مسرحية «أولاد الهامش» تأطير عفاف الانداري بمسرح الحرية في السجن المدني بمرناق: «جميعنا سجناء في حالة سراح»

احتفلت تونس أمس بالذكرى الثالثة والسبعين للإعلان العالمي عن حقوق الإنسان، واحتفت الهيئة العامة للسجون والإصلاح بعرض مسرحي

جريء مهدى إلى كل المهمّشين قدّمه مودعو السجن المدني بمرناق تأطير عفاف الانداري.

«اولاد الهامش» هو عنوان العرض الذي قدمه مودعو سجن مرناق، عرض ينقد المنظومة السياسية في تونس والمنظومة المجتمعية ايضا، مسرحية يتداخل فيها الانساني بالفني احتفاء بالمسرح والانسان.

الى كل المهمّشين، قاوموا فانتم الامل
إلى أبناء الهامش، إلى من سرقت أيامهم وانتهكت أحلامهم، إلى من همّشتهم الدولة وتناستهم السلطة، إلى أبناء الأحياء الشعبية و الأرياف المبعدة، إلى كل الباحثين عن عمل إلى من أرادوا الهجرة وركوب البحر فوجدوا أنفسهم في السجن، إلى من سئموا التهميش والتمييز في هذا الوطن، إلى من ينتمي إلى هذا البلد فقط ببطاقة التعريف الوطنية إلى كل التونسيين سجناء العادات والتقاليد والعيب، إلى من ظلموا وهمّشوا واعتبروا مجرد أوراق رابحة في سباق الانتخابات أهديت مسرحية «أولاد الهامش».
«أولاد الهامش» مسرحية تدغدغ روح الإنسان وتمسّ قلبه، تضعه أمام مرآته الذاتية ليتساءل عن قبحه، فجميعنا ندّعي الأخلاق وكلنا ندّعي الموعظة بينما جميعنا سجناء في حالة سراح، الكل يخطئ لكن قليل من يسامح المخطئ كما تقول المسرحية، أولاد الهامش مسرحية داخل المسرحية في كلا الحالتين الأبطال من المودعين، ثلاث مودعين لهم مواهب في الكتابة والتمثيل والغناء والصلام، ثلاثتهم يقررون الاحتجاج داخل السجن ولكلّ مطالبه الخاصة، يطلب منهم مدير السجن الحوار لمعرفة المشكل.
تتصاعد الاحداث ويختاروا التعبير بالفن فيخبرونه انهم «نحن أبناء الهامش قبل الثورة وبعدها،نحن من وعدنا كذبا وبهتانا، لسنا سراقا السارق من يسرق من العمر أجمل أيامه، نحن الصارخون بأصوات لا تسمع، نحن أولاد الهامش لا نملك اللغة في بلاد لغتها خشبية ، نحن نعيش في مسرحية ممثلوها المهرة هم السياسيون والمسؤولون».

«اولاد الهامش» ابطالها ثلاثة تونسيين، اخطئوا ويدفعون عقاب الخطيئة، ثلاثة تونسيين ينقدون الواقع السياسي والاقتصادي ويشرّحون المنظومة المجتمعية والقيمية المشوّهة، ثلاثتهم اختاروا الراقص والراب للتعبير عن وجعهم ووجع أبناء الفئات المهمشة وكل من يتشاركهم الوجع ممن في القاعة، في العرض تحضر الموسيقى المسجلة «التيتر المسجل انجزناه في السجن، الاغنية ايضا كتبت داخل السجن فشكرا لكل المشرفين على سجن مرناق» كما يعبر احد الممثلين المودعين بعد العرض، في المسرحية ينطلقون بالرقص ويختتمون بلغة الجسد ايضا وبينهما مشاهد تعكس أهمية الفعل الإبداعي والنشاط الثقافي للمودع.
في دار الثقافة ابن خلدون كان الاحتفال بفعاليات اليوم العالمي لحقوق الانسان، امام جمهور غفير وعائلات أتت لتقابل ابنائها مباشرة واطفال يزيدون ابائهم دفعا وطاقة كان العرض يدور في مدار انساني فني، في العرض تمحى الصفة «سجين» ليكون اللقاء مع ممثلين صادقين ابكوا جمهور المسرح لانهم لامسوا تفاصيل الجرح التونسي المشترك.

النساء قادرات ونصف
«أنا مرا وقادرة نخدم كيما آلاف الرجال» بهذه الجملة تعلق على كلمات المدير «هاذم متوحشين»، في الواقع منشطة وإطار بالهيئة العامة للسجون والإصلاح وفي المسرحية منشطة لنادي المسرح ومؤمنة أن داخل كل إنسان طاقة ايجابية يمكن عبرها تغيير الإنسان ومؤمنة بقدرة الفنون على صناعة إنسان بطريقة تفكير مختلفة، تونسية قوية الشخصية، تونسية مميزة ومختلفة تخوض غمار التجربة الفنية، بين الواقع والمسرحي تنجح أسماء الهرابي في إيصال صوتها إلى كل الحضور، تدافع عن الثقافة والفعل الإنساني.

في المسرحية تجسد الهرابي شخصية أستاذة مشرفة على النشاط الثقافي، يتمثل مشروعها في تشريك المودعين في عمل مسرحي يكون وسيلتهم للتعبير عن قصصهم، تواجه الرفض لأكثر مرة، بتعلة أنها مرا في حبس رجال، تتمسك بمشروعها وطلبها «بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لكل مواطن الحق في الثقافة والمساجين مواطنين، جميعنا في سجن الأفكار البالية، نحكم عليهم وننزه أنفسنا، جميعنا في حالة سراح، لم نعد نعيش في وضعية مواطن وإنسان بل أصبحنا نعيش مع ملائكة وشياطين، ولو نطبق القانون لدخل الجميع إلى السجن، شعب يعاني من السيكيزوفرينيا يرى انه ملاك وغيره شيطان» بهذه الجملة لخصت الممثلة، الأستاذة وضعية السجناء ودافعت عن حقهم في الفعل الإبداعي وكشفت قبح التونسي في تعامله مع الآخرين.

في المسرحية تجسد الشخصية جديا وتنتصر للمرأة التونسية، لتلك الذات الإنسانية غير القابلة للكسر أو التحطيم، أسماء الهرابي نجحت في المسرحية، ونجحت في شد انتباه الجمهور للعرض المقدم ومعه الإشادة بدور المرأة التونسية وريادتها.
خلف الستائر توجد امرأة أخرى وطاقة إبداعية أخرى هي المخرجة عفاف الانداري، عفاف ذات التكوين المسرحي وهي فنانة تدافع عن المسرح وتقدمه للمودعين، تشرف على نادي المسرح للعام الثالث وقع تقديم عمل مع مودعي سجن مرناق، عفاف الانداري تونسية ذات إرادة صمّاء كما الجبال الشاهقات، لها حدود لسقف أحلامها، ابنة الهيئة العامة للسجون والإصلاح واستطاعت الجمع بين الفني والإداري بذكاء، تونسية حرة تقدم أعمالا جريئة، أعمال تنتصر فيها للإنسان فقط، تنصت لوجعه وحكاياته وتحولها إلى أعمال درامية بحبكة فنية مميزة، عفاف الانداري خاضت تجربة العمل في سجن رجالي لتقدم للجمهور عملا مسرحيا يرشح بالوجع والحب والأمل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115