفة بحثا عن مواصلة الحياة.
«عطش» هي تجسيد لحياة الصحراوي على الركح دراسة مسرحية ذات بعد اجتماعي تفكك شيفرات الإنسان الصحراوي وكيفية تفكيره وحياته، ذاك البدوي الذي يبدو جد بسيط يرعى الإبل ويسكن في خيمة ويصطاد الطيور هو انموذج فلسفي ووجودي يصعب فهمه ودراسته ومنا انطلقت المسرحية في تفكيك الإنسان الصحراوي لتبدئ من قيمه وأخلاقه ومعتقداته المجتمعية وتضعها أمام الجمهور ليتشبع بقيم الشهامة التي يكتسبها الصحراوي من الصحراء وحيواناتها، لكن مع انتشار التمدن وفكرة الأسواق والتجمعات تراجعت تلك القيم حدّ التهاوي «ماذا تريد الشراء، ضمير؟ محبة؟ كرامة؟ لكل شيء ثمنه»؟.
فهل يبيع الصحراوي كرامته او ضميره؟ هل يبيع الصحراوي اخلاق اسلافه وامجاد اجداده؟ هل يبيع الصحراوي وطنه وان كان فكرة؟ الاجابة تكون لا من خلال المشهد الاخير الذي يتغنى بقسم الصحراوي على فداء وطنه والتمسك بحبوب رماله «غير الوطن لا يساوموه يقعد عشقه وسط القلب وفي القبر يدفنوه» وهي جملة ختام المسرحية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115